أقربون أولى بالهدى.. نماذج من حرص النبي ﷺ على هداية أقاربه

منذ أن نزلت
الرسالة الخاتمة الموحى بها من الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى
بها بين الناس حريصاً على هدايتهم، مبشراً إياهم بجنة ونعيم، ومحذراً لهم من عذاب
مقيم، فالله تعالى قال: (لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128).
وقد تنوع حرص
النبي صلى الله عليه وسلم على هداية الناس بين هداية أقاربه وأعدائه وأهل الكتاب
والملوك، ومن مظاهر حرصه على هداية أقاربه ما يلي:
أولاً: الحرص على هداية زوجته:
إن زوجة الرجل
هي أقرب الناس إليه، فإن آمنت بما يؤمن به زوجها كانت خير معين له على مواصلة دعوة
الناس إلى الله تعالى، ولهذا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على دعوة زوجته خديجة
إلى الإسلام، فبعد أن أسلمت حثها على الصلاة معلماً إياها الوضوء والصلاة.
فإذا كان النبي
صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فواجب علينا أن نخطو خطاه، ونكون أشد حرصاً على العمل
على هداية زوجاتنا لما في ذلك من سبيل إلى هداية الأبناء إلى طاعة الله تعالى.
ثانياً: الحرص على هداية الأبناء:
الأولاد هم ثمرة
فؤاد الإنسان، ولن يسلك الأبناء طريق الخير إلا بهداية الله عز وجل، ولهذا حرص النبي
صلى الله عليه وسلم على هداية أبنائه، ففي مجمع الزوائد عن حذيفة قال: جئت إلى
النبي صلى الله عليه وسلم والعباس جالس عن يمينه، وفاطمة عن يساره فقال: «يا فاطمة
بنت رسول الله، اعملي لله خيراً فإني لا أغني عنك من الله شيئاً يوم القيامة».
فالوالد إذا حرص
على طاعة الله عز وجل كان ذلك أيسر للعمل على هداية أولاده لما يرون من أبيه
القدوة الحسنة والمثل الأعلى والتطبيق الفعلي لما يطالب به أولاده.
ثالثاً: الحرص على هداية الأعمام:
إن أقارب الشخص
وأعمامه هم قوته ومصدر نصرته ووسائل مساندته في السراء والضراء، فإن ساروا على
دربه كان لما يريد نشره أسرع ممن لو ابتعد أقاربه عنه وكانوا عوامل هدم لما يسعى
لبنائه.
ولهذا حرص النبي
صلى الله عليه وسلم على دعوة أعمامه إلى الله عز وجل، فعن البراء بن عازب قال: لما
نزلت: (وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء: 214) على النبي صلى الله عليه وسلم
قال: «يا عليّ، اصنع لنا رجل شاة على صاع من طعام، ثم اجمع بني عبدالمطلب»، قال
عليّ: ففعلت، فاجتمعوا له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، منهم
أعمامه أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب، فقدّمت إليهم تلك الجفنة، فأكل القوم،
فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال:
لَنعم ما سحركم صاحبكم، فتفرقوا، ولم يكلّمهم النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما كان الغد
قال: «يا عليّ، عد لنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب»، ففعلت، ثم
جمعتهم إليه فصنع النبي صلى الله عليه وسلم كما صنع بالأمس، فأكلوا وشربوا حتى
نهلوا، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبدالمطلب، واللَّه ما أعلم
شابّا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، أني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة»،
ثم قال: «من يؤازرني على ما أنا عليه؟»، قال عليّ: فقلت: أنا يا رسول اللَّه، وإني
أحدثهم سنّاً، وسكت القوم، ثم قالوا: يا أبا طالب، ألا ترى ابنك؟! قال: دعوه فلن
يألو ابن عمه خيراً(1).
رابعاً: الحرص على دعوة إخوته إلى الإسلام:
النبي صلى الله
عليه وسلم لم يكن له إخوة من النسب، إلا أنه كان له إخوة من الرضاعة منهم حمزة بن
عبدالمطلب، وأبو سلمة، وأبو سفيان بن الحارث، وعبدالله بن الحارث، والشيماء بنت
الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وجميعهم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام.
فالنبي صلى الله
عليه وسلم دعا أخاه عبدالله بن الحارث إلى الإسلام فأسلم، ثم جاء عبدالله إلى النبي
صلى الله عليه وسلم وقال له يعني بعد النبوة: أترى أنه يكون بعث؟ فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم: «أما والّذي نفسي بيده لآخذنّ بيدك يوم القيامة ولأعرّفنك»، قال:
فلما آمن من بعد بالنبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجلس فيبكي، ويقول: أنا أرجو أن
يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي يوم القيامة(2).
ولقد دعا النبي
صلى الله عليه وسلم أيضاً عمه وأخاه في الرضاعة حمزة بن عبدالمطلب إلى الإسلام.
بهذا نجد حرص النبي
صلى الله عليه وسلم على هداية أقاربه، فحرى بنا أن نحرص على الأخذ بيد أزواجنا
وأولادنا وإخواننا وأعمامنا إلى طريق الهداية الذي أراده الله تعالى للناس جميعاً.
____________________
(1) الوفا
بأحوال المصطفى، ابن الجوزي (1/ 294)
(2) الإصابة في
تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني (1/ 676).