الفاشر ..كارثة إنسانية متسارعة ومأساة مدنية بمقاييس واسعة

سامح ابو الحسن

02 نوفمبر 2025

194

شهدت مدينة الفاشر (عاصمة شمال دارفور) خلال الأسابيع الماضية تصعيدا عسكريًا عنيفًا وحملة انتهاكات واسعة، أعقبت سيطرة فصائل مسلحة عليها. الأوضاع الإنسانية تدهورت بسرعة: أعداد كبيرة من المدنيين محاصرون داخل المدينة، وآلاف فرّوا سيرًا إلى مناطق قريبة عبر طرق غير آمنة، فيما تظل المساعدة الإنسانية محاصرة أو ممنوعة عن الوصول. تقديرات المنظمات الدولية المحلية والأممية خلال الأيام الأخيرة تشير إلى عشرات الآلاف من المشردين والنازحين حديثًا، ومخاطر حماية كبيرة تتضمّن عمليات قتل، اختطاف، اعتداءات جنسية على الأطفال والنساء، وتجويع ممنهج في بعض المناطق. المساعدات عاجلة وطارئة، وتحتاج الفاشر إلى اختراق إنساني فوري وممرّات آمنة لحماية المدنيين وتوصيل الغذاء والمياه والخيام والأدوية.

المشهد العام: ما حدث وماذا يعني للأهالي

خلال الأيام الأخيرة تصاعد العنف في الفاشر بعد دخول عناصر من قوات غير نظامية وسيطرة على أجزاء واسعة من المدينة. تقارير شهود ومصادر إخبارية توضح أن الاشتباكات رافقتها هجمات بالقذائف والطائرات من دون طيار واستهداف لملاجئ مدنية ومرافق صحية، ما فجر موجة نزوح داخلية وخارج مدينة الفاشر. بينما ظلّ عدد كبير من السكان محاصرين داخل أحياء لا يمكن الوصول إليها بسبب العمليات العسكرية وغياب الحماية.

ما يعنيه ذلك: تدمير الحلول المحلية للإيواء، قطع سلاسل الإمداد (غذاء، ماء، دواء)، وتفاقم إصابات ونزوح داخل وخارج الولاية — مما يحوّل أزمة محلية إلى كارثة إنسانية إقليمية إن لم يُتحرك المجتمع الدولي سريعًا.

أرقام النزوح والضحايا (أحدث التقديرات خلال الأسبوع الأخير)

النازحون من الفاشر ومحيطها: تشير تقديرات فرق المسح والإعلام الإنساني إلى أن أكثر من 62,000 شخص نزحوا من الفاشر بعد هجمات الاستيلاء الأخيرة، وفق تقارير منظّمة الهجرة الدولية ووكالات أنباء نقلت بياناتها قبل أيام.

تقديرات إضافية عن نزوح وسكّان محاصرين: فرق أخرى (DTM والتقييمات الميدانية) أفادت باضطرار نحو 26,000 شخص للنزوح الإضافي خلال 29–31 أكتوبر فقط، نتيجة موجات نزوح مفاجئة على طرقٍ خطيرة. إجمالاً، الأرقام المجمعة تشير إلى عشرات الآلاف نزحوا في أيام معدودة، مع بقاء مئات الآلاف في المدينة بين محاصر ومشرّد بحسب تعدد المصادر.

انتهاكات جسيمة وخطورة حماية الأطفال: منظمة اليونيسف أفادت بتسجيل تقارير عن اختطاف وقتل وتشويه للأطفال، ومعاناة أسر وصلت مشياً لمسافات طويلة بلا طعام أو ماء، مع أعداد كبيرة بحاجة ماسة للحماية والطوارئ الغذائية والصحية.

ملاحظة مهمة: تقديرات الضحايا (قتلى/جرحى) تختلف بين المصادر الميدانية والشهود، وبعض التقارير المتداخَلة تتحدّث عن حوادث مروّعة (حالات إعدام ومجازر في مواقع معينة) — ما يستدعي تحقيقًا مستقلاً وفتح ممرات آمنة للتحقّق من أرقام القتلى والاختفاءات.

حالات الحصار وانسداد الممرات الإنسانية

شهادات المنظمات والفرق الميدانية تؤكد أن الوصول الإنساني إلى الفاشر محجوب إلى حد كبير: طرق الإمداد مقطوعة أو خطيرة بسبب وجود مسلّحين، والمرافق الصحية أو المستشفيات تعرضت للإضرار أو أصبحت مواقعًا للهروب والقتل بحسب الشهود. مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ومنظمات إغاثة دولية دعوا إلى "هدنة إنسانية فورية" لفتح ممرات آمنة وإجلاء الجرحى وإدخال الإمدادات.

النتيجة العملية: حتى مع توفر مخزونات إقليمية لدى بعض الوكالات، فإن عدم الوصول يعني تلفًا غذائيًا وتدهور رعاية صحية حادة، وارتفاع مخاطر انتشار الأمراض المعدية في المخيمات المؤقتة.

الاحتياجات الطارئة (أولوية الاستجابة الأسبوع الجاري)

استنادًا إلى التقييمات الحقلية وتقارير اليونيسف وOCHA والمنظمات الإنسانية، احتياجات الفاشر العاجلة تشمل:

حماية مدنية فورية: ممرات أمنية لإخراج الجرحى والنساء والأطفال، ونقطة استقبال آمنة للنازحين خارج دائرة القتال.

إمدادات طبية طارئة: مستلزمات جراحة، أدوية أساس، تطعيمات، وأمصال ضد الأمراض المعدية. تقارير تفيد بتدهور منشآت صحية أو سوء قدرتها على الاستجابة.

أمن غذائي ومياه: توزيع سلال غذائية طارئة، مياه صالحة للشرب ومحطات تعبئة وحاويات، مع تدخل سريع لمنع مجاعة في المخيمات.

مأوى وغطاء: خيام، بطانيات، أدوات تدفئة/عزل، قياسًا لليالي الباردة وافتقاد الأسر لسبل الحماية.

خدمات حماية نفسية واجتماعية: استجابة لحالات الصدمة الجماعية، خاصة للأطفال والشهود على أعمال عنف.

آثار إنسانية أوسع: صحة عامة، تغذية، ومخاطر انتشار الأمراض

التغذية: هناك إشارات إلى ارتفاع حالات سوء التغذية الحادّة بين الأطفال والرضع نتيجة انقطاع الإمدادات الغذائية. اليونيسف حذّرت من مخاطر فورية على الأطفال حال عدم إدخال دعم غذائي متكامل.

الصحة العامة: المستشفيات متضرّرة وفرق الصحة تعمل بصعوبة تحت ظروف نقص الإمدادات والوقود؛ الخطر مرتفع لانتشار الكوليرا والأمراض المنقولة بالماء إذا لم تُعالج أزمة المياه بشكل عاجل.

الحماية وانتهاكات القانون الإنساني الدولي

تقارير منظمات حقوقية وإغاثية توثّق أحداثًا خطيرة تتضمن:

عمليات قتل جماعية ومجازر في مواقع محدّدة داخل المدينة وفق شهود ولقطات أقمار صناعية وأدلة ميدانية مبكرة. بعض التقارير الصحفية الدولية تحدثت عن مئات القتلى في مواقع مثل المستشفيات أو المخيمات.

استهداف المرافق الصحية والعاملين الطبيين واحتجاز بعض المساعدين الإنسانيين، ما يعرقل الاستجابة. اليونيسف ومنظمات صحية تحدثت عن حالات وفاة وسط المدنيين نتيجة عدم توفر الرعاية.

الانتهاكات الجنسية والاختطاف: تقارير مبدئية وأخرى من منظمات حماية الطفل تشير إلى حالات اغتصاب واختطاف، خصوصًا للأطفال والنساء أثناء فرارهم. هذا يتطلب استجابة حماية متخصصة وسرية.

هذه الانتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب إذا تأكدت المؤسسات الدولية منها، ما يفرض تحقيقًا دوليًا عاجلًا ومساءلة الجناة.

استجابة المجتمع الدولي والرسائل الدبلوماسية

المجلس الأمني الدولي أصدر بيانات إدانة ونداءات لوقف العنف وحماية المدنيين، ودعا إلى فتح ممرات إنسانية فورية وحماية العاملين الإنسانيين. دول ومنظمات إقليمية ودولية أبدت قلقها ودعت إلى تحقيقات مستقلة. هذه الخطوات دبلوماسية مهمة لكنها لا تغني عن الحاجة لعمل ميداني عاجل وممرّات آمنة.

تقييم سريع لقدرة الاستجابة الحالية

القدرات المحلية: منظمات محلية وشركاء أممين تحاول تنسيق استجابة لكن قدرتها محدودة بسبب الحصار الأمني وغياب الوقود والمواد اللوجستية. بعض الشركاء المحليين يعملون من المدن القريبة (تويلا/العيلفون) لاستقبال النازحين.

الاحتياطي الإقليمي والدولي: مخزونات محدودة لدى وكالات أممية ومؤسسات إنسانية لكن الوصول والتوزيع هما العقبة الأساسية. حتى التبرعات السريعة قد تبقى محجوبة دون فتح ممر آمن.

توصيات عاجلة للمجتمع الإنساني والدولي (قابلة للتنفيذ فورًا)

مطالبة فورية لوقف إطلاق النار المحلي وفتح ممر إنساني محمي عبر الأمم المتحدة والجهات المتحكمة على الأرض، مع آليات رصد دولية.

تنسيق دولي لإيصال القوافل من المراكز الإقليمية (تخزين وقود وآليات وبرامج طبية) مع حماية القوافل بضمان دولي/إقليمي.

إرسال فرق طوارئ طبية وحماية نفسية تعمل في مناطق الاستقبال القريبة (تويلا وغيرها) لتقديم الرعاية العاجلة للأطفال والنساء والجرحى.

آليات توثيق محايدة لانتهاكات حقوق الإنسان لتفعيل المساءلة لاحقًا (تحقيق مستقل بمشاركة الأمم المتحدة واللجان الحقوقية).

نداء تمويل طارئ لصناديق الإغاثة لتوفير الغذاء والمياه والمأوى خلال الأسابيع القادمة — مع رصد دقيق للأثر.

الفاشر اختبار لضمائر العالم

المدينة اليوم تعيش مزيجًا من الخوف والفرار والصدمة؛ شباب وشيوخ وأطفال يسيرون على أقدامهم مسافات طويلة تحت وطأة العطش والجوع، بينما تزداد تقارير الانتهاكات التي تذكر بآلام دارفور السابقة. البيانات الصادرة خلال الأسبوع الأخير تُظهر بالأرقام والحوادث أن الفاشر في طريقها إلى أزمة إنسانية كبرى ما لم تُفتح ممرات آمنة وتُقدّم إغاثة طارئة. المجتمع الدولي والجهات الفاعلة في السودان أمام اختبار إنساني: هل ستتحرك بسرعة لوقف نزيف المدنيين وحماية آلاف الأرواح؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر الأساسية 

بيان منظمات الإغاثة (ReliefWeb)— «INGOs raise alarm over escalating violence in El Fasher»(نشرة وتحذيرات، تاريخ: قبل أيام).

UNICEF Sudan — Al-Fasher Crisis FlashUpdate (29 October 2025) — أثر على الأطفال واحتياجات الحماية.

United Nations OCHA— بيانات وتحذيرات بشأن صعوبة الوصول والحاجة إلى هدنة إنسانية.

تقارير إخبارية عالمية: Reuters/ Al Jazeera / Washington Post / The nationalnews / دارفور 24  /Africia news— تغطيات ميدانية وشهادات عن هجمات ومجازر ونداءات دولية.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة