دقات ناقوس وقرع أجراس (2)

في بيتنا مراهق.. حكاية قلب بين الطفولة والشباب

د. هيام عباس

18 نوفمبر 2025

62

يواجه الشباب في البيئة الرقمية المعاصرة تحديًا غير مسبوق، يتمثل في سهولة الوصول، والانفتاح بلا حدود، والعلاقات السريعة بلا مسؤولية، والمعلومات غير الدقيقة والمليئة بالمؤثرات التي تخلق في الدماغ تعودًا وإدمانًا، مع ضعف الحصانة النفسية، وغياب التوجيه الممنهج، حتى أصبح فتى تحت العشرين قنبلة موقوتة، وأصبح هو نفسه خطرًا يهدد مستقبله.

وظهرت مؤخرًا إحصاءات مخيفة تدل على ذلك؛ ما استدعى فتح هذا الملف، لفهم التحديات التي تواجه الآباء والمربين، وتحليل جذورها، والتصدي لها، ومواجهتها بالمعرفة والإيمان، لنعلم كيف نحمي أبناءنا من براثن المواقع ونعيدهم إلى أمان الواقع.

تحت العشرين

سن المراهقة من أهم سنوات العمر، فيه شغف المعرفة وحب الاطلاع، فيه تفتح عيون المراهق على رؤية جديدة للحياة ولنفسه وذاته ومجتمعه، ويلحظ تغيرات ظاهرية وداخلية تطرأ على جسده وتكوينه، يلاحظ تأثيرها في تصرفاته وأفعاله وأفكاره، فتثير في عقله تساؤلات كثيرة.

والمراهقون يعيشون بهجة التغيير، ورهبة التغيرات وتأثيرها النفسي، سعيدًا بها، يخاف عواقبها وآثارها، وتحكمها في ميوله ورغباته، فتؤثر سلبًا على علاقته بمجتمعه، وربما تبع ذلك فقد الهوية أو الانغلاق ومجافاة المجتمع والحياة.

لذا، فهي مرحلة خطيرة حيث كثرة المشكلات، والقيام ببعض السلوكيات والقيم السالبة، فهو لا يعترف بالخطأ، ولا يقبل النقد، معجب بنفسه، ويتباهى بمظهره.




آباء وأبناء.. من يربي من؟

بعض الأسر ترى المراهق سبب كل معاناة، لا ينفع معه لين ولا شدة، إنهم يشكون من سوء تعامل الأبناء وقلة احترامهم؛ فهذه أُم تشكو أن ابنتها عنيفة في ردودها، تسيء العبارات في حديثها، وإذا طالبتها بأمر تجاهلته، ومضت إلى جوالها.

وتلك فتاة تعامل أمها وكأنها مصباح علاء الدين، يجب أن تقدم لها ما تحتاج إليه، حتى ولو لم يكن بمقدورها ولا في نطاق إمكانياتها المادية.

وذاك أب يشكو من ولد لا يعيره اهتمامًا، ويقضي يومه مع أصحابه، وإذا عنَّفه تطاول عليه وأشاح بيديه وانصرف، دائم الاستياء من الحياة والبيت والمدرسة.

أنين الصمت في قلب الصغير.. أنا لست مشكلة!

إنه أنين التفاعل السلبي من الأسرة، والنظر إليه على أنه سبب كل مصيبة، وأنه جلاب المشكلات، وهي نظرة نهى الإسلام عنها، فيها سوء الظن؛ ينتج عنه زعزعة ثقته في نفسه وضعف إيمانه بمجتمعه.

تلك النظرة تحرمه من حقه في إثبات ذاته وقدراته، وتسلبه حرية التفكير والتعبير، وترسخ في عقله أنه ليس أهلاً لأي شيء؛ بسبب ما يمر به في تلك الفترة من تقلبات مزاجية ونفسية وجسدية.

إن بعض الآباء يقعون في مزالق خطيرة لعدم فهمهم طبيعة المراهق؛ منهم من يدلل، ومنهم من يتشدد، غافلين عن أنه يعيش تلك الأزمة داخليًّا، وليس سببًا في وجودها.

لا عجب أن يلجأ المراهق حينئذ إلى مواقع التواصل، يحادث الغرباء عن صدع أمانه، ويبث نجواه التي لا يجرؤ على البوح بها لأهله، يرى بعضهم أنه قد أصبح ملكية خاصة لوالديه يتصرفون في حياته ومستقبله، وبعضهم يرى أن مهمته في الحياة أن يسمع ويطيع وينفذ الأوامر بلا مناقشة بلا فهم بلا شعور.

ولا عجب أن يفتح الغرباء لهم باب المودة، يستدرجونهم، ويعرفون دوافعهم وهمومهم، ويطمئنون، وينصحون،

على حافة الخطر

أبناؤنا صيد ثمين لمن يتربص بهم، يتلقفون طموحاتهم وحماسهم، ويشبعون رغباتهم التي لم يضبطها ضابط التكليف بعد، مستغلين الفجوة التي تنشأ بين المراهقين والأهل؛ فيدسون السم في العسل، ويقدمون من وسائل الترفيه ما يتيح للمراهق الابتعاد عن الأسرة، وتنزع منه القيم، وتغرس الشهوات والفساد، وربما تم هذا تحت سمع وبصر الآباء الذين شغلتهم المادية عن أحلام أبنائهم وهمومهم وطموحاتهم.

بعض الأمهات تتجنب الحديث مع ابنتها فيما يطرأ من تغيرات جسدية وهرمونية، أو عن الارتباط وموضوعات البنات، والفتاة صغيرة لا تجرؤ على مصارحة أمها، فتلجأ لسؤال الفتيات في الواقع أو على المواقع.

أيتها الأم الرؤوم، كوني أنت راعية هذا التحول، افتحي عيونها على ما يفيدها، خير من أن تفتح عيونها المواقع بغير ضوابط، فتنزلق قدمها البريئة، كوني لها الملاذ الآمن، حدثيها عن نفسها وتشريحها الجسدي، طمئنيها، كوني بئر أسرارها.

للمراهق في الإسلام خطاب حَظِيَ فيه بالحفاوة والمودة والحنان، حين قال لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: 13)، في قوله: «يا بني» يشعره بقربه لقلبه، وثقته في عقله، ثم تتوالى النصائح لترسيخ الإيمان في نفسه، يتبعها ما يبث في قلبه سلامًا، ونصحه بالتخلي عن الغرور وما يوغر الصدور، ونهاه عمَّا يسبب التجافي؛ كالتعالي والتكبر، ورفع الصوت، فقال: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {18} وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ) (لقمان)، قاعدة أخلاقية تمهد للفتى اندماجًا في مجتمعه، وتحدو به بعيدًا عن المشكلات.

كلمة هدم.. وكلمة بناء!

كم من الآباء يخاطب ولده بهذا الود والاحترام ويشعره بأنه رجل المهام!

كم من الأمهات تحاور ابنتها حوار المودة واحترام العقل وتقدير الذات!

نرى أُماً تصف ابنتها بالاستهتار والبلادة واللامبالاة، وتصف الابن بأنه عبء ثقيل لا فائدة منه إلا ما يخلف وراءه من فوضى، وأباً كلما رأى ولده غض الطرف عنه استهتاراً وتهميشاً، وإذا حادثه نفر منه وقلل من قيمته.

إن إنساناً يسمع هذه الكلمات، ويرى ذلك الاحتقار.. ماذا تنتظرون منه؟ إما أن يجاهد للتصحيح، أو يتمادى في التأكيد، وغالباً تكون الثانية.

وهنا نموذج آخر، أُم تصحب ابنتها إلى كل مناسبة ولا تتحدث إلا داعية لها بالخير، وأب إذا تحدث عن ابنته يصفها بحبة القلب، وأميرة أبيها، ويصف ولده بالرجولة، فإذا تكلم ابنه أنصت له وهش لرأيه، يقدمه في كل مجلس، ويعزز بداخله شعور المسؤولية.

شتان بين هذا وذاك! الأول يهدم، والثاني يبني ويعزز.

فن الاحتواء.. كيف نعامل الأبناء؟

  • في الصبا يعامل معاملة الكبار، بالحوار والإقناع.
  • الإشادة بالسلوك الإيجابي، والتلقي الحسن لأفعاله.
  • البعد عن التعنيف واللوم والعقاب الذي ربما يزيد الأمر سوءاً.
  • ضبط النفس والتماس الأعذار؛ كحداثة السن وانعدام الخبرة وغيرها.
  • قبول الرأي الآخر والاستماع إليه لمعرفة وجهة نظره، وتصويب ما فيها.
  • تعليمه كيف يصلح ما تسبب في إفساده.

جسر العبور إلى طريق النور

حين يتقن الآباء والمربون فن احتواء الأبناء، وينتقلون بهم تدريجيًا من الصبا إلى المراهقة، من خلال التكاليف الشرعية، حتى إذا وصلوا إلى تلك المرحلة وجدوا كفايتهم في دينهم، ووجدوا آباءهم في انتظارهم، متفهمين لحاجاتهم النفسية والأخلاقية.

يحتاج المراهق إلى قلب رحيم ويد حانية، تصاحبه وتلاعبه؛ ليتحقق له التوازن النفسي، ولا تخلّ بتربيته وإصلاحه؛ ذلك يشعره أن له دوره في مجتمعه، يشعره بثقة الآخرين في عقله وتصرفاته وأفعاله، فيوقن بأنه عضو ناجح مفيد لمجتمعه.

ولنا في نبينا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، حين ربى صغار الصحابة على مكارم الأخلاق، فجاهدوا وصبروا، فكنا خير أمة أخرجت للناس.


اقرأ أيضاً:

دقات ناقوس وقرع أجراس (1)



الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة