خمسة أسرار لا يعلمها إلا الله

ما هي مفاتيح الغيب؟

د. رمضان أبو علي

16 ديسمبر 2025

149


حديث النبي عن مفاتيح الغيب:


ذَهَب الْحَارِث بْن عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ، مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، إلى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنِ السَّاعَةِ وَوَقْتِهَا، وَقَالَ: إِنَّ أَرْضَنَا أَجْدَبَتْ، فَمَتَى يَنْزِلُ الْغَيْثُ؟ ‌وَتَرَكْتُ ‌امْرَأَتِي ‌حُبْلَى فَمَاذَا تَلِدُ؟ وَقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ وُلِدْتُ فَبِأَيِّ أَرْضٍ أَمُوتُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قوله: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان: 34)(1).

وقد روى البخاري عَنِ ‌ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «‌مَفَاتِيحُ ‌الْغَيْبِ ‌خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ: لَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إِلَّا اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا اللهُ، وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللهُ».

لماذا كانت هذه الخمس مفاتيح للغيب؟

لأنها بداية للجوانب الخمسة التي تمثل الغيب المجهول للإنسان فيها، وهي متعلقة به، قال ابن عثيمين: الساعة: مفتاح الآخرة، ونزول الغيث: مفتاح حياة الأرض، وما في الأرحام: يكون الإنسان في بطن أمه، أو أي حيوان في بطن أمه؛ مفتاح الوجود في الحياة، وعمل الغد: مفتاح عمل المستقبل، والموت: مفتاح الانتقال من الدنيا إلى الآخرة، فلهذا صارت هذه الخمس مفاتح(2).

لماذا خصت هذه المفاتيح الخمسة بالذكر مع أن الغيب الذي استأثر الله بعلمه كثير؟

لأن الإنسان يسأل عن الساعة ويتطلع إلى معرفة أمورها، وفي هذه الغيبيات الخمسة يلفت الله تعالى نظر عبده إلى ما يعينه على العمل فيما ينفعه، والتعلق بربه سبحانه، فكأنه يقول له: يا أيها السائل، إنك تسأل عن الساعة أيان مرساها، فلك أشياء أهم منها لا تعلمها، فإنك لا تعلم معاشك ومعادك، ولا تعلم ماذا تكسب غدًا مع أنه فعلك وزمانك، ولا تعلم أين تموت مع أنه ‌شغلك ‌ومكانك، فكيف تعلم قيام الساعة متى تكون؟

فالله ما أعلمك كسب غدك مع أن لك فيه فوائد تبنى عليها الأمور من يومك، ولا أعلمك أين تموت مع أن لك فيه أغراضاً تهيئ أمورك بسبب ذلك العلم، وإنما لم يعلمك لكي تكون في وقت بسبب الرزق راجعاً إلى الله تعالى متوكلاً على الله، ولا أعلمك الأرض التي تموت فيها كي لا تأمن الموت وأنت في غيرها، فإذا لم يعلمك ما تحتاج إليه كيف يعلمك ما لا حاجة لك إليه، وهي الساعة، وإنما الحاجة إلى العلم بأنها تكون وقد أعلمك الله على لسان أنبيائه(3).

وقال ابن كثير: هذه مفاتيح الغيب ‌التي ‌استأثر ‌الله ‌تعالى ‌بعلمها، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها؛ فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب، وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله، ولكن إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء الله من خلقه، وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه الله تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى، أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك، ومن شاء الله من خلقه، وكذلك لا تدري نفس ماذا تكسب غداً في دنياها وأخراها، وما تدري نفس بأي أرض تموت، في بلدها أو غيره من أي بلاد الله كان، لا علم لأحد بذلك(4).

معنى الغيب وأقسامه

الغيب ما غاب علمه عن الناس، وهو قسمان؛ غيب حقيقي لا يعلمه إلا الله، وغيب إضافي ‌يعلمه ‌بعض ‌الخلق ‌دون ‌بعض، لأسباب تختلف باختلاف الاستعداد الفطري والعمل الكسبي، ومن أظهره الله على بعض الغيب الحقيقي من رسله فليس لهم في ذلك كسب؛ لأنه من خصائص النبوة غير المكتسبة(5).

وقيل: إن الغيب إما مطلق أو نسبي، أما المطلق فهو الذي لا يعلمه إلا الله، ومنه قوله تعالى: (وَعِنْدَهُ ‌مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) (الأنعام: 59)، أما الغيب النسبي فهو الَّذي يمكن للمخلوقِ معرفتُه دون إحاطةٍ تامَّة، فهو علم شهادةٍ لِمن علِمه، وغيب لمِن فَقَدَ أسبابَ معرفتِه، ومنه قوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام: 59)(6).

هل استطاع العلم الحديث معرفة الغيب؟

قسَّم ابن كثير الغيبَ إلى قسمين: قِسم يتعلَّق بالحَدَث قبل إيجادِه، أي قبل تكوُّنِ الغيثِ واكتمالِ كلِّ أسباب الإمطار منه، وقبل تكوُّن ما في الأرحام وبروزه لعالم الشَّهادة؛ فهذا القدر هو الذي يدخل فيما اختصَّ الله وحده بعلمه، وهو المقصود ابتداءً من الآية، بنصِّ الحديث الَّذي حدَّدها بأنَّها مفاتح للغيب خمسة.

وأمَّا القسم الثَّاني: فبعد بروزهما لعالمِ الشَّهادة، وخضوعهما لسُنَن التَّسخيرِ والخلق، فهذا الَّذي يُمكن لبعضِ الخلقِ العلم به بتعليمِ الله إيَّاه، وهو لا يُنافي الاختصاصَ والاستئثارَ بعلمِ المَذكورات، لأنَّ المُراد بالعلمِ الَّذي استأثر به سبحانه العلمُ الكامل بأحوال كلٍّ على التَّفصيل، وما يعلم به الملَك، ويطَّلع عليه بعض الخواصِّ دون ذلك العلم الكامل(7).

فالغيب الحقيقي الذي لا يعلمه إلا الله لا يمكن أن تكشف عنه العلوم ولا يصل إليه البشر، أما معرفة الإِنسان بنزول المطر بواسطة الأرصاد الجوية، فإن ذلك بعد ظهور العلامات، وليس غيباً، وكذلك معرفة الطبيب بالجنين ذكراً أو أنثى فإنه بعد التخلق وليس غيباً(8).


اقرأ أيضاً:

حديث السنة عن أحداث الغيب

أشراط الساعة

_________________

الهوامش:

(1) أسباب النزول: الواحدي النيسابوري، ص 347.

(2) جلسات رمضانية: العثيمين (4/ 8).

(3) تفسير الرازي (25/ 134).

(4) تفسير ابن كثير (6/ 352).

(5) تفسير المنار (11/ 184).

(6) علم الغيب في الشريعة الإسلامية: د. أحمد الغنيمان، ص 35- 36.

(7) المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين: عرض ونقد (2/ 944).

(8) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (2/ 292).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة