تمكين المرأة مقابل التفريط بالأسرة

الحضارات يصنعها الرجال في الظاهر، ويحفظ النساء نواتها وأساسها في الداخل؛
فالرجل يسعى ويرعى، والمرأة تربِّي، والمرأة صانعة الرجال، والرجال هم صانعو
الحضارة، وأي اختلال في الأدوار المنوطة بهما يختل ميزان الحضارة، وتنحرف
المجتمعات، وتنهار الأسر.
وقد ظهرت دعاوى التمكين للمرأة في النظام الدولي الذي بناه الغرب، وعمل على
فرضه في العالم، وهذا المفهوم ظهر في نهاية تسعينيات القرن العشرين، وأصبح الأكثر
اسـتخدامًا في سياسات وبرامج معظم المنظمات غير الحكومية، وهو أكثر المفاهيم
اعترافًا بالمرأة كعنصر فاعل في التنمية، وبالتالي فهو يسعى للقضاء على كل مظاهر
التمييز ضدها.
والغرب عبر تاريخه كان ينظر للمرأة نظرة شهوانية، ويجعلها سلعة، ويحتقرها؛
لذا يجب النظر في تلك الدعاوى التي يرعاها الغرب ويعمل على نشرها.
ومن ناحية المصطلح، فإن الأمم المتحدة عرَّفت مصطلح «تمكين المرأة» بأنه العملية
التي تكتسب النساء من خلالها وعيًا بشأن علاقات السلطة غير المتكافئة القائمة على
أساس النوع الاجتماعي، ويحظى بصوت أعلى يخولها ومواجهة عدم المساواة السائدة في
المنزل ومكان العمل والمجتمع المحلي.
ويهدف التمكين إلى حث النساء على التحكم بحياتهن، فالتمكين يعني قدرة
النساء والفتيات في اكتساب القوة، والسيطرة على حياتهن، وهي تنطوي على زيادة
الوعي، وبناء الثقة بالنفس، وتوسيع الخيارات وزيادة الوصول إلى الموارد والإجراءات
والتحكّم بها؛ من أجل تغيير الهياكل والمؤسسات التي تعزز وتديم التمييز وعدم
المساواة بين الجنسين.
فالمنطلق هو عدم التمييز ضد المرأة، وترْك تهميشها، والابتعاد بها عن دائرة
الحرمان من الحقوق، وهذا مما لا يختلف عليه أحد.
المساواة بين الجنسين
لكن الدعوى بالسعي للمساواة بين الجنسين دعوى باطلة؛ إذ إن الرجال فيما
بينهم غير متساوين، ويعود الأمر إلى قاعدة التكامل بين الجنسين، وليس المساواة
بينهما؛ إذ إن لكل جنس وظيفته التي لا يُحسن الآخر القيام بها، فالمساواة تكون في
الحقوق، لا في الوظائف.
قال تعالى: (أَهُمْ
يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ
لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا
يَجْمَعُونَ) (الزخرف: 32).
وتقوية المرأة من خلال تمكينها من عناصر القوة السياسية والاقتصادية
والاجتماعية.
فالتمكين الاقتصادي: يشمل كل ما يتعلق بتجاوز فكرة تأنيث الفقر، ودفع
المرأة إلى وضع الكسب المادي، من خلال العمل المأجور والعادل والمساوي في الأجر
بينها والرجل.
والتمكين الاقتصادي للمرأة هو العملية التي تستطيع المرأة من خلالها
الانتقال من وضع اقتصادي أدنى إلى آخر أعلى مما يمنحها استقلالية مادية.
والتمكين السياسي: يتبلور من خلال زيادة نسب مشاركة المرأة وتمثيلها في
المجالس المنتخبة ومواقع اتخاذ القرار، وزيادة نسبة عضويتها في الأحزاب السياسية
والنقابات والجمعيات.
والتمكين الاجتماعي: هو التمكين الذي تمارس فيه المرأة كل صلاحياتها
وقدراتها في سبيل بناء ثقافة اجتماعية تحد مما يعرف بالسلطة الذكورية.
فالتمكين للمرأة صورة من صور الصراع بين الرجال والنساء، والنظر إليهما من
خلال العلاقة التنافسية، وليس من خلال النظرة التكاملية.
ودعاوى التمكين للمرأة التي تجاوزت نصف القرن هل مكنت المرأة أم جنت عليها
وأرهقتها وأدخلتها في مجالات هي بعيدة عن طبيعة تكوينها وخلقتها؟
مهنة مقدسة
إن التربية مهنة مقدسة، وهي أعظم مهام النساء، وبإخراج المرأة من بيتها
بدعاوى التمكين لها في شتى مجالات الحياة، والتمرد على السلطة الذكورية عليها -كما
يزعمون- تفسخت الأسر، وزادت معدلات الطلاق.
والدولة مهما تكن قوية ولها مؤسسات راسخة لا يمكنها أن تقوم مقام الأسرة،
والتربية للأبناء.
ودعاوى التمكين للمرأة وجهت طاقة المرأة للعمل والسعي والكدح والمشاركة
السياسية فاستنزفت طاقتها، وجعلت التربية أمرًا ثانويًّا بدعوى إثبات الذات في
الخارج، وقد تركنا وأوكلنا التربية إلى غيرنا بدءًا من الروضة حتى الجامعة،
ويتخللها الشارع والجماعات والكيانات ومنصات التواصل الاجتماعي.. إلخ.
إن من يربي الذكور هم الإناث؛ فسلطة الإناث على الذكور عظيمة؛ فالأم التي
تربي ابنها على احترام النساء وتقديرهن لن يظلم زوجته، أو يأكل ميراث أخته، أو
يُميِّز في التربية بين أولاده وبناته.
إن المرأة تتمكَّن من المجتمع والدولة من خلال تربيتها وتوجيهها وتقويمها
لأولادها، فليس بالضرورة أن تبرز المرأة للواجهة لإثبات ذاتها وتحكمها وسيطرتها.
والانحراف في التربية من جانب الأم يظهر على أولادها؛ فهناك أنواع من
النساء يمكن إطلاق «النساء الذكوريات» عليهن؛ حيث إنهن يملن لأبنائهن الذكور أكثر
من الإناث، وهنا يضيع العدل، وينشأ التمييز بين الجنسين، ويستقوي طرف على الآخر.
فالمرأة متمكنة ولا تحتاج لطرف خارجي يعمل على تمكينها بطريقة تنحرف بها عن
وظيفتها المقدسة، وعليه فيمكن القول: إن المرأة هي ضحية امرأة أخرى، بمعنى أن فساد
تربية الأم لابنها -مثلاً- يؤثر في علاقته بزوجه.
وعدم إفهام الأم لابنتها لطبيعة وظيفتها في الحياة تؤثر على علاقتها
بزوجها، وكل ذلك يجعل الأسرة في مهب الريح.
إن إثبات المرأة لذاتها يتمثَّل في حُسن تربيتها لأولادها، ومعاونتها
لزوجها، وحفاظها على أسرتها.
فهل المرأة السياسية، حال المشاركة في العمل الحزبي والمجالس النيابية
وغيرها، إذا فشلت في تربية أولادها، ولم تتمكن من الحفاظ على بيتها وأسرتها، هل
تعتبر بذلك ناجحة؟
أم أن النجاح والتميز يكون في ظهور براعتها في رعايتها لزوجها، وحُسن
تربيتها لأولادها، مع نجاحها في العمل السياسي الذي يكون لصالح الأمة ورقيها
ونهضتها؟
وأبرز مثال على ذلك ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر؛ تلك السيدة التي عاونت
زوجها وخدمته، وربت له أولاده، ووقفت إلى جانب ابنها عبدالله بن الزبير وثبتته في
موقفه لما ولي الخلافة وقاتله الحجاج بالحرم، وجابهت الظلمة ولم تلن لها قناة
أبدًا.
فإن كان التمكين يعني التفريط في الأسرة فهذه -ورب الكعبة- دعوى سوء، وإن
كانت لرفع الظلم عن المرأة وأخذها لحقوقها المسلوبة فبها ونعمت.