كان رابح ساحلي قد بلغ التاسعة عشرة من عمره عندما وصل إلى وسط باريس للمشاركة في مظاهرة سلمية للجزائريين قبل 60 عاما.
يقول لفرانس برس القتلى وصلوا إلى 200، وفقا لتقديرات بعض المؤرخين (تقديرات أخري توصل العدد إلى 300 أو حتي إلي 500). ولكن فرنسا الرسمية أعلنت عن مقتل ثلاثة فقط.
غل وحقد ووحشية فظيعة
وقال ساحلي بصوت متكسر "الشرطة والدرك أظهروا غل وحقد ووحشية فظيعة. كانوا مسعورين في إلحاق الأذى".
تجمع أكثر من 30 ألف جزائري للاحتجاج في باريس على قرار فرض حظر تجول فقط على الأقلية الجزائرية الفرنسية في البلاد.
تمت الدعوة إلى المسيرة في العام الأخير من حملة فرنسا العنيفة بشكل متزايد للاحتفاظ بالجزائر كمستعمرة في شمال إفريقيا. تزامن ذلك مع حملة قصف استهدفت البر الرئيسي لفرنسا من قبل متشددين مؤيدين للاستقلال.
قتل العشرات بالرصاص. وألقيت جثث العشرات في نهر السين.
دعت جبهة التحرير الوطني المؤيدة للاستقلال المهاجرين الجزائريين من الضواحي الغربية للطبقة العاملة بالعاصمة إلى التجمع في ميدان تاريخي في باريس.
تم التخطيط لمظاهرات أخرى في أماكن أخرى من المدينة، وتم نشر عشرة آلاف من رجال الشرطة والدرك.
ألقي القبض على ساحلي أثناء نزوله من القطار الذي وصل إلى باريس من أوتمونت في الشمال، حيث عاش هو ووالديه لسنوات.
وقال "كان علينا أن نجتمع في بلاس دي ليتوال لبدء مظاهرتنا السلمية. كانت لدينا مهمة واحدة: التأكد من أن أيا من المتظاهرين لم يكن لديه أي أدوات عنيفة".
وحوش الشرطة
يتذكر ساهلي: "كنت مع ابن عمي عندما نزلت علينا الشرطة. ولأنه كان هجوما وحشيا، حاول ابن عمي حمايتي، لكنه تلقى سيلًا من الضربات باستخدام أعقاب البنادق والهراوات مما أدي إلي كسر ساقه".
احتُجزونا فقط لأننا جزائريين.
وتابع: "تم اعتقال كل الجزائريين الذين خرجوا من المترو ... واعتقال حتى بعض الإيطاليين والإسبان ومواطنين من أمريكا الجنوبية".
وقال إن الشرطة والدرك كانوا يتصرفون بناء على تعليمات صارمة لاستهداف الفرنسيين من أصول جزائرية بلا رحمة.
يقول ساحلي إنه تم نقل المعتقلين جميعا بالقوة "باستخدام الهراوات" إلى موقف سيارات قريب.
ويضيف العضو السابق في جبهة التحرير الوطني: "كان يتحركون بحقد وغل وضراوة ووحشية لا نظير لها".
ويروى ساحلي "في منتصف الليل، تم نقلنا إلى قصر الرياضة، حيث مكثنا لمدة ثلاثة أيام، تحت مراقبة الشرطة والقوات المساعدة".
ووفقًا لساحلي، لم يتم تقديم أكثر من زجاجة مياه ووجبة واحدة خفيفة لتسعة آلاف شخص، احتُجزوا في القبة الرياضية.
ثم تم نقلهم إلى "مرفق فرز" في الضواحي.
معسكر اعتقال بلا أسرة ولا مراحيض.. تجمدنا من البرد
يقول ساحلي "كان المخيم خالياً من جميع الخدمات: فلا أسرة ولا مرافق ولا حتى مراحيض. وكنا ننام على الأرض في البرد القارس".
"مكثت هناك لمدة أسبوعين قبل أن يُسمح لي بالعودة إلى المنزل".
"وخلال الاعتقالات، رأيت حوالي 20 شخصًا ممددين على الأرض ينزفون بالقرب من ساحة النجمة. وكان هناك العديد من رجال الشرطة يتصرفون بهمجية مثل الوحوش الشرسة".
"ألقيت جثث بعض الجزائريين أحياء في نهر السين، لكننا لا نعرف العدد الدقيق للجثث التي طفت علي سطح النهر فيما بعد".
وبحسب قوله، انتهى المطاف بعدد كبير من النشطاء الجزائريين "في مياه نهر السين" خلال مداهمات الشرطة قبل وبعد 17 أكتوبر 1961.
---------
المصدر: فرنسا 24