كيف تشارك المرأة في صنع القرار؟

فاطمة عبده

11 مايو 2025

96

يتعاظم اليوم دور المرأة كركيزة أساسية في صنع القرار المجتمعي، لتصبح شريكة فاعلة لا هامشية في بناء الأمة وتوجيه مسارها نحو التقدم والازدهار، وقد أكدت التعاليم الإسلامية منذ فجر الرسالة مبدأ الشورى والمساواة والتعاون بين الجنسين، فقد استشار نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين وغيرهن في شؤون المجتمع، كما كانت مساهمة المرأة في صنع القرار من الأسس المتينة للدولة الإسلامية الأولى.

ومن المنظور الاجتماعي والاقتصادي، تعد مشاركة المرأة رافداً جوهرياً لعملية التنمية المستدامة، إذ أظهرت العديد من الدراسات أن إشراك المرأة في المؤسسات التشريعية والتنفيذية يعزز العدالة الاجتماعية ويقلص الفجوات التنموية، ويأتي ذلك متوافقًا مع الواجب الديني والتربوي في منطقتنا العربية والإسلامية، حيث تشكل قيم العدل والمساواة دعامة أساسية لمسيرة التقدم.

واقع التمثيل في الوطن العربي

تشير مصادر دولية إلى أن نسبة تمثيل المرأة في المؤسسات التشريعية والتنفيذية في الوطن العربي لا تزال دون المستوى المنشود؛ فوفق تقرير مكتب الأمم المتحدة الإقليمي (الإسكوا، 2025)، تمثل النساء 17.7% فقط من أعضاء البرلمانات العربية، مقارنة بمعدل عالمي يقارب 26.9%، وعلى مستوى الحكومة، فقط 3 دول عربية (تونس والبحرين والمغرب) تجاوزن نسبة 20% في عدد الوزيرات، أما في مجلس التنمية الاقتصادية والاجتماعية الأممي (UN Women)، فتبلغ نسبة النساء في المناصب الوزارية عالميًا نحو 22.8%.

المجال السياسي

تشارك المرأة عربياً وفي الخليج في الانتخابات والمجالس التشريعية والتنفيذية، ففي السعودية مثلاً باتت للنساء الحق في التصويت والترشح منذ عام 2015م، وقد انتخبت عدة سيدات في المجالس البلدية، كما عينت 30 امرأة في مجلس الشورى السعودي عام 2013م لأول مرة.

وفي الكويت، تشارك النساء في انتخابات مجلس الأمة، وإن كانت مقاعدهن قليلة، ومن جهة أخرى، حققت الإمارات تقدمًا ملحوظًا؛ ففي البرلمان الاتحادي (المجلس الوطني الاتحادي) وصلت نسبة عضوات المجلس إلى 50%، كما شغلت النساء وزارات عدة، بينما البحرين وتونس والمغرب تجاوزت نسبة المشاركة 20% في الوزارات.

المجال الاقتصادي

بدأت المرأة الخليجية تمارس دورًا متزايدًا في القطاع الاقتصادي؛ فقد شغلت نساء مناصب إدارية رفيعة في شركات كبرى؛ فمثلاً عينت أول سيدة في مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية عام 2018م، وتولت الإماراتية سارة الأميري منصب وزير التعليم بعد سنوات من عملها في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، بما يعكس اندماج الكفاءات النسائية في التخطيط الاقتصادي.

ومع ذلك، لا تزال مشاركة النساء في سوق العمل منخفضة نسبياً؛ فالمدخلات الإحصائية تشير إلى أن نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة العربية تبلغ حوالي 18% فقط، ويرجع ذلك إلى عوائق اجتماعية وتشريعية (انعدام خدمات الرعاية، فجوة الأجور، الأعمال المنزلية).

كما أن النساء يشغلن منصب وزيرة في مجالات اقتصادية حيوية في بعض الدول؛ فعلى سبيل المثال عينت الكويت في يناير 2024م د. نورة المشعان وزيرة للأشغال العامة وشؤون البلدية، وهو مثال عملي على تمكين اقتصادي وسياسي في آنٍ واحد.

المجال المجتمعي

وللنساء حضور لافت في المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان؛ فمثلاً، يرأس مجلس الشورى في البحرين هيئة استشارية للمرأة (المجلس الأعلى للمرأة) برئاسة الشيخة صبيحة بنت إبراهيم آل خليفة، وتعنى هذه الهيئة بالتنسيق بين منظمات نسائية حكومية وأهلية والنهوض بقضايا المرأة.

كما توجد جمعيات نسائية معتمدة في كل من الكويت وعُمان ومصر وغيرها، تعمل على القضايا الاجتماعية والتنموية.

وتبرز هذه المجالس والهيئات كمؤسسات تشريعية مجتمعية تطرح الرؤى الإسلامية المعتدلة في قضايا المرأة، مثل المطالبة ببرامج لدعم الأم العاملة.

ودأبت الكثير من منظمات المجتمع المدني على تدريب النساء وتأهيلهن سياسيًا ونقابيًا، كمحو الأمية وتشغيل الفتيات وتقديم الاستشارات القانونية.


المرأة في المناصب القيادية.. نماذج عربية ناجحة |  Mugtama
المرأة في المناصب القيادية.. نماذج عربية ناجحة | Mugtama
أظهرت التجارب العربية أن المرأة استطاعت عبر مسيرته...
www.mugtama.com
×


تحديات أمام المرأة

ورغم وفرة الفرص المتاحة للمرأة العربية والخليجية في شتى المجالات، فإنها لا تزال تواجه جملة من العقبات التي تعيق مشاركتها الفاعلة في صنع القرار، حيث:

- نقص تشجيع الأسرة والمجتمع على اعتماد المرأة في المناصب القيادية، وانعدام الوعي بحقوقها السياسية والاجتماعية.

- تفتقر بعض القوانين في العالم العربي إلى نصوص صريحة تضمن تمثيلاً مناسباً للمرأة (مثل الغياب أو ضعف آليات الحصص الانتخابية).

- رغم ارتفاع نسبة التحصيل العلمي لدى النساء، فإن ذلك لم يترجم إلى نسبة مشاركة اقتصادية مماثلة؛ فقد بات عدد النساء الحاصلات على شهادة جامعية عالياً، لكن مساهمتهن في القوى العاملة لم تتجاوز 18% في المتوسط؛ ما يحد من طموح المرأة للعمل في المجالات التي تعتمد فيها القرارات المالية أو الإدارية الكبيرة.

- تتعرض النساء في بعض الأحيان لمضايقات في الوسط المهني والسياسي عند محاولتهن تولي مواقع رفيعة.


تمكين المرأة مقابل التفريط بالأسرة |  Mugtama
تمكين المرأة مقابل التفريط بالأسرة | Mugtama
ظهرت دعاوى «التمكين للمرأة» في النظام الدولي الذي بناه الغرب
www.mugtama.com
×


سبل تعزيز المشاركة

يرى الباحثون في هذا المجال أن الارتقاء بمشاركة المرأة في صنع القرار المجتمعي بما ينسجم مع القيم الإسلامية والمصلحة العامة، يتطلب أولًا: نشر مفاهيم المساواة والعدل في الإسلام من خلال خطب ودورات، وإبراز نماذج نسائية مشرقة في التاريخ الإسلامي والمعاصر، وتشجيع الأسر على دعم بناتهن في التعليم والعمل، وتفكيك الصور النمطية حول دور المرأة.

كما يتطلب اعتماد حصص نسائية في المجالس النيابية أو الوزارية لضمان تمثيل أدنى للمرأة، إذ تشير الدراسات إلى أن «الحصص هي نقطة انطلاق قوية للغاية» لزيادة التمثيل النسائي، وأيضًا سن سياسات حماية اجتماعية؛ مثل تشجيع الشركات والمؤسسات على تطبيق مرونة في ساعات العمل والحصول على إجازة أمومة كريمة، بما يتفق مع روح العدالة الإسلامية.

ويؤكد الباحثون أهمية تنفيذ برامج لتأهيل المرشحات للعمل السياسي أو القيادي، وتنمية مهارات التطوع والمشاركة المجتمعية، وإعداد ورش عمل تعرّف بأهمية تمكين المرأة وفق الإسلام الصحيح.

وأخيرًا، تمكين المنظمات النسائية من أداء دورها التوعوي والتنموي، شريطة استنادها إلى قيم المجتمع ومراعاة خصوصياته، واحترام الضوابط الشرعية؛ على سبيل المثال، تشجيع مجالس المرأة الرسمية (كالمجالس الاستشارية) على رفع مقترحات عملية إلى الحكومات، وضمان مشاركتها في صياغة سياسات التعليم والصحة والعمل.

ويبقى أن المشاركة السياسية للمرأة تطور طبيعي، ليس فيه مناقض للنصوص الدينية ما دامت مصانة بالعدل والشرع، وتمكينها رسمياً ومجتمعياً يحقق المصلحة العامة، ويعزز متانة الأسرة والمجتمع، ويسهم في استقرار الأمة ورخائها مستقبلاً.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة