قصة اليهودي مع عبد الملك بن مروان ... العدل قيمة إنسانية مشتركة

وقف يهودي لعبد الملك بن مروان فقال: يا أمير المؤمنين ‌إن ‌بعض ‌خاصتك ‌ظلمني فأنصفني منه وأذقني حلاوة العدل، فأعرض عنه، فوقف له ثانيًا، فلم يلتفت إليه، فوقف له مرة ثالثة، وقال: يا أمير المؤمنين، إنا نجد في التوراة المنزّلة على كليم الله موسى صلوات الله وسلامه عليه: إن الإمام لا يكون شريكًا في ظلم أحد حتى يرفع إليه، فإذا رفع إليه ذلك ولم يزله، فقد شاركه في الظلم والجور. فلما سمع عبد الملك كلامه فزع وبعث في الحال إلى من ظلمه، فعزله وأخذ لليهودي حقه منه.

«المستطرف في كل فن مستظرف»

 فوائد وعبر

تكشف هذه القصة جانبًا مهمًّا من البنية الاجتماعية في العصر الأموي؛ حيث كانت الدولة تضم أفرادًا من ديانات مختلفة يعيشون في ظل نظام واحد. وتُظهر القصة:

وجود مساحة لعرض المظالم: كان لغير المسلمين — كاليهودي في القصة — حقّ التظلّم أمام أعلى سلطة في الدولة، وهذا يعكس مجتمعًا تتعايش فيه الفئات المختلفة تحت مؤسسة العدل لا تحت ميزان الانتماء الديني.

قرب الخاصة من الحاكم وتأثيرهم: تشير القصة إلى أن بعض "الخاصة" كانوا يملكون نفوذًا اجتماعيًّا قد يؤدي إلى التجاوزات، وهو أمر طبيعي في المجتمعات ذات البنى الهرمية. غير أن وجود سلطة أعلى (الخليفة) تراقب وتردع يضمن اتزان المجتمع.

صوت المهمّشين يصل إذا أصرّوا: اليهودي وقف ثلاث مرّات، مما يعكس أن الحقوق في المجتمع تُنال أحيانًا بالإصرار والصبر، وأن صوت الضعيف قد يصل مهما كانت سلطته محدودة.

العدل أساس الحكم: تذكير اليهودي لعبد الملك بقاعدة توراتية يؤكد أن العدالة قيمة إنسانية مشتركة، تتجاوز الفروق الدينية. ومع أن الخليفة تجاهله أولاً، إلا أنه بمجرد أن أقيمت عليه الحجة، ارتجف قلبه وسارع إلى إنصاف المظلوم.

مسؤولية الحاكم عن ظلم من تحت يده: تقول التوراة — ويؤكده الإسلام — إن الحاكم مسؤول عن أي ظلم يُرفع إليه ثم يسكت عنه، ومشاركٌ فيه إن لم يرفعه. وهذا يبيّن الرقابة الأخلاقية على الحاكم قبل غيره.

الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه فضيلة: عبد الملك بن مروان لم يُكابِر، بل أسرع لعزل الظالم وإرجاع الحق. وهذا يرسّخ قيمة التواضع عند الخطأ وفضيلة الرجوع إلى الحق.

عدم التمييز بين الرعية: لم يُنظر إلى كون المظلوم يهوديًّا، بل نُظر إلى كونه إنسانًا له حق يجب أن يردّ. وهي قيمة أخلاقية عظيمة تؤسس لمجتمع متسامح وعادل.