«القوامة» من منظور النسوية الإسلامية

تُعدُّ قوامةُ الزوجِ على زوجته من
المفاهيم المحورية في الفكر الإسلامي، والأصل في هذه القوامة قول الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ) (البقرة: 228)، وقوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: 3)،
ودلّت الآيتان على قيّومية الرجل على المرأة؛ أي كما قال ابن كثير في تفسير الآية
الأخيرة: «هو رئيسها وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدّبها إذا اعوجّت»، يؤيده ما ورد
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلّت المرأة خمسها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها،
قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ» (رواه أحمد).
وقد علّل القرآن الكريم هذه القوامة بما
خصّ الله به الرجال من صفات بدنية ونفسية تناسب أدوارهم القيادية، وللنفقة التي
أوجبها عليهم للزوجة والأولاد، فهي بذلك ليست سلطة تسلّط أو قهر، إنما هي تكليف
بالمسؤولية ورعاية لمصالح الأسرة، وهي مشروطة بالعدل والإحسان، ولا تبرر الظلم أو
الاعتداء؛ (وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19)، «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (رواه
الترمذي).
وتسقط القوامة من الزوج إذا قصّر في
النفقة أو أخلّ بمسؤولياته، كما أنها لا تعني إلغاء شخصية المرأة أو نفي أهليتها،
بل هي تنظيم للحياة الزوجية بتنصيب قائد لها يضمن استقرار الأسرة ويمنع تفكيكها.
تأويلات عصرية
حظي مفهوم «القوامة» باهتمامات علماء
السلف، ومن بعدهم العلماء المعاصرون، الذين أعادوا النظر في مفهومه تحت تأثيرات
المتغيرات الاجتماعية والثقافية، مؤكدين أن القوامة لا تعني الاستبداد بالسلطة
والرأي، إنما هي قائمة على الشورى، والأخذ والردّ، في ظلال من الرحمة والمودة
والسكن التي أرادها التنزيل، ومؤكدين أيضًا أن الشريعة فتحت أبوابها في هذا الباب
بما ينسجم مع مقتضيات العصر، وبما لا يخلُّ بشروط الاستنباط السليم.
إلا أن ثمة تيارات حداثية أقنعت نفسها
بأن النص القرآني جاء في سياق تاريخي معين، وأن القوامة ليست تفوقًا جوهريًّا
للرجل، إنما ترتبت على أوضاع اقتصادية واجتماعية معينة، من ثم يمكن أن يتغير
مفهومها بعدما استعادت المرأة مكانتها الاجتماعية.
وقد تعددت التيارات الحداثية التي تدعو
إلى إعادة تعريف القوامة، بإخضاع النصوص الشرعية لآليات منهجية لا تراعي طبيعة
النص المقدّس؛ من أجل أن توافق قيمهم الليبرالية، إلا أن أخطر هذه التيارات ما
يُعرف بـ«النسوية الإسلامية»، التي تدثرت بدثار الإسلام، وأغرت العوام بهذا اللباس
المزيف، فطوّعت النصوص لصالح أفكارها الشاذة، واحتكرت التأويل بادّعاء أن نصوص
الوحيْين كرّست الهيمنة الذكورية، وأعطت تفويضًا للرجل بالظلم والسيطرة، وسلبت
المرأة حقوقها، وأهانت كرامتها، وقدحت في عقلها وحسن تدبيرها.
أدوات النسويات في التعامل مع النصوص
وللخلاص من قوامة الرجل –حيث تراها السبب
الرئيس في التمييز القائم بين الجنسين- قامت النسويات بتأويل النصوص وإعطائها
معاني جديدة، فانحرفن بذلك عن مقاصد الوحيين؛ ومن ثم اعتُبرت هذه التأويلات
انتقائية، تبرز ما تشاء وتهمّش ما تريد، بما يتوافق مع رؤية النسويات للمساواة،
ولا تعترف بالتالي بأدوات الاستنباط التي تحفظه من العبث والتدليس، فخرجت أفكارهن
شاذة لا تستقيم مع الواقع، بله مع العقل والمنطق، مثل قول إحداهن: «الدين والدولة
في العالم المسلم قد جعلا من المرأة عبد جنس لزوجها»، أو قول أخرى: «إن كثيرًا من
الأحكام ناتجة عن اجتهادات بشرية منحازة للرجال أكثر من كونها إلزامات شرعية قطعية».
لقد اشتغلت النسويات المسلمات على إعادة
قراءة النصوص الإسلامية من منظور نقدي تحرري، بغية مطابقتها لمزاجهنّ، فاتهمن
التفاسيرَ السابقة بالسطحية، ومن أجل الوصول لاحقًا إلى نفي التمايز بين الجنسين
اعترفن بمساواة القرآن بينهما في الإنسانية والكرامة، ومنهن من اعتمدت على آليات
الأدب لإدراك المعنى، أو صناعته من زاوية نسوية، متجاوزة اللفظ القرآني وسياقاته
النصية.
كما تعرّض الحديث النبوي لهجوم وتشكيك
كبيرين، مثل اعتباره منتجًا سياسيًّا غير أمين، ومن ثم ردّه بالكلية، والاكتفاء
بالقرآن، والطعن في دواوين السُّنة وادّعاء تأثرها بتراث اليهود والنصارى، وإن
أخذت إحداهن ببعض الأحاديث فإنها تأخذ ما يخص المساواة وتدع الأخرى.
أما التراث الفقهي فيعتبرنه مخالفًا
للواقع الحداثي، لخروجه –حسب زعمهن- من بيئة وثقافة ذكورية، ولذلك فإنهن يعتبرن
الفقهاء المسلمين أعداء المرأة الحقيقيين؛ لأنهم من سلبن حقها عن عمدٍ وخُبث.
القراءات النسوية لآية القوامة
تعددت القراءات النسوية لآية: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى
النِّسَاءِ)، وسعت جميعها لإعادة تحرير الكلمة لتكريس الاتجاه العلماني
بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة دون حدود، ورفض التفسير الفقهي المتوارث
بالكلية:
- فترى النسويات أن المفسرين القدامى حمّلوا الآية أكثر مما تحتمل من دلالات سلطوية، واعتبرن هذه التفسيرات جاءت متأثرة بالثقافات السائدة، التي تعلي من شأن الذكر في مجتمع أبوي كانت فيه السلطة للرجل.
- وقد بنَيْن على ذلك دعوى أن الأحكام القرآنية التي تخص المرأة باتت أحكامًا تاريخية ارتبطت في الأساس بزمن نزولها، وهي بالتالي قابلة للتغيير، ولو كانت من المحكمات.
- وقالت أخريات، في ليٍّ واضح لعنق النص:
إن القوامة في الآية لا تتعلق فقط بالزوج والزوجة فقط، وإنما هي قوامة مطلقة،
ويعضدن زعمهن بقول الله تعالى: (وَلَهُنَّ
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 228)، فلا قوامة
للرجل في هذه الآية، إنما هي عدالة ومساواة.
- وعليه؛ أعدن تأويل المفهوم، واعتبرن القوامة «تكليفًا وظيفيًّا مشروطًا»، فللرجل القوامة على المرأة ما دام هو المنفق والحامي، ولا تكون له هذه السيادة إذا انتفت هذه العلة.
الجناية على المجتمع
والأمة
جنى الخطاب النسوي حول القوامة الكثير من
الكوارث على مجتمعاتنا، وفتح الباب لنقاشات مضرة ومهلكة للأمة، ومن تلك الجنايات:
- إضعاف سلطة النصوص المقدسة في الوعي العام: بطرح تأويلات شاذة، مختلفة عن الموروث؛ ما يفقد الناس صفة الثبات المرجعي، ويخلق تراجعًا في الشعور باليقين الديني.
- تغذية الانقسام المجتمعي: بصناعة
استقطاب بين تيارين متضادين، يضعف الوحدة الثقافية للمجتمع، وانعكاس ذلك على
الأسرة برفض الزوجة لسلطة الزوج التي تعدُّ حقًّا شرعيًّا له.
- فقدان الخصوصية الحضارية: بالاعتماد على مناهج غربية؛ ما يخلق شعورًا بتشوُّش الهوية الدينية والثقافية.
اقرأ أيضاً: