من يقف وراء «مدارس الرقص»؟!

منى عبدالفتاح

27 نوفمبر 2025

37

من آن إلى آخر، تُفتتح مدرسة جديدة للرقص في عاصمة أو مدينة عربية، وكأن الأمة العربية في حاجة إلى المزيد من الهزل والعري؛ لتحجز مكاناً لها على سلم التقدم والنهوض!

قبل نحو 3 سنوات، تحديداً في يوليو 2022م، افتتح في القاهرة «معهد تقسيم» كأحدث مركز متخصص في الحفاظ على الرقص الشرقي، وقد جرى اعتماده كمؤسسة ثقافية من قبل منظمة «يونسكو»، في دعم غربي ودولي واضح للخطوة.

سرعان ما تحول الأمر إلى «موضة» أو «بيزنس»، مع توالي افتتاح مدارس للرقص، والإعلان عن تقديم منح دراسية لتعلم الرقص الشرقي، وإقامة مسابقات لاختيار أفضل راقصة، وسط اهتمام إعلامي كبير.

احتجاج برلماني

الخطوة المثيرة للجدل أخلاقياً ودينياً ومجتمعياً، لم تمر مرور الكرام، إذ قوبلت باعتراض برلماني من النائبة المصرية مي رشدي، التي تقدمت بطلب إحاطة (أداة رقابية)؛ لإغلاق أول أكاديمية لتعليم الرقص الشرقي في البلاد، مشددة على أن «الأمن الأخلاقي ضروري لحماية أمن المجتمع من خلال تعزيز منظومة القيم والأخلاق».

ويزيد من خطورة هذه النوعية من «المدارس الإباحية» محاولة إضفاء صبغة تعليمية عليها، وكأنها ستلقن الناس علماً نافعاً، أو ستعتني بالنشء في محاضن العلم والمعرفة؛ الأمر الذي يتحتم معه إعلامياً ومجتمعياً حجب صفة «المدرسة» عنها، ووصمها بأنها «أوكار الرقص».

إن دعاة التنوير والحداثة الغربية، ومن سار على نهجهم في بلداننا، يحاولون شرعنة كل ما هو قبيح وإباحي، وتقنين كل ما هو معادٍ لقيم المجتمع، وإضفاء هالة من القداسة على الحرام، باعتباره فناً وتراثاً أصيلاً مدرجاً على قائمة «يونسكو».

جدير بالذكر أنه يتم الاحتفال سنوياً بـ«اليوم العالمي للرقص»، في 29 أبريل من كل عام، وهو اليوم الذي يوافق مولد راقص الباليه الفرنسي جورج نوفر، المولود في 29 أبريل 1727، والمتوفي في 19 أكتوبر 1810م.

والطرافة في الأمر أن «المجلس الدولي للرقص» وهو منظمة غير حكومية تعمل تحت مظلة «يونسكو»، هو من يقف خلف رعاية كل أنواع الرقص، وتنظيم مهرجان الرقص العالمي، والعمل على إقناع الحكومات في شتى أنحاء العالم لتوفير أمكنة مناسبة للرقص ضمن كل مراحل التعليم.

ويرتبط المجلس بكيانات «إسرائيلية»، منها قرية الرقص العالمية في الجليل الغربي، شمالي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفرقة «كيبوتس للرقص المعاصر»، وفرقة «باتشيفا» للرقص (مقرها تل أبيب)، و«نادي الرقص الإسرائيلي»، كما يضم المجلس الدولي الرقص، ضمن عضويته، نواديَ وجمعيات داعمة للشواذ جنسياً.

جيل راقص

أوكار الرقص يُراد لها أن تنتشر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ولن تتوقف بداياتها عند كونها مدرسة فقط، بل ربما تصبح في المستقبل جامعة، وأكاديمية، ودرجة علمية، ووظيفة، يتم التقدم لشغلها، فهذا «راقص» وهذه «راقصة»!

الأمر جلل، والهدف التخلص من السياقات الأخلاقية والدينية الحاكمة لمجتمعاتنا، والتحرر من «التابوهات»، والتخلص من العادات والتقاليد، بل وصناعة هوية جديدة لدى الفتيات منذ الصغر، تتحرر من الحياء، وتخلع عنها رداء العفة.

هل تعلمون أن المجلس الدولي للرقص يطالب بتشريعات قانونية توفر الحماية والدعم في موازنات الدول، كما يطالب بإدراج الرقص ضمن مناهج التعليم، ونشر هذه الفعالية في المدارس، والاحتفاء بها، بكتابة المقالات، ورسم الصور، وتنظيم أنشطة راقصة للتلاميذ منذ الصغر؟!

وعلى أرض الواقع، تتجسد مثل تلك السياسات، من استعانة مدارس وجامعات في دول عربية براقصات لإحياء حفلات المتفوقين، وتداول مقاطع فيديو على مواقع التواصل، تظهر طلاباً وطالبات يرقصون خلال حفلات التخرج، ولجوء معلمين إلى استخدام الغناء والرقص كوسيلة تعليمية جاذبة.

تطبيع ممنهج

عن عمد، يراد أن تتفشى ثقافة الرقص بين الشباب من الجنسين، وتخريج جيل جديد من الصغار، لديه القابلية إزاء هذه الممارسة، بل التشبع بها، وتبنيها، ونشرها، وهو ما يبدو جلياً في انتشار مشاهد الرقص، خلال حفلات الزفاف والمناسبات العامة والسباقات الانتخابية، وسط احتفاء بمن يجيد أو تجيد الرقص.

بموازاة ذلك، يجري ليل نهار بث الحفلات الغنائية، مصحوبة بتمايل الرجال والنساء، وإطلاق قنوات مخصصة للرقص، وتنظيم مسابقات دولية لاكتشاف المواهب «النابغة» في مجال الغناء والرقص، وتوزيع الجوائز الضخمة في مهرجانات سنوية على الفنانات والراقصات، وهي سياسات ماكرة، تصب في مجملها، باتجاه شرعنة الرقص، والتطبيع معه.

يقول المفكر الراحل عبدالوهاب المسيري، في مقاله «الفيديو كليب والجسد والعولمة»: إن «الأهم من كل هذا هو ما أسميه عملية تطبيع الرقص والإثارة‏،‏ فالرقص يقدم في الفيديو كليب على أنه جزء من صميم حياتنا العادية اليومية‏، ‏وبدل أن تذهب إلى الكباريهات جاءت هي إلينا».

يختتم مقاله المنشور في صحيفة «الأهرام» المصرية عام 2004، بالقول: «إن عملية التطبيع هذه تحول راقصة الفيديو كليب إلى جزء من حياتنا اليومية العادية‏،‏ وربما قدوة يقتدى بها أو مثلاً أعلى يحتذى‏،‏ ولا حول ولا قوة إلا بالله»‏!



اقرأ أيضاً:

حفلات الساحل الشرير!

قُبلات راغب علامة!

الفن.. وهدم القيم!

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة