لماذا يستحيل تدمير «حماس»؟ اعترافات من داخل «إسرائيل»

بقلم: بيتر بينارت
أقضي وقتاً لا بأس به في الاستماع إلى من
أختلف معهم، وفيما يتعلق بـ«إسرائيل» وفلسطين، أقضي وقتاً طويلاً في الاستماع إلى
البودكاستات المؤيدة لـ«إسرائيل» وقراءة كتاباتها.
أجد أن لديهم مصادر معلومات لا أملكها،
أو لا يملكها من لديهم آراء مشابهة لآرائي، لا أجد هذه المصادر مفيدة على الإطلاق
لفهم ما يحدث للفلسطينيين، أو كيف قد يتفاعلون مع الأمور، لكنها مفيدة جداً في
إعطائك فكرة عن وجهة نظر المؤسسة السياسية «الإسرائيلية» المضطربة، والتيار
السياسي «الإسرائيلي» السائد، وغالباً التيار السياسي اليهودي الأمريكي السائد
أيضاً.
وهكذا، لفت انتباهي حقاً، أثناء استماعي
لعدة بودكاستات، اعتراف صريح جداً بأن هدف تدمير «حماس» قد فشل، وأن تدمير غزة بحد
ذاته قد فشل، حتى لو لم تكن تبالي بإنسانية أهل غزة وأرواحهم، وهو أمرٌ يجب أن
نهتم به بشدة بالطبع.
فشل أهداف الحرب المعلنة
ما هما هدفا الحرب ليس كما حددتهما أنا،
بل كما حددهما بنيامين نتنياهو؟
1- إطلاق سراح الرهائن: كان الهدف الأول
هو إطلاق سراح الرهائن وعودتهم، ولكن الطريقة الوحيدة التي استعادت بها «إسرائيل»
عدداً كبيراً منهم كانت عبر إيقاف الحرب، من خلال اتفاقيات وقف إطلاق النار، لقد
أدى العمل العسكري في الواقع إلى مقتل رهائن أكثر مما أدى إلى تحريرهم.
2- تدمير «حماس»: الهدف الثاني، بالطبع،
كان النصر الكامل على «حماس».
وقد أثار دهشتي أن الأصوات اليهودية «الإسرائيلية»
المؤيدة بشدة للحرب، تقول الآن، بصراحة تامة: إن هذا لن يحدث، وأن الهدف الثاني
أيضاً قد فشل.
أصوات من «إسرائيل»: «حماس» باقية ولن تُهزم
أقتبس هنا بعضاً من تلك التصريحات التي
تؤكد هذه الحقيقة:
1- نداف إيال: «حماس» لن تُنزع سلاحها:
التصريح الأول لنداف إيال، كاتب عمود في
صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في بودكاست اتصل بي لدان سينور، وإيال صحفي ذو توجه وسطي،
ومقرب جداً من المؤسسة الأمنية «الإسرائيلية»، وهذا ما يقوله عن احتمال نزع سلاح «حماس»:
نزع السلاح لن يحدث أبداً لسببين؛ أولاً: لأن «حماس» لن توافق على ذلك بالطريقة
التي نراها، وثانياً: حتى لو وافقت، فلن يتمكن أحد من التحقق من ذلك؛ لذا، في أي
صفقة مستقبلية لن يتم نزع سلاح «حماس»، صحيح أن «إسرائيل» دمرت الكثير من أسلحتها،
لكنها ستتمكن من بناء أسلحة جديدة، لأنها تصنعها بتدوير الكميات الهائلة من
الأسلحة التي ألقتها «إسرائيل» على غزة.
ويقتبس إيال من رونين بار، الرئيس
المنتهية ولايته لجهاز الأمن الداخلي «الإسرائيلي» (الشاباك)، قوله مؤخراً: طالما
وُجد فلسطينيون في غزة، فستبقى «حماس».
2- هافيف ريتيج جور: لا توجد خطة للنصر:
وهذا اقتباس من بودكاست آخر للصحفي «الإسرائيلي»
هافيف ريتيج جور، وهو صحفي متشدد أيديولوجياً، يقول: ما الفائدة الإستراتيجية
الكبرى في خوض ألف معركة صغيرة على مدار أشهر طويلة من أجل تحويلها إلى نصر عظيم
ومهم؟ ثم يتابع: لم يصرح أحد بخطة واحدة علناً، في أي مكان.
بعد أشهر من تدمير غزة، يقول جور، وهو
مؤيد قوي للحرب: إن أحداً لم يصرح بأي خطة لكيفية تحويل هذه المعارك الفردية، حيث
تقتل «إسرائيل» بعض أعضاء «حماس» وتقتل الكثير من المدنيين وتدمر البنية التحتية،
إلى نصر حقيقي.
3- دونيل هارتمان: النصر الكامل بعيد المنال:
سأقتبس من دونيل هارتمان، رئيس معهد
هارتمان، وهو مركز أبحاث مقره القدس ذو توجه صهيوني ليبرالي، وله نفوذ واسع بين
يهود أمريكا، وهارتمان، وهو من مؤيدي الحرب، يقول: إن إمكانية القضاء على «حماس»
تماماً غير واردة، هذه الإمكانية ببساطة غير واردة، لن توافق «حماس» على اتفاق
ترفع فيه الراية البيضاء، النصر الكامل بعيد المنال كما كان في 8 أكتوبر.
إذن، من المرجح أن يكون هناك اتفاق لوقف إطلاق النار، ومن الواضح -كما يشير هؤلاء- أن «حماس» لن تُهزم، قد لا تكون لها
حكومة إسمية في غزة، لكنها في جوهرها ستظل قوة هائلة، ستمتلك أسلحتها، وستصنع
أسلحة جديدة، ولن تُدمر بأي شكل من الأشكال.
التكلفة البشرية.. أكبر مذبحة في القرن الحادي والعشرين
أتساءل عندما أستمع إلى هؤلاء الناس: لمَ
كل هذا العناء؟ يقتبس تقرير في صحيفة «هاآرتس» عن أستاذ يُدعى مايكل سباجات، وهو
خبير اقتصادي قضى وقته في تحليل الصراعات العنيفة، يُقدّر هذا الرجل أن 4% من سكان
غزة قُتلوا منذ 7 أكتوبر، ويقول: لست متأكداً من وجود حالة أخرى في القرن الحادي
والعشرين وصلت إلى هذا الرقم المرتفع من القتل، هذه أعلى نسبة قتل لأي شعب في هذا
القرن، وللمقارنة، فإن هذه النسبة قد تكون أعلى من نسبة القتلى في أوكرانيا بـ20 -
40 مرة.
لقد تسببت الحرب في أكبر مذبحة بشرية على
هذا الكوكب في هذا القرن، ولم تتحقق الأهداف، وهذا ما نقوله منذ البداية، كثيرون
احتجوا على هذه المذبحة وتعرضوا للسخرية والاتهامات بمعاداة السامية، لكنهم كانوا
على حق، لم يكونوا محقين أخلاقياً فحسب، بل أدركوا أن هذه المذابح لن تحقق
لنتنياهو أهدافه، لأن القتل والتجويع لا يهزمان مقاومة متجذرة، الطريقة الوحيدة
لهزيمة «حماس» هي معالجة جذور المظالم السياسية.
انتصارات زائفة ومستقبل أكثر تطرفاً
سيُزيّفون الأمر بالقول: إن «إسرائيل» قصفت
إيران و«حزب الله»، وسيُقدَّم ذلك بطريقة ما على أنه انتصار للتغطية على الفشل في
غزة، سيكون هذا هراءً، لأنه لا يحل جوهر المشكلة.
بل قد تفاقمت المشكلة بشكل كبير من وجهة
نظر «إسرائيل»، لأنها خلقت الآن جيلاً كبيراً من الناس الذين نشؤوا وهم يرون
آباءهم وإخوتهم يُقتلون ويتضورون جوعاً، وهؤلاء سيقاتلون «إسرائيل» ربما لبقية
حياتهم، والله المستعان، ربما تكون المنظمات التي سيُنشئونها أكثر تطرفاً من «حماس».
نخبة مجرمة وفاشلة بلا محاسبة
من الرائع لو كانت هناك محاسبة عامة، وأن
نعترف بأن ما قالته نخبة أصحاب المناصب المرموقة لم يكن فقط غير أخلاقي، بل كان
فاشلاً حتى بمعاييرهم الإستراتيجية، ربما عليهم أن يقدموا اعتذاراً لأولئك الذين
احتجوا على الحرب منذ البداية، وللمحللين الفلسطينيين الذين قالوا: هذا ليس فقط
غير أخلاقي، بل إنه لن ينجح.
ولكنهم بدلاً من ذلك، لديهم القدرة، من
خلال وظائفهم المريحة، على القول ببساطة: يا إلهي، اتضح الآن أن ذلك لم ينجح.
بالله عليك، ماذا نقول لأمٍ في غزة فقدت
أكثر من طفل، وشاهدت أبناءها يتضوّرون جوعاً؟ أليس من المفترض أن نحاول خلق حالة
من الخطاب العام يُحاسَب فيها مرتكبو هذه الجرائم؟ أخشى، بل أنا متأكد، أنهم
ببساطة لن يُحاسَبوا أبداً.
____________________
المصدر: «Jewish
Voice for Labor».