مسلمون خلف الذاكرة (13)

جرائم الشيوعية المروعة في فيتنام.. دفنُ المسلمين أحياء لكنهم تشبثوا بدينهم!

منذ استيلاء الشيوعيين على مقاليد الحكم في فيتنام الشمالية عام 1395هـ/ 1973م وإسقاط دولة «تشامبا» المسلمة؛ ازداد الاضطهاد الواقع على المسلمين، وارتفعت وتيرة المذابح بحقهم، وسط حالة مريرة من العداء، ومثال ذلك تلك المذبحة المروعة التي اقترفها الشيوعيون بمدينة «هوى بص»؛ حيث أمضوا 20 يوماً في دفن الآلاف من المسلمين وغيرهم وهم أحياء (وأدهم)؛ ما أثار الرعب بين المسلمين، ففر مئات الآلاف من ديارهم إلى بلدان أخرى.

وبعد إحكام قبضتهم على البلاد، لجأ الشيوعيون لأسلوب يشيب له الولدان من الإبادة؛ إذ أنشؤوا 70 سجناً ضخماً موزعة في أنحاء البلاد، وأطلقوا عليها اسم «مراكز الإصلاح والتكوين»! وزجوا فيها الآلاف حيث يمكثون في أهوال تلك السجون دون الإفراج عنهم إلا إذا تأكدت إدارة السجن من أن عدداً منهم بات يشرف على الموت، فيطلقون سراحهم ليتولى ذووهم وأهلوهم تجهيز جنازاتهم حسب تقاليدهم المحلية، رافعين عناء ذلك عن إدارة السجن!

وتذكر بعض المصادر أن الشيوعيين حوّلوا المساجد والمدارس الإسلامية إلى وحدات صحية وإدارات محلية على غرار ما يفعله الحكم الشيوعي في بلاد أخرى، بينما أبقوا على المسجد الجامع في العاصمة «سايجون» ليصلي فيه رجال السياسة الزائرون للبلاد، في حين لا يسمح للمسلمين بأداء صلواتهم بشكل طبيعي، فقد اشترطوا عليهم ألا تقام صلاة الجمعة في الجامع إلا بعد الحصول على تصريح مسبق من الشرطة، وتسجيل أسماء الذين سيحضرون الصلاة وعناوينهم، مع التشديد على وجوب الحصول على هذا التصريح أسبوعياً.

وغني عن البيان، قامت السلطات بالقبض على جميع أئمة المساجد، وقتلهم بحجة أنهم رفضوا رفع صورة الزعيم الصيني هوتش منه في مساجدهم! وتلك واقعة تؤكد وحشية النظام الحاكم وإصراره على إرغام الشعب على تأليه حكامه بالقوة، وتبين تلك الواقعة في الوقت نفسه مدى تشبث المسلمين وخاصة أئمة المساجد بدينهم.

حرب فيتنام

وقد اكتوى المسلمون بنيران حرب فيتنام (1945 – 1946م) ونتائجها كبقية الفئات، وتعرض مسلمو فيتنام الجنوبية للتصفيات الجسدية على أيدي الشيوعيين من فيتنام الشمالية الشيوعية بعد سقوط سايجون عام 1975م، وتم زج الباقين منهم، وهم يعدون بمئات الآلاف في السجون، وفي مقدمتهم أئمة المساجد وكبار الشخصيات ورجال الإعلام، كما قام الشيوعيون بالاستيلاء على عدد من المساجد والمدارس القرآنية ووحدات صحية وممتلكات بعض الجمعيات الإسلامية.

وهكذا قاسى المسلمون في فيتنام الشمالية خلال العهدين الملكي والشيوعي من حملات متواصلة من الاضطهاد والتنكيل؛ ما أدى إلى تردي أوضاعهم بعد زوال دولتهم «تشامبا» تماماً!

وعمد الشيوعيون إلى تقطيع أواصر الصلة بين من تبقى من المسلمين داخل فيتنام، كما طبقوا السياسة الشيوعية المعروفة بحجب أي أخبار، بل وأي معلومات عن أحوال المسلمين وأوضاعهم الداخلية عن العالم، وقد سهل ذلك للحكومة الشيوعية لتواصل حملات التنكيل والإبادة دون أن يدري العالم عنهم شيئاً.

وظلت الدول الإسلامية والعربية بمعزل عن أخبارهم، خاصة أن بعض تلك الدول احتفظ بعلاقات صداقة مع حكومات فيتنام الشيوعية المتعاقبة، بل كانت السياسات الشيوعية لتلك الحكومات تتبنى النهج الشيوعي للحكومة الفيتنامية!

وتشير بعض المصادر إلى أن عدد مسلمي فيتنام كان قبل حرب فيتنام (1945 – 1946م) أكثر من مليوني مسلم، وكان فيها قرى ومناطق لا يسكنها غير المسلمين، ولكن الحرب الضارية التي شنها عليهم البوذيون ثم الشيوعيون اضطر معظمهم إلى مغادرة فيتنام، ومات الكثير منهم أثناء الحرب، ثم انغلق من تبقى منهم في تجمعات متواضعة الحال.

واقع المسلمين وأوضاعهم اليوم

واليوم، تضعضعت أحوال المسلمين هناك، وتناقصت أعدادهم؛ حيث يعيشون حالة متردية من الفقر المدقع، وتخلفاً في المجالات التعليمية والصحية، ولم يسمح لهم بالالتحاق بالكليات العسكرية، بل يتم استبعادهم كلياً من التجنيد، ويشتركون في ذلك مع غيرهم من أبناء البلاد بسبب الحكم الشيوعي المتوحش.

كما يعيشون حالة صعبة من الجهل بأبسط مبادئ الإسلام، إضافة إلى تعمد حرمانهم من التعليم، ذلك في الوقت الذي يعانون فيه من وحشية الممارسات الشيوعية والبوذية؛ ما أدى إلى ذوبان أكثرهم في المجتمع الشيوعي البوذي وتحللهم من معظم الضوابط الإسلامية في تعاملاتهم وسلوكهم، بينما بقي عدد قليل منهم ثابتاً على دينه، ولله الحمد.

جمعية إسلامية وحيدة توثق الزواج وتشرف على المقبرة

وهناك جمعية إسلامية وحيدة هي التي تمثل المسلمين ومرخص لها بالعمل من قبل الحكومة الفيتنامية، وتقع في مدينة «هوشي منه» (سايغون سابقاً)، وتنحصر جهودها في توثيق عقود النكاح والإشراف على المقبرة الإسلامية والمساجد التابعة لها، وتقوم بتنظيم الاحتفالات الرسمية كالاحتفال بالعيدين، ويدعى لهذه الاحتفالات رؤساء الطوائف الأخرى كالبوذيين وغيرهم، ويوماً بعد يوم تزداد مساحة الحرية والتسهيلات المقدمة لها.

ورغم أن الحكومة لا تمانع من تلقي هذه الجمعية للدعم الخارجي، فإنها تشترط قيام الجمعية باستئذان الجهات الرسمية ابتداء وانتهاء، وغالباً ما ينحصر الإذن الذي يعطى لها في مشروعات لا ترى الحكومة أن لها تأثيراً خارجياً، مثل شراء وتسوية المقبرة، أو إفطار الصائمين، أو مساعدة الفقراء والمحتاجين.

ونظراً لقلة عدد العلماء والدعاة من جهة، واستمرار الضغوط الشيوعية من جهة أخرى، انتشرت بين المسلمين ممارسات لا تتفق مع العقيدة الإسلامية الصحيحة المنطلقة من الكتاب والسُّنة، بينما يزداد ضعف معرفتهم بالإسلام؛ ما أثر كثيراً على صحة تأديتهم للشعائر الإسلامية، خاصة أن التواصل بينهم بات ضعيفاً وغير منتظم.

وأصبح الجيل الجديد بعيداً عن الإسلام؛ ما حرك بعض التجار من المسلمين الهنود لمواجهة هذا الخطر الذي يتهدد الإسلام والمسلمين في هذا البلد، فقاموا ببناء بعض المساجد، وعملوا على نشر الدعوة الإسلامية ومحاربة المعتقدات والتقاليد المخالفة للشريعة الإسلامية والمتنافية مع أخلاقياتها وآدابها.

احتياجات المسلمين

ويمكن تلخيص احتياجات مسلمي فيتنام اليوم في:

  • الحاجة الماسة إلى المساعدات المالية لتسيير متطلبات الحياة، ويتم سد جانب منها من الزكوات والصدقات.
  • مساعدات للطلاب حتى يتمكنوا من مواصلة دراستهم.
  • يحتاجون إلى نسخ من القرآن الكريم، وكذلك الكتب الإسلامية المترجمة.
  • استقدام الدعاة والعلماء الذين يجيدون لغتهم.
  • تبني فتح مدرسة تدرس المنهج الحكومي، إضافة للمنهج الشرعي، مع تقديم مساعدات للطلبة في كافة المراحل التعليمية لتشجيعهم على الاستمرار في الدراسة.
  • كفالة منح دراسية للطلبة في الجامعات الإسلامية وفي كليات الشريعة بشكل خاص، وكفالة عدد من طلبة وخريجي الجامعات الإسلامية للعمل كدعاة.
  • دعم حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد وكفالة من يديرها من المعلمين.
  • ترميم المساجد القائمة، وبناء مساجد جديدة.
  • استضافة أئمة المساجد وقيادات المسلمين هناك للحج إلى بيت الله الحرام، وكذلك التوسع في الأنشطة الموسمية لتوثيق الروابط مع مسلمي فيتنام.

ويعتمد المسلمون في تلقي تعليمهم الديني على مساجد ومراكز قليلة العدد، وهي تحتاج إلى المزيد من الدعم لتحسين أوضاعها، ومد الجسور بينهم وتثقيفهم ثقافة شرعية، تعالج ضعف معرفتهم بالدين الإسلامي وببعض أساسيات العبادات، في وقت يعانون فيه من أوضاع اقتصادية وصحية وتعليمية صعبة.

وفي الوقت نفسه، يعاني مسلمو فيتنام أيضاً من ضغوط اجتماعية وثقافية وتربوية ونفسية تسببها لهم الأغلبية البوذية، في الوقت الذي يحاولون فيه تلبية احتياجاتهم في تعلم الدين الإسلامي بشكل محدود عن طريق ماليزيا.

واليوم، وعلى الرغم من وجود ما ينص في دستور فيتنام على حرية العبادة، لم يتمكن المسلمون من الذهاب إلى الحج طوال 20 عاماً مضت، وقد تم السماح لهم مؤخراً ولكن بشروط مشددة.

إنها قصة الإسلام في فيتنام الذي كانت له دولة «تشامبا»، ولكن تكالبت عليها كل القوى المعادية للإسلام حتى تم إسقاطها، وأصبح المسلمون ضعفاء، وفقراء، ثم حلت الشيوعية بنظامها الحديدي الأسود لتفعل بهم أفاعيلها.. لهم الله.


اقرأ أيضاً

إمارة «تشامبا» المسلمة لـ4 قرون.. قصة الصعود والسقوط!

- تاريخ المسلمين في فيتنام.. قصة دولة «تشامبا» المنسية


الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة