حكم صلاتي العيد والجمعة إذا اجتمعتا في يوم واحد
 
                    بين الحين والآخر تجتمع صلاة العيد مع صلاة الجمعة في يوم واحد، والناس
منقسمون بين من يقول: من صلى العيد فليس مطالباً بصلاة الجمعة، ومن يقول: إن صلاة
العيد لا تغني عن صلاة الجمعة، فما الحكم الشرعي الصحيح في هذه المسألة؟ وماذا قال
فقهاؤنا الأوائل في هذه المسألة؟  
للعلماء في هذه المسألة ثلاثة آراء على النحو التالي:
الأول: يرى الأحناف والمالكية أنه لو اجتمع عيد وجمعة لم يسقط أحدهما
الآخر، فتجب الجمعة على المكَلَّف بها ولو أدرك العيد وصلاه في يومها، سواء كان
منزله في البلد أو في العوالي التي حولها. 
قال العلامة ابن عابدين في حاشيته في عيد وجمعة اتفقا: «أما مذهبنا فلزوم
كل منهما»، ونقل عن الهداية أنهما عيدان اجتمعا في يوم واحد ولا يترك واحد منهما(1).   
وقال الإمام الدسوقي المالكي في حاشيته على الشرح الكبير: «إذا وافق العيد
يوم الجمعة فلا يباح لمن شهد العيد التخلف عن الجمعة سواء من شهد العيد منزله في
البلد أو خارجها»(2).
الثاني: يرى الشافعية أن الجمعة لا تسقط عن أهل البلد أو المِصــر ممــن
صلى العيد، وتسقط عن أهل العوالي والقرى التي حولها ممن تلزمهم الجمعة لكونهم
يسمعون النداء، بشرط أن يأتوا إلى البلد قاصدين صلاة العيد، وبشرط أن ينصرفوا قبل
دخول وقت الجمعة وإلا لزمتهم، أما أهل القرى البعيدة ممن لا تلزمهم الجمعة في
البلد لبعـدهـم بحيث لا يبلغهم النداء فتجب عليهم الجمعة إذا توافرت شروط وجوبها
في محلهم ولا تسقط عنهم.
قال الإمام الشمس الرملي في «نهاية المحتاج»: «ولو وافق العيـد يوم الجمعة
فحضـر أهل القرية الذين بلغهم النداء لصلاة العيد فلهم الرجوع قبل صلاتها، وتسقط
عنهم وإن قربوا منها وسمعوا النداء وأمكنهم إدراكهـا لـو عـادوا إليهـا.. ومقتضى
التعليل أنهم لو لم يحضروا كأن صلوا العيد بمكانهم لزمتهم الجمعـة وهـو كـذلك،
ومحـل مـا مـر مــا لم يدخل وقتها قبل انصرافهم فإن دخل عقب سلامهم من العيد لم
يكن لهم تركها كما استظهره الشيخ»(3).
وعقَّب الشبراملسي في حاشيته على «النهاية» عند قول المصنف: «فحضر أهـل
قرية..»، بقوله: «أي بقصدها بأن توجهوا إليها بنيتها ولم يدركوها، أمــا لـو حضروا
لبيــع أسبابهم فلا يسقط عنهم الحضور سواء رجعوا إلى محلهم أم لا»(4).   
الثالث: يرى الحنابلة أنه إذا وقع عيد في يوم الجمعة سقطت صلاة الجمعة عمـن
حضر العيد مع الإمام في ذلك اليوم سقوط حضور لا سقوط وجوب، وهذا يعني أن من حضـر
الجمعة ممن صلى العيد وجبت عليه الجمعة بحضوره وانعقدت به فهو كالمريض لا كالمسافر
الذي سقط عنه الوجوب، وتجب عليه صلاة الظهر إذا لم يحضر.
أما من لم يصل العيد مع الإمام أو صلاه بعده فيلزمه حضور الجمعة ولا تسقط
عنـه، وعليـه إذا ترك العيد أن يعزم على أن يحضر الجمعة.
ولا تسقط الجمعة عن الإمام الراتب ويجب عليه الحضور، فإن اجتمع معه العدد
المعتبر لانعقاد الجمعة ولو ممن حضر العيد أقامها معهم وإلا صلوا الظهر(5).
سبب اختلاف العلماء
ويرجع سبب اختلاف العلماء في هذه المسألة إلى اختلافهم حول تأويل بعض
الأحاديث الواردة في هذه المسألة على النحو التالي:
1- حديث أبي هريرة مرفوعاً: «قدِ اجتمعَ في يومِكم هذا عيدانِ فمن شاءَ
أجزأَهُ منَ الجمعةِ وإنَّا مجمِّعونَ» (أخرجه أبو داود (1073)، وابن ماجة (1311)).
2- سأل معاويةَ بنَ أبي سفيانَ، زيدَ بنَ أرقمَ: أشَهدتَ معَ رسولِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم عيدينِ اجتمعا في يومٍ قالَ نعم، قالَ فَكيفَ صنعَ؟ قالَ:
صلَّى العيدَ ثمَّ رخَّصَ في الجمعةِ فقالَ: «من شاءَ أن يصلِّيَ فليصلِّ» (أبو
داود (1070) واللفظ له، والنسائي (1591)، وأحمد (19318)).
3- روى البخاري بسنده عن أبي عُبَيْد، مولى ابن أزهر: أنه شهد العيد يوم
الأضحى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب الناس، فقال: يا
أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم عن صيام هذين العيدين، أما
أحدهما فيوم فِطْرِكُم من صيامكم، وأما الآخر فيوم تأكلون من نُسُكِكُم، قال أبو
عبيد: ثم شهدت العيد مع عثمان بن عفان، فكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة، ثم
خطب فقال: يا أيها الناس، إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر
الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له. (البخاري (1910)،
وأحمد (228)، ومالك (437)).  
فالأحناف والمالكية قالوا: الأصل الثابت في قواطع الأدلة من القرآن والسُّنَّة
وجوب الجمعـة علـى المُكَلَّف وعدم سقوطها، وما ورد من أحاديث في سقوطها عمن لزمته
في يوم العيد فيهـا ضعف، وعلى فرض صحتها فإنها لا تُخَصِّص قطعي القرآن لأنها
آحاد.
ويُحمل إذن عثمان رضي الله عنه لأهل العوالي على أن أهل القرى والعوالي
كانوا ممن لا تجب عليهم الجمعة ولا يبلغهم النداء، وهو قول عند الشافعية وفائدة
الإذن على هذا القول لأهل القرى رفع الكراهة عنهم لأنهم إذا حضروا البلد يوم
الجمعة في غير العيــد يـكـره لهـم الخروج قبل أن يصلوا الجمعة.
والشافعية أخذوا بظاهر حديث عثمان رضي الله عنه في إذنه لأهل العوالي ممـن
قـرب مـن البلد ممن لزمتهم الجمعة لتظهر فائدة الإذن لهم في الترخص بترك الجمعة،
ويجـاب عـن حـديث أبي الله هريرة علـى هـذا القول بأنه ضعيف كما نص على ذلك بعض
أهل العلم، أو أنـه مؤول بما دل عليه حديث عثمان من حمله على أهل القرى.
أما الحنابلة: فقد أخذوا بظاهر حديث أبي هريرة، وزيد، وابن عباس وغيرهم في
سقوط الجمعة عمن حضر العيد من أهل البلد وأهل العوالي وخصصوا به عموم الأدلة
الدالة على فرضية الجمعة في العيد وغير العيد، والحديث عندهم قد صح لوروده من عدة
طرق، وقد ذكر النووي أن إسناد حديث زيـد جـيـد ولم يضعفه أبو داود، وقالوا: إن
الآحاد يخصص العام، لأن دلالة العام ظنية لا قطعية فيصح التخصيص بما هو ظني.
وبهذا يتضح لنا أن الفقهاء اتفقوا على أن من فاتته صلاة العيد مع الإمام
وجبت عليه الجمعة، واختلفوا فيمن صلى العيد مع الإمام هل تسقط الجمعة عنه على
ثلاثة مذاهب:
1- أنها لا تسقط وهو مذهب الحنفية والمالكية.
2- أنها تسقط عن أهل القرى القريبة من البلد ممن تلزمهم الجمعة بخلاف أهـل
البـلـد وهـو مذهب الشافعية.
3- أنها تسقط عن جميع من حضر العيد مع الإمام سقوط حضور لا وجوب، وتجب على
الإمام إن حضر معه من تنعقد بهم الجمعة ولو ممن صلى معه العيد وهو مذهب الحنابلة.
________________________
(1) حاشية رد المحتار على الدر المختار، شرح تنوير الأبصار، محمد أمين،
الشهير بابن عابدين (2/ 166).
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي،
(1/ 391).
(3) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن
حمزة شهاب الدين الرملي (2/ 290).
(4) حاشية الشبراملسي، الشيخ إبراهيم الشبراملسي (2/ 290).
(5) شرح منتهى الإرادات، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي (1/ 318).
 
                                             
                     
                 
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                