الفجوات التعليمية للمسلمين في الهند بعد تقرير «ساشر».. قراءة في التحديات والآفاق

يُعَدّ التعليم حجر الزاوية في مسار التقدم الإنساني، إذ يشكّل أداة رئيسة لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وضمان تكافؤ الفرص، وفي السياق الهندي، حيث التنوع الديني والثقافي بالغ التعقيد، يصبح التعليم ميداناً حساساً يتداخل فيه الاقتصادي بالسياسي، والاجتماعي بالثقافي.

وقد مثّل تقرير «لجنة ساشر» (Sachar Committee Report, 2006) نقطة تحول في كشف صورة دقيقة عن أوضاع المسلمين في الهند، الذين يشكلون نحو 14% من السكان، مبرزاً عمق الفجوة التعليمية بينهم وبين بقية المكونات الاجتماعية.

بعد قرابة عقدين على صدور التقرير، بات ضرورياً إعادة قراءة المشهد التعليمي لهذه الفئة، لا بهدف التذكير بما كشفه من مؤشرات صادمة فحسب، بل لمراجعة ما تحقق وما لم يتحقق من وعود الإصلاح، في ضوء الدراسات الحديثة والتقارير الميدانية، والوقوف على آفاق المستقبل.

خلفية تاريخية ومعرفية

ارتبط التعليم في الهند تاريخياً بالطبقة والدين والجغرافيا، فالمجتمعات المهمشة –ومن بينها المسلمون والداليت والقبائل– واجهت عقبات هيكلية، مثل نقص المدارس وضعف الموارد وغياب الدعم المؤسسي، ومع مطلع القرن الحادي والعشرين، كان واضحاً أن هذه الفئات لا تتمتع بالحد الأدنى من المساواة التعليمية مقارنةً بالطبقات الميسورة والأغلبية الهندوسية العليا.

جاء تقرير ساشر ليكشف ذلك بالأرقام: انخفاض نسب الالتحاق بالتعليم الابتدائي بين المسلمين، وارتفاع معدلات التسرب، وضعف حضورهم في الجامعات والمؤسسات التقنية، إضافة إلى أن البطالة وسط المتعلمين المسلمين كانت مؤشراً على هشاشة البنية التعليمية ذاتها، التقرير لم يكن مجرد وثيقة إحصائية، بل أطلق نقاشاً وطنياً حول العدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة.

المشهد بعد تقرير ساشر

منذ صدور تقرير لجنة ساشر عام 2006م، تراكمت الدراسات الأكاديمية والتقارير الميدانية التي أبرزت بطء التقدم التعليمي لدى المسلمين مقارنة ببقية الفئات في الهند، فقد كشفت دراسة جامعية عام 2015م أن نسبة المسلمين الذين أتموا المرحلة الثانوية لم تتجاوز 17%، مقابل 26% بين مجموعات أخرى، أما تقارير «ASER» (2018 و2022م) فقد أكدت ضعف المهارات الأساسية كالقراءة والرياضيات لدى طلاب المدارس الحكومية في المناطق ذات الغالبية المسلمة.

كما أظهرت التحليلات الاقتصادية أن الأسر المسلمة تنفق أقل على التعليم من نظيراتها الهندوسية ضمن نفس المستوى الاقتصادي، وهو ما يعكس ضعف الثقة في جدوى التعليم، وتذهب الأبحاث الميدانية إلى أن الفتيات المسلمات يواجهن عراقيل مركبة، ناتجة عن الفقر من جهة، والتقاليد الاجتماعية المحافظة من جهة أخرى، ما يؤدي إلى انقطاع مبكر عن الدراسة ويضاعف من فجوة النوع الاجتماعي داخل المجتمع المسلم.

أزمة المنح وتفاقم التهميش

ومما يزيد المشهد قتامة أنّ تعليق منح أبي الكلام آزاد، التي كانت تشكّل ركيزة أساسية في دعم طلاب الأقليات، قد ساهم في مزيد من تدهور أوضاع المسلمين التعليمية، صحيح أن الحكومات المتعاقبة استجابت بإطلاق مبادرات إصلاحية، لكنّها بقيت في معظمها حبراً على ورق، فقد أُعلن عن برامج للمنح الدراسية في المرحلتين الثانوية والجامعية، وعن خطط لبناء مدارس جديدة في المناطق ذات الكثافة السكانية المسلمة، بل وإدماج بعض الأبعاد الثقافية والدينية في المناهج لتقليل الحواجز النفسية، غير أنّ هذه الجهود لم تحدث تحولاً بنيوياً.

فالمسوح الوطنية (NSS) وتقارير التعليم (ASER) في العقد الأخير تشير إلى تحسن نسبي في نسب الالتحاق بالمرحلة الابتدائية، يقابله استمرار التسرب الكبير في المراحل الأعلى، كما ظلّت مؤسسات التعليم العالي والنخبوي شبه مغلقة أمام المسلمين، الأمر الذي يعمّق دائرة التهميش ويكرّس الفجوة التعليمية والاجتماعية.

غياب الإرادة السياسية

والحقيقة أن الحكومة لم تُبدِ اهتماماً جدياً بتعليم المسلمين لا في الماضي ولا في الحاضر، إذ ظلّت السياسات الموجهة إليهم متقطعة ومحدودة الأثر، هذا الغياب للجدية عمّق شعور التهميش وأبقى أوضاع المسلمين التعليمية على حالها تقريباً منذ تقرير ساشر وحتى اليوم.

طريق الإصلاح

مواجهة الفجوات التعليمية للمسلمين في الهند تتطلب، قبل كل شيء، إعادة النظر في قرار تعليق منح أبي الكلام آزاد، مع العمل على إيجاد بدائل دعم مستدامة تضمن استمرار طلاب الأقليات في مسارهم الأكاديمي، كما أن أي إصلاح حقيقي يستلزم صياغة سياسات شاملة تربط التعليم بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، بحيث يصبح التعليم جزءاً لا يتجزأ من خطط النهوض الوطني.

وفي هذا السياق، يظل الاستثمار المكثف في البنية التحتية للمناطق المهمشة أمراً ضرورياً، إلى جانب إطلاق برامج دعم مالي مشروط تشجع الأسر الفقيرة على إبقاء أبنائها في المدارس حتى المراحل الثانوية والجامعية، كما يتطلب الأمر مراجعة مناهج القبول الجامعي وإجراءاته بما يتيح تمثيلاً أوسع للمجتمعات المحرومة، مع إيلاء اهتمام خاص بتمكين الفتيات عبر برامج تراعي أوضاعهن الاجتماعية والثقافية وتساعدهن على مواصلة التعليم دون انقطاع.

وإلى جانب هذه الإجراءات، يبقى منح المسلمين حصصاً عادلة في التعليم (Reservation) خطوة أساسية لضمان تمثيلهم في المدارس والجامعات ومؤسسات التعليم العالي، فهذا الإجراء من شأنه أن يفتح أمامهم أبواب الفرص الأكاديمية والمهنية، ويضعهم على قدم المساواة مع المجموعات الأخرى التي استفادت من نظام الحصص لعقود طويلة.

وخلاصة القول: إن مواجهة الفجوات التعليمية للمسلمين في الهند تتطلب، قبل كل شيء، إعادة النظر في قرار تعليق منح أبي الكلام آزاد، مع العمل على إيجاد بدائل دعم مستدامة تضمن استمرار طلاب الأقليات في مسارهم الأكاديمي، ولا يكفي ذلك وحده، بل لا بد من صياغة سياسات شاملة تربط التعليم بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، بحيث يصبح التعليم جزءاً لا يتجزأ من خطط النهوض الوطني، وفي هذا الإطار، يظل الاستثمار المكثف في البنية التحتية للمناطق المهمشة أمراً ضرورياً، إلى جانب إطلاق برامج دعم مالي مشروط تشجع الأسر الفقيرة على إبقاء أبنائها في المدارس حتى المراحل الثانوية والجامعية.

كما يتطلب الأمر مراجعة مناهج القبول الجامعي وإجراءاتها بما يتيح تمثيلاً أوسع للمجتمعات المحرومة، مع إيلاء اهتمام خاص بتمكين الفتيات عبر برامج تراعي أوضاعهن الاجتماعية والثقافية، وتساعدهن على مواصلة التعليم دون انقطاع، وأخيراً، فإن نجاح هذه السياسات يظل رهناً بوجود آليات فعالة للرقابة والتقييم تضمن استدامة المبادرات الحكومية وتحولها إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع.

إن التعليم، بوصفه رافعة للتنمية، لا يمكن أن يؤدي دوره الحقيقي في الهند ما لم تُعالج التفاوتات البنيوية التي كشفها تقرير ساشر وأكدتها الدراسات اللاحقة، والمسألة هنا لا تخص المسلمين وحدهم، بل ترتبط بمستقبل الهند ككل: فغياب العدالة التعليمية يهدد التماسك الاجتماعي ويقوّض فرص التقدم الوطني.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة