لماذا يُصرّ نتنياهو على نسف أي اتفاق سلام وشيك؟

جمال خطاب

16 سبتمبر 2025

143

إيشان ثارور(*)

 

قصفت «إسرائيل» في غضون أسابيع قليلة عددًا من جيرانها في الشرق الأوسط، فقد قتلت رئيس وزراء الحكومة في اليمن وعددًا من الوزراء الآخرين في غارة شنتها، في 28 أغسطس الماضي، على العاصمة اليمنية صنعاء، وتواصل قصف أهداف في سورية ولبنان المجاورتين، بعد أن شنت غزوًا بريًا على كلا البلدين في نقاط مختلفة.

وبقصف وغارات متواصلة، تواصل «إسرائيل» زيادة الضغط على الفلسطينيين في قطاع غزة الذي مزقته الحرب والضفة الغربية، حيث لاح مؤخرًا احتمال الضم «الإسرائيلي» الأحادي الجانب، وفي وقت سابق من هذا الصيف، أشعلت حربًا استمرت 12 يومًا مع إيران؛ ما أدى إلى إضعاف القدرات النووية للجمهورية الإسلامية، بينما دفعت الولايات المتحدة إلى شن ضربات كبرى من جانبها.

تصعيد صارخ

كل هذا كان قبل التصعيد الصارخ، الثلاثاء 9 سبتمبر الجاري، عندما استهدفت «إسرائيل» القيادة السياسية العليا لحركة «حماس» في مساكن بالدوحة، عاصمة قطر، فشلت العملية في اغتيال قادة «حماس»، بمن فيهم خليل الحية، الشخصية المحورية في الحركة، لكنها أسفرت عن مقتل ابنه وأحد كبار مساعديه، وفقًا لبيان صادر عن «حماس»، وحتى كتابة هذا التقرير، بلغت حصيلة القتلى ستة؛ وكان من بين القتلى على الأقل عنصر في جهاز الأمن الداخلي القطري.

قطر حليف وثيق للولايات المتحدة، وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، منذ هجوم «حماس» في 7 أكتوبر 2023م على جنوب «إسرائيل»، شكّلت الدوحة أيضًا منصةً محوريةً لجهود دبلوماسية متقطعة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وقد سمح القطريون لوفود «حماس» بالبقاء في عاصمتهم لسنوات، كجزء من دور الدولة النفطية للسلام العالمي؛ ما أثار حفيظة المؤسسة السياسية «الإسرائيلية» والمحللين.

لم يكن هناك أي سرّية في هذا الترتيب، فقد منحت قطر مساحة لوفود من جماعات مثل «حماس» وحركة «طالبان» بدعم أمريكي ضمني، في غضون ذلك، لطالما شجع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو تمويل قطر للبيروقراطيات التي تديرها «حماس» في غزة كوسيلة ضمنية لتقسيم الحركة الوطنية الفلسطينية، التي انقسمت بين «حماس» في غزة والسلطة الفلسطينية المعترف بها بشكل أكبر في الضفة الغربية.

ذراع «إسرائيل» يهدد الشرق الأوسط بأكمله

يوم الثلاثاء، ابتهج حلفاء نتنياهو بإعلانهم عن فوز آخر خارج الحدود الإقليمية، نشر أمير أوهانا، رئيس الكنيست، على موقع «إكس»، مصحوبًا بصور بدا أنها تُظهر انفجارات في الدوحة: «هذه رسالة إلى الشرق الأوسط بأكمله»، أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو منظّر يميني متطرف محظور من قبل العديد من الدول الأوروبية، فقد استشهد بالعناية الإلهية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي حذّر فيه من أن «الإرهابيين ليسوا بمنأى عن ذراع «إسرائيل» الطويلة في أي مكان في العالم».

وقد عارض سموتريتش وغيره من المتشددين في ائتلاف نتنياهو أي عملية دبلوماسية مع «حماس»، لقد دعوا إلى غزو غزة وشجعوا الهجرة الطوعية لمليوني فلسطيني فيها، بينما انتهجوا سياسة عدوانية لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وقد شهدت الحرب التي امتدت بعد 7 أكتوبر تآكلًا ممنهجًا لقدرات الفصائل المعادية في جميع أنحاء المنطقة، مستعرضين براعتهم التكتيكية في مناسبات عديدة، وبحماية الولايات المتحدة على المسرح العالمي، نفذت «إسرائيل» ضربات قاتلة يومية على الأراضي الفلسطينية ودول أجنبية، غالبًا ما أسفرت عن مقتل مدنيين، مع إفلات واضح من العقاب.

دمار شامل واستسلام غير مشروط

وأشار روبرت مالي، المسؤول الكبير السابق في شؤون الشرق الأوسط في إدارتي أوباما، وبايدن، لبعض زملائي إلى أن الضربة على الدوحة بدت وكأنها تؤكد أن رؤية الحكومة «الإسرائيلية» للنجاح ضد أعدائها الإرهابيين ترقى إلى دمار شامل واستسلام غير مشروط، في حين يحاول العديد من جيرانها إيجاد مسار سياسي يمكن أن ينهي الحرب، ويحرر الرهائن «الإسرائيليين»، ويساعد الفلسطينيين على إعادة الإعمار، وكذلك دمج «إسرائيل» بشكل أفضل في المنطقة.

قال مالي: تُرسل «إسرائيل» أيضًا رسالة مفادها أنه لا يوجد فلسطيني آمن في أي مكان، ولا حتى في عاصمة شريك أمريكي وثيق، وسيط رئيس بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين، ومصدر مالي مُربح للكثيرين في فلك ترمب.

وأضاف: ما الذي يُفكّرون فيه في مصر أو تركيا؟ هل سيرغب مسؤولوها في لقاء قادة «حماس» اليوم، الذين قد يكونون أهدافًا محتملة غدًا؟

من جانبه، حاول نتنياهو تبرير هذه الخطوة، وقال: في هذا اليوم، كما في الأيام السابقة، تصرفت «إسرائيل» باستقلالية تامة.. ونحن نتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا العمل، وأضاف: قد يفتح هذا العمل الباب أمام إنهاء الحرب.

إذا كان هذا هو الموقف «الإسرائيلي» بعد انتهاك سيادة قطر، فقلّة من الناس يصدقونه، حتى إدارة ترمب أصدرت تحذيرًا، كتب الرئيس ترمب في منشور على موقع «تروث سوشيال»: القصف الأحادي الجانب داخل قطر، وهي دولة ذات سيادة وحليف وثيق للولايات المتحدة، تعمل بجد وشجاعة وتخاطر معنا للتوسط في السلام، لا يخدم أهداف «إسرائيل» أو أمريكا، مضيفًا أن ضرب «حماس» لا يزال هدفًا نبيلًا.

إرهاب دولة

في جميع أنحاء الشرق الأوسط، كان رد الفعل أكثر حدة، حيث احتشد العالم العربي بأكمله حول قطر، وأدانت المملكة العربية السعودية، التي تسعى الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتطبيع علاقاتها مع الدولة اليهودية، العدوان «الإسرائيلي» الغاشم والانتهاك الصارخ للسيادة القطرية، والاعتداءات الإجرامية المستمرة للاحتلال «الإسرائيلي» وانتهاكاته الصارخة لمبادئ القانون الدولي وجميع الأعراف الدولية.

ووصفت الإمارات العربية المتحدة، التي تربطها علاقات دبلوماسية رسمية بـ«إسرائيل»، هجوم الدوحة بأنه عمل سافر وجبان، وتصعيد غير مسؤول.

ووصف رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وهو أيضًا وزير خارجية الدولة، الهجوم بأنه إرهاب دولة، وتوعد برد غير محدد، وأعرب عن تشاؤمه بشأن آفاق الدبلوماسية على المدى القريب، وقال: فيما يتعلق بالمحادثات الحالية، لا أعتقد أن هناك أي مبرر الآن بعد أن شهدنا هجومًا كهذا.

وقد اتفق المحللون مع هذا الرأي، وقال خالد الجندي، الخبير في الشؤون الفلسطينية، الباحث الزائر في جامعة جورج تاون، لزميلتي كلير باركر: لقد نسفت «إسرائيل» حرفيًا أي نوع من مفاوضات وقف إطلاق النار، وأضاف: من الواضح أن المفاوضات كانت مجرد غطاء لمواصلة الحرب، وخاصةً خطة التطهير العرقي وهدم مدينة غزة، أعتقد أننا نعلم الآن يقينًا أنه لا يوجد اتفاق لوقف إطلاق النار.

وقال زعيم المعارضة «الإسرائيلية» يائير لابيد: على الحكومة أن توضح كيف أن هذا الإجراء لن يؤدي إلى قتل الرهائن (في غزة)، وما إذا كان قد تم أخذ خطر حياتهم في الاعتبار عند اتخاذ هذا القرار.

وصرحت إيناف زانجاوكر، والدة الرهينة ماتان زانجاوكر، الناشطة المناهضة للحرب، لصحيفة «هاآرتس» العبرية بأنها ترتجف من الخوف، وتساءلت: لماذا يُصرّ رئيس الوزراء على نسف أي اتفاق يوشك على الحدوث؟! لماذا؟!

 




_____________________

المصدر: «واشنطن بوسط».

(*) كاتب في الشؤون الخارجية ومقدم برنامج نظرة اليوم على العالم، وهو عمود يومي في صحيفة «واشنطن بوست» يتناول السياسة العالمية.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة