العدل النبوي.. مواقف لا تُنسى في الحكم بين الناس

العدل، هو غاية كل إنسان، وما حدثت الصراعات عبر التاريخ إلا بسبب غياب العدل والمساواة بين الناس.

وقد كانت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لتحقيق العدالة بين الناس، يقول تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد: 25)، (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) (الشورى: 15).

كان خُلُقه العدل

سُئِلَتْ السيدة عائِشة رضي الله عنها عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: «كان خُلُقُه القُرآنَ» (أخرجه أحمد)؛ وهذا يعني أنه كان أعدل الناس؛ يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90)، ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة: 8).

من مواقف العدل في حياة النبي

وبما أن حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانت موقوفة كلها عند كتاب الله عز وجل، فقد كانت جميعها كذلك محكومة بالعدل في كافة تفاصيلها.

لم يكن عدل النبي صلى الله عليه وسلم انتقائياً؛ أي مع المسلمين فقط، وإنما كان عدلاً مطلقاً مع كافة الخلق، يروي عبدالرحمن بن أبي بكر أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلَّم ثلاثين ومائة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل مع أحدٍ منكم طعام؟»، فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعُجِن، ثم جاء رجل مشرك مُشعان طويل بغنمٍ يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبيعٌ أم عطيَّة؟»، أو قال: «أَمْ هِبة؟» قال: لا، بل بيعٌ، فاشترى منه شاة، فصُنِعت، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يُشوَى، وايْمُ الله، ما في الثلاثين والمائة إلا قد حزَّ النبي صلى الله عليه وسلم له حُزَّة من سواد بطنها، إن كان شاهدًا أعطاها إيَّاه، وإن كان غائبًا خَبَأ له، فجَعَل منها قَصعتين، فأكلوا أجمعون، وشَبِعنا، ففضَلت القصعتان، فحمَلناه على البعير. (أخرجه البخاري).

فهذا النبي القائد بين جنوده، ويمر بهم رجل كافر، قد يقول قائل ولمَ يشتريها منه؟ ولم لا يستحل مال الكافر وهو رجل يسير وحده بلا معين أو سند أو من يحميه؟ ما الذي يضطر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعامل الرجل معاملة حسنة وهو عدو لله وعدو لله بشركه؟ إنه العدل المطلق، العدل المستحق لكافة الخلق، فلا شيء يبيح لإنسان أن ينتهك حق إنسان آخر حتى ولو كانت معه القوة.

فهو العدل الذي شرعه الله عز وجل في دينه السماوي ليعيش الناس آمنين كرماء حتى ولو كانوا مختلفين في العقيدة، إنه خلق النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله عز وجل باتباعه.

ولنا أن نقارن اليوم حين ضعف المسلمون وتخلوا عن سبب قوتهم ورفعتهم وهو دين الله كيف فعل بهم عدوهم، فلننظر في غزة ونقارن لنعرف أنه يجب علينا العودة سريعاً، ليس إنقاذاً للأمة وحدها، وإنما إنقاذاً للعالم كله.

وعن أُناسٍ من آل عبدالله بن صفوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا صفوان، هل عندك من سلاح؟»، قال: عارية أم غصبًا؟ قال: «لا، بل عارية»، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعًا، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حُنينًا، فلما هُزِم المشركون، جُمِعت دروع صفوان، ففَقَد منها أَدْراعًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفوان: «إنَّا قد فقَدنا من أَدراعك أَدراعًا، فهل نَغرَم لك؟»، قال: لا يا رسول الله، لأن في قلبي اليوم ما لم يكن يومئذ» (رواه أبو داود).

العدالة والمرأة المخزومية

والعدالة لا تنتهي مع أتباعك كمسؤول، فتوقف الأحكام عند المخالفين لك، وقد اعتاد الناس ذلك وهم في مواقع المسؤولية فيتحايلون على القانون ويعطلونه حين يتعلق الأمر بأحبابهم أو بأصحاب النفوذ أو المال.

فقد روَت السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ قريشًا أهمَّهم شأن المرأة المخزومية التي سرَقت، فقالوا: مَن يكلِّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يَجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فكلَّمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتَشفع في حدٍّ من حدود الله؟»، ثم قام فاختطَب، ثم قال: «إنما أهلَك الذين قبلكم: أنَّهم كانوا إذا سرَق فيهم الشريف ترَكوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، وايم الله، لو أن فاطمة ابنة محمد سرَقت، لقطَعت يدها» (أخرجه البخاري).

وعن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المقسطين عند الله على منابرَ من نور عن يمين الرحمن عز وجل -وكلتا يديه يمين- الذين يَعدلون في حُكمهم وأهليهم وما وَلُوا» (أخرجه مسلم).


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة