عامان على «طوفان الأقصى».. الغباء السياسي لنتنياهو والنجاح التكتيكي لـ«حماس»

د. خالد سعيد

07 أكتوبر 2025

47

رغم تصدر الحديث عن احتمال رفض حركة «حماس» لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن الحرب على غزة، للمشهدين السياسيين الإقليمي والعالمي، خلال الأيام القليلة الماضية، فإن الحركة المقاومة قد فاجأت الجميع وتعاملت مع تهديدات الرئيس الأمريكي بذكاء يُحسب لها، كما سبق وتعاملت مع المشهد العسكري في 7 أكتوبر 2023م، باحترافية شديدة وتقنية عالية في التخطيط والتنفيذ والاستمرارية.

«حماس» ألقت بالكرة في الملعب الصهيوأمريكي

في 3 أكتوبر الجاري، أعلنت «حماس» موافقتها على بعض بنود خطة ترمب الأخيرةـ المليئة بالألغاز والثغرات، واستعدادها لمناقشة البنود الأخرى، في بيان أقل ما يوصف بأنه قد وضع تلك الخطة و«إسرائيل» من ورائها في يد الطرف الصهيوني وألقت بالكرة في الملعب الصهيوأمريكي، بعدما كانت تلك الكرة تُصوَّب نحو الحركة الفلسطينية طيلة العامين الماضيين.

ومع استعداد «حماس» لتسليم قطاع غزة إلى هيئة فلسطينية من «التكنوقراط»، والموافقة على الإفراج عن الأسرى والمحتجزين -الأحياء والجثامين- الصهاينة دفعة واحدة، فقد شددت على وجوب التفاوض على عدد من القضايا والملفات الأخرى، لا تقل أهمية عن ذلك، خاصة ملف الانسحاب «الإسرائيلي» من غزة وأزمة سلاح المقاومة، فضلاً عن الوقف الفوري للحرب في القطاع.

غباء حكومة نتنياهو

لا يمكن لأي مقاوم حر أن يختزل النهاية في بيان «حماس»، ولكن عليه العودة إلى 7 أكتوبر 2023م، والعامين التاليين، فالإنسان العادي قد يرضى بموافقة الحركة الفلسطينية على خطة ترمب، وإنهاء الحرب في غزة، فيما يرى المواطن المقاوم أن التفاوض وإجراء المباحثات بشأن مستقبل غزة وإقامة دولة فلسطينية هو الحل الأنجع في الفترة الراهنة، في ظل التكالب الصهيوني على تسليم سلاح المقاومة، سواء في غزة أو لبنان أو سورية أيضًا، أو أي جانب عربي وإسلامي مقاوم، من جانب، بالتوازي مع تسارع المجتمع الدولي في طلب إقامة دولة فلسطينية والاعتراف بها، من جانب آخر.

فكان من الطبيعي أن ترى صحيفة «معاريف» العبرية، أن غباء حكومة نتنياهو قد تسبب في وقوع ما يزيد على 913 قتيلاً من ضباط وجنود الجيش «الإسرائيلي»، وحوالي 15 ألف جريح بين صفوفه (بحسب بيانات قسم إعادة التأهيل بوزارة الدفاع «الإسرائيلية»)؛ ما يعني أنه سبق للسابع من أكتوبر كسر حاجز اليأس لدى حركات المقاومة، خاصة الفلسطينية منها، فإنه بإمكانها تكرار الحادث في وقت تشتد الأمور على الشعب الفلسطيني، ولكن دون تسليم السلاح، فضلاً عن الإيمان والعقيدة الراسخة بأن النهاية ستؤول لأصحاب الأرض الفلسطينيين.

الحرية لا تُمنح ولكن تؤخذ بالتضحيات والدماء

ملف سلاح «حماس»، ناقشته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، في 4 الجاري، موضحة أنه من البنود الرئيسة التي ستتفاوض بشأن الحركة المقاومة، والثابت لدى العالم أجمع أن المستحيل قد يصبح ممكنًا وواقعًا كما جرى في 7 أكتوبر «طوفان الأقصى»، التي غيرَّت من سردية الصراع العربي الصهيوني الجامدة، لتخلق واقعاً جديداً ليس للمستحيل أي مكان فيه.

الغريب أن ران إدليست، المعلق العسكري بصحيفة «معاريف» قد اعترف ضمنيًا، في تقريره المطَّول، بأن نتنياهو مجرد بيدق وبلطجي محلي لمصالح إمبراطوريات في المنطقة، ويسوِّق لنفسه كزعيم عالمي، ويزعم لشعبه الصهيوني أن كل شيء تحت السيطرة، واصفًا إياه بالغباء السياسي، والفاشل سياسيًا وعسكريًا، كما سبق وفشل استخباراتيًا في عملية «طوفان الأقصى»، ولا شك أن هناك أصواتاً دولية ترى أن ما قامت به المقاومة الفلسطينية في تلك العملية عين الصواب ورد فعل وليس الفعل ذاته، كما يقوم الكيان الصهيوني ويفعل بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد ارتفعت أصوات تنادي بأن الحرية لا تُمنح، ولكن تؤخذ بالتضحيات والدماء.

مركز دراسات الأمن القومي: «حماس» تخوض حرب عصابات

تلك التضحيات تقابلها حرب استنزاف مع الاحتلال الصهيوني، وهو ما اعترف به مركز دراسات الأمن القومي، حينما أوضح، في دراسة جديدة له نشرت في 28 سبتمبر الماضي، مؤكدة أن «حماس» ترغب في خوض حرب عصابات لإيقاع الجيش «الإسرائيلي» في حرب طويلة ودموية، محذرة من هذه الحرب، داعية في الوقت نفسه إلى ضرورة الإسراع في صياغة إستراتيجية للخروج بالجيش من مستنقع غزة والحيلولة دون الغرق في وحل القطاع.

وتوقع رام كوهين، كاتب الدراسة بالمركز التابع لجامعة تل أبيب، اكتفاء بلاده بصفقة تبادل أسرى واستعداد دول عربية للتدخل في غزة، وتحقيق الاستقرار في القطاع، وإزاحة «حماس» عن السلطة، وكأنه استشرف المستقبل من موافقة الحركة الفلسطينية المقاومة على خطة الرئيس ترمب.

خطة ترمب لحفظ ماء وجه الكيان الصهيوني

تلك الخطة التي رآها الجنرال عاموس يادلين، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) السابق، بمثابة طوق النجاة لـ«إسرائيل»، ولحفظ ماء وجهها، حيث طالب حكومة نتنياهو، في مقال له بـ«القناة 12» العبرية، في الأول من الشهر الجاري، بالاستفادة السياسية والعسكرية من بنود ومبادئ خطة الرئيس ترمب، لإحداث تحوَّل إستراتيجي لـ«تل أبيب».

ذاك التحول الذي كان بيد نتنياهو لأكثر من مرة سابقة طيلة العامين الماضيين، وتجاهله، غير مرة، حتى أجبره ترمب على الرضوخ إليه، فقد رأت دانا فايس، الكاتبة بـ«القناة 12» العبرية، في 30 سبتمبر الماضي، أنه كان بإمكان نتنياهو الموافقة على طلبات «حماس» وتوفير الوقت والجهد والمال لصالح الكيان الصهيوني، بدلاً من الانصياع لضغوط الرئيس الأمريكي، رغم مرور عامين كاملين على «طوفان الأقصى»، موضحة أن نتنياهو غامر بشعبه الصهيوني ولم يستمع للمؤسسة الأمنية في «تل أبيب»، التي دعت إلى إتمام صفقة تبادل أسرى مع الحركة المقاومة والاكتفاء بما حققته «تل أبيب» من الحرب.

«معاريف»: «حماس» مَن يقرر الأمر في الشرق الأوسط

واعترفت صحيفة «معاريف»، في 4 الجاري، بأن مَن يقرر الأمر في الشرق الأوسط ليس بالضرورة هو من يتحدث أمام الكاميرات، فقد انتظر العالم أجمع كلمة «حماس» للرد على خطة ترمب، ولإنهاء الحرب في غزة، حيث امتدحت الكاتبة آنا بارسكي في مقالها بالصحيفة، الحركة الفلسطينية المقاومة بأنها مَن تقرر الواقع في الشرق الأوسط بعد مرور عامين كاملين على «طوفان الأقصى».

نجحت «طوفان الأقصى» في إدراج القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي، وتمكنت من إبراز المظالم التاريخية للشعب الفلسطيني، وحاولت تحرير الأرض بالدماء وبذل التضحيات، فيما أثبتت حركات المقاومة في قطاع غزة أن المستحيل قد يصبح واقعًا ملموسًا، ويمكن تحقيقه إذا تضافرت الجهود وتم التخطيط لتنفيذه جيدًا بإرادة قوية وعزيمة أقوى تستند إلى إيمان حقيقي ومبادئ ثابتة لا تتزعزع.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة