نتنياهو ملاحَق في كندا.. لا أحد فوق القانون!

إياد القطراوي

02 نوفمبر 2025

103

في سابقةٍ غير مألوفة في العلاقات الدولية، أعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني أن حكومته ستنفّذ مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، في حال دخولهما الأراضي الكندية.

وفي تصريحه قال: كندا دولة موقّعة على «نظام روما الأساسي»، ونحن نحترم التزاماتنا الدولية، إذا دخل نتنياهو وغالانت الأراضي الكندية، فستُنفَّذ مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بحقهما.

تحول حقيقي أم تصريح رمزي؟

أثار هذا التصريح عاصفة من الجدل السياسي والقانوني، ووضع كندا في مواجهة مباشرة مع «إسرائيل»، التي سارعت إلى اعتبار القرار سابقة خطيرة وطعنة في صميم العلاقات بين البلدين.

فهل تمثّل هذه الخطوة تحوّلًا في الموقف الكندي من قادة «إسرائيل»، أم أنها لا تتجاوز التصريحات الرمزية في ظلّ التعقيدات السياسية والضغوط الغربية؟

القرار الكندي بتنفيذ مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت يُمثل تحولاً في الموقف الرسمي

بهذا التصريح، تنضمّ كندا رسميًا إلى الدول التي أكّدت رسميًا أو ضمنيًا التزامها بتنفيذ مذكّرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو، وغالانت، وهي الدول الموقّعة على «نظام روما الأساسي» التي أعلنت مواقف واضحة وصريحة، وأبرزها إسبانيا وأيرلندا وبلجيكا وتشيلي وكولومبيا.

في المقابل، تبنّت دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأستراليا وجنوب أفريقيا مواقف أكثر حذرًا؛ إذ أعلنت احترامها استقلال المحكمة دون أن تؤكد بوضوح نيتها تنفيذ الاعتقال بحق نتنياهو، وغالانت؛ تفاديًا لأزمة دبلوماسية مباشرة مع «إسرائيل» أو الولايات المتحدة.

رفض «إسرائيلي» أمريكي

يأتي التصريح الكندي في سياق تصعيدٍ دولي تجاه «إسرائيل» على خلفية العدوان وحرب الإبادة على غزة؛ ما يمنح الحدث بُعدًا سياسيًا أوسع.

الاعتقال الفعلي لرئيس حكومة الاحتلال ووزير دفاعه السابق سيخلق أزمة دبلوماسية كبيرة

أما من جهة «إسرائيل»، فالموضوع ليس مجرد قضية قانونية، بل قضية تمسّ سيادتها وأمنها، إذ ترى أن المحكمة الجنائية الدولية قد تجاوزت صلاحياتها بحجة أن فلسطين ليست دولة ذات سيادة، وبالتالي لا يحقّ لها رفع قضايا ضدها أمام المحكمة.

كما عبّرت الولايات المتحدة عن رفضها القاطع لمذكّرات التوقيف، معتبرة أن المحكمة تساوي بين دولة ديمقراطية ومنظمة إرهابية، حسب قولها، إلا أن قرار المحكمة عام 2021م باعتبار الأراضي الفلسطينية ضمن ولايتها القانونية جعل مذكّرات التوقيف نافذة.

بين التنفيذ وتحدي الضغوط

قانونيًا، كندا ملزَمة تمامًا بتنفيذ المذكرة بموجب توقيعها على «نظام روما الأساسي» لعام 2000م، الذي يفرض على الدول الموقّعة التعاون مع المحكمة وتسليم الأشخاص المطلوبين.

لكن عمليًا، فإن الاعتقال الفعلي لرئيس حكومة «إسرائيل» ووزير دفاعه السابق سيخلق أزمةً دبلوماسية غير مسبوقة بين كندا وحلفائها الغربيين، وقد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية وأمنية عميقة.

إن تنفيذ الاعتقال يعتمد على مدى رغبة الدولة في تحدّي الضغوط السياسية، أكثر من كونه التزامًا قانونيًا بحتًا.

انعكاسات الموقف الكندي

يفتح الموقف الكندي الباب أمام دول أخرى في أوروبا وأمريكا اللاتينية لتبنّي مواقف مماثلة، خصوصًا تلك التي تواجه ضغطًا شعبيًا متصاعدًا بعد مشاهد الدمار والمجازر والجوع في غزة على إثر العدوان وحرب الإبادة التي تعرضت لها.

الموقف الكندي أصبح في موقع الاختبار العملي والفعلي لتنفيذ أوامر المحكمة بالاعتقال

كما يُعد هذا الموقف رسالة رمزية مفادها أن زمن الحصانة السياسية بدأ يتآكل أمام ضغوط القانون الدولي والرأي العام؛ ما يُعزّز عزلة «إسرائيل» السياسية، ويزيد من توتّر علاقاتها مع الدول الغربية التي بدأت تتبنّى خطابًا أكثر توازنًا تجاه جرائم الحرب.

موقف «إسرائيل» والضغوط الغربية

أصبح الموقف الكندي في موقع الاختبار العملي الأول لتنفيذ أوامر المحكمة ضد نتنياهو، وغالانت، وأثار حفيظة «إسرائيل» التي وصفت الموقف بـ«الاستفزازي».

وردّت بطلبٍ رسميّ من كندا بإعادة النظر في موقفها، معتبرة أن تنفيذ قرارات الاعتقال سيُضر بالعلاقات الثنائية.

كما استدعت وزارة الخارجية «الإسرائيلية» السفير الكندي في «تل أبيب» لتقديم احتجاجٍ رسمي، مطالبة إياه بالتراجع عن الموقف واحترام حق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها، لا أن تتبنّى دعاوى مسيّسة ضد قادتها، حسب وصفها.

مدى جديّة تنفيذ القرار

من الناحية القانونية، فإن كندا والدول الموقّعة على نظام روما الأساسي ملزَمة باعتقال الأشخاص الذين صدرت بحقهم مذكّرات توقيف من المحكمة الجنائية إذا دخلوا أراضيها.

لكن من الناحية العملية، فإن اعتقال رئيس حكومة ووزير دفاع سابق في دولة متحالفة مع حلف «الناتو» ينطوي على أزمة دبلوماسية كبرى، وقد يجرّ تداعيات بعيدة المدى.

محاسبة قادة الاحتلال لم يعد من المحظورات إنما مطروح على طاولة السياسة والقانون

وفي ظل طبيعة العلاقات بين كندا و«إسرائيل»، وما يترتّب عليها من تبعاتٍ أمنية وسياسية، يبدو أن كندا قد تجد صعوبةً بالغة في ترجمة التصريحات إلى اعتقالٍ فعلي، إلا إذا دخلا أراضيها بشكل مباشر، فتكون السلطات الكندية أمام خيارٍ ملزمٍ لا مفرّ منه.

إن الموقف الكندي يعكس ارتفاعًا في وتيرة المساءلة الدولية تجاه «إسرائيل»، ويبعث برسالةٍ قوية بأن لا أحد فوق القانون، غير أن التنفيذ الفعلي للاعتقال يبقى محلّ تساؤل، نظرًا لتعقيدات السيادة والدبلوماسية وتشابك التحالفات الغربية.

إن إعلان كندا وغيرها من الدول التي تبنت نفس الإعلان استعدادها لاعتقال مجرمي الحرب الصهاينة يمثّل نقطة تحوّل رمزية في ميزان العدالة الدولية، فالحديث عن محاسبة قادة «إسرائيل» لم يعد من المحظورات، بل أصبح مطروحًا على طاولة السياسة والقانون.

الاعتقال فعليًا ربما لن يُنفذ، لكنّ الرسالة وصلت؛ العالم يتغيّر، وملف غزة يترك أثره العميق في النظام الدولي، حيث لم يعد الزعماء ومجرمو الحرب فوق القانون، حتى أولئك الذين طالما ظنّوا أنفسهم محصّنين من المساءلة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة