كيف يجري دمج الأفكار النسوية ضمن مناهج التعليم؟

منى عبدالفتاح

27 سبتمبر 2025

106

أشبه بمن يضع السم في العسل، يجري عن عمد، وبوتيرة متسارعة، ضخ أفكار نسوية متطرفة إلى شرايين التعليم العربي، من خلال مناهج معدلة تحت شعارات التطوير، ووفق رؤى غربية في الأساس، تنطلق من مخططات وتحيزات تعادي الفطرة الإنسانية.

الأمر لم يعد في حاجة إلى نظرة فاحصة، بعدما صار جلياً كالشمس في وضح النهار، وقد تعددت صوره وأشكاله وأنماطه، في اتجاه صياغة مناهج أكثر تحرراً، وأكثر نسوية، ضمن إستراتيجية عالمية أكبر تقوم على تمكين المرأة، وفي الحقيقة، تحرير جسدها لا عقلها.

قد يلفت انتباهك صورة المعلمة التي تشرح الدرس لطلابها في المرحلة الابتدائية، مأخذ الانتباه، أن شعرها عار، وتلبس الجيب القصير، كذلك صورة التلميذات دون حجاب أو غطاء للرأس، ليترسخ في مُخيلة التلميذ أن الصورة المثلى للمرأة بدون حجاب.

تتكرر الصورة في منهج اللغة العربية للصف الرابع الابتدائي في مصر، لكن هذه المرة لتلميذة مرتدية البنطال، وفي فصل دراسي مختلط مع البنين، بما يحمل توجهاً نسوياً لمناهج تبث قيماً وأفكاراً تخالف صحيح الدين، وترسخ صورة نمطية للمرأة، تُقصي الآخر، وترى في المرأة أو الفتاة المحجبة شيئاً يجب نبذه وتجنبه.

تمرير الاختلاط

درس آخر، في المنهج ذاته، يُظهر فتاة تجلس بجوار صبي في المقعد الدراسي، وأخرى تخرج للهو مع زملائها من التلاميذ، وهكذا يتعمد القائمون على تلك المناهج ترسيخ صورة ذهنية تتجاوز الأعراف الاجتماعية، والضوابط الشرعية، ليسهل لاحقاً تخريج أجيال تعتاد الاختلاط، وتشمئز من الحجاب، وتسخر من الحياء.

في درس الضمائر ضمن باب القواعد النحوية، يسطر مؤلف المنهج أمثلة للمفرد والمثنى والجمع، في ضمائر المتكلم والمخاطب والغائب، فيقول على سبيل المثال: «نحن مهندسان، نحن مهندستان، نحن مهندسون، نحن مهندسات»، هكذا يجري ترسيخ صورة المرأة العاملة أو الموظفة، لا صورة الأم أو الزوجة أو المربية، وذلك بطريقة مبسطة، وصور جذابة، وأسلوب رشيق، يزيد من جرعة السم في العسل.

لاحظ جيداً، هذه الدروس يتلقاها تلميذ أو تلميذة لم يتعد العاشرة من عمره، وقد تعمدت أخذ عينة من المنهج الدراسي في تلك المرحلة؛ لأدلل على ما يجري بثه منذ الصغر في نفوس النشء، وما يراد لأبنائنا وبناتنا، قبل أن نحصد العلقم في المستقبل.

مناهج نسوية

ليس كل الظن إثماً، فما سبق نقطة في بحر، مما يجري تلغيمه في المناهج التعليمية، التي يراد لها أن تتمرد على الصورة التقليدية للمرأة التي كانت تظهرها المناهج الدراسية في دور الأم أو ربة البيت أو المرأة المحجبة، ليجري كسر الصورة النمطية للمرأة، ولتظهر في صورة أكثر تحرراً وجرأة، وأن يتم تصويرها كموظفة وعاملة، تتحرر من قيود الأسرة والزواج وتربية الأبناء.

تسعى الحركة النسوية عبر دوائر دولية وأممية إلى صياغة مناهج أكثر إنصافاً، لا تركز على صورة ومهام الرجل، بل تبرز مكانة النساء، وتعلي من توسع أدوارها، مع تضمينها قصص النساء اللاتي مارسن دوراً رئيساً في تشكيل المجتمعات، مدعومة بأفكار المساواة، والعدالة الاجتماعية، والصحة الجنسية والإنجابية، وثقافة الجندر أي إلغاء الفوارق بين الذكر والأنثى، وتمكين المرأة.

هذه الإستراتيجية لا يمكن إنجاحها في عالمنا العربي، دون تدريس حقوق الطفل والمرأة، ومفاهيم مثل التربية الجنسية في مناهج التعليم (مصر نموذجاً)، وإزالة أي محتوى تمييزي بين الذكر والأنثى (المغرب نموذجاً)، وتحسين التوزيع وتكافؤ التمثيل الجنساني في كتب التربية الإسلامية والمواطنة (الأردن نموذجاً)، مع مراعاة لغة الخطاب التي تشمل الفتى والفتاة، وعرض صور تمثيلية تجسد الجنسين، من خلال تعميم دليل المعلم، الأمر الذي يضمن التنفيذ على أرض الواقع.

رياضة نسائية

في دول الخليج كذلك، جرى إدراج أنشطة رياضية للطالبات، ومنحهن فرصاً متساوية مع الطلاب للانضمام إلى الأندية والفرق الرياضية، بما يعزز انتشار الرياضة النسائية، إضافة إلى تضمين المناهج الخليجية برامج تركز على حقوق المرأة وتشجع على المشاركة في الأنشطة السياسية والاقتصادية، وتدفع بالمرأة الخليجية إلى سوق العمل.

اللافت والخطير في آن واحد أنه يجري تعميم وتنفيذ تلك الإستراتيجية على جميع مراحل التعليم المبكرة، في بعض الدول العربية، بداية من رياض الأطفال، إلى التعليم الابتدائي والإعدادي أو الإلزامي، ثم المرحلتين الثانوية والجامعية، على أن يشمل التنفيذ، المحتوى المقروء والمرئي، من خلال تنوع الأدوار، وحجم تمثيل الصور لكل من الرجل والمرأة في المناهج الدراسية.

على قدم وساق، يجري التضمين النسوي في التعليم، سواء من خلال سياسات وطنية متأثرة بمنح ومساعدات غربية، أو شراكات مع منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة، أو من خلال مؤسسات حقوقية ومدنية، على علاقة وثيقة بالحركة النسوية، وتياراتها المتطرفة والمتغلغلة عالمياً وعربياً في وسائل الإعلام ومؤسسات التربية والتعليم والثقافة في كثير من بلداننا.

الحقيقة، إننا نحن أمام مناهج نسوية، تتجاوز ضوابط الكتاب والسُّنة، وتقفز على القيم والأخلاق، بغية تصنيع عقول وأجيال جديدة، تفقد هويتها الإسلامية، وتؤمن بالأفكار الغربية، وتنتهج مبادئ التحرر، وتسير على خطى الجندر، وتحقق المساواة، ليس وفق معناها في الإسلام، وإنما وفق المنتج الغربي القبيح، الذي يريد امرأة على هواه.


اقرأ أيضاً:

كيف يتعامل المربُّون مع أطروحات النسوية الإسلامية؟

لانتماء الأسري في فكر «النسوية الإسلامية»

الأكاديمية الأردنية رولا الحيت لـ«المجتمع»: شرطان للقبول بـ«النسوية الإسلامية»

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة