الذوبان الثقافي أبرز التحديات أمام شباب مسلمي البرازيل

تُعدّ البرازيل قوة قارية كبرى في أمريكا الجنوبية، أكبر مساحة وسكاناً، وذات تأثير اقتصادي وسياسي بارز ضمن تكتلات مثل مجموعة «بريكس»، فضلاً عن دورها البيئي العالمي باحتضان غابات الأمازون، واستضافتها مؤتمرات دولية اقتصادية وبيئية مهمة.

ويشكّل المسلمون أقلية منظمة وفاعلة، يُقدّر عددهم بنحو مليون مسلم تقريباً، تشمل الهجرة العربية وأعداداً متزايدة من البرازيليين المعتنقين للإسلام، ويتركّز الوجود الإسلامي في المدن الكبرى، مع شبكة من المساجد والمراكز التعليمية والخيرية، حيث تشهد ساو باولو وفوز دو إيغواسو نشاطاً ملحوظاً يجمع بين العبادة والتعليم والعمل الاجتماعي.

كثير من الأسر المسلمة تواجه صعوبة في نقل القيم الدينية لأبنائها داخل بيئة تعليمية وثقافية غير إسلامية

يستعرض هذا الحوار لـ«المجتمع» مع د. عبدالحميد متولي، رئيس المركز الإسلامي العالمي للتسامح والسلام في البرازيل، أبرز التحديات التي تواجه المسلمين في البرازيل، والجهود العملية للمؤسسات الإسلامية في ترسيخ الهوية والحضور المجتمعي.

• في البداية، نود التعرف على أبرز التحديات المرتبطة بالهوية الإسلامية لدى الأجيال الجديدة؟

- أهم التحديات ضعف التأصيل الديني للشباب، بسبب البعد الجغرافي عن العالم الإسلامي وقلة المؤسسات التعليمية المتخصصة؛ ما يحدّ من مستوى المعرفة والالتزام، فكثير من الأسر المسلمة تواجه صعوبة في نقل القيم الدينية لأبنائها داخل بيئة تعليمية وثقافية غير إسلامية؛ ما يهدد استمرارية الهوية الإسلامية بين الجيل الجديد.

• كيف تعمل المؤسسات الإسلامية على تعزيز التعليم الإسلامي؟

- تعطي المؤسسات الإسلامية الأولوية للتعليم من خلال الدورات الشرعية، والمدارس القرآنية، والمنصات الرقمية باللغة البرتغالية، فعلى سبيل المثال، أطلق المركز الإسلامي العالمي للتسامح والسلام برنامجاً صيفياً لتفسير القرآن ودراسة «الأربعون النووية» تحت إشراف د. متولي، يشمل جلسات تفسير وحفظ القرآن والصلاة الجماعية وأنشطة تربوية وقيمية، ويختتم بحفل توزيع جوائز تحفيزية، لترسيخ المعرفة الشرعية وتعزيز الانتماء الروحي.

المؤسسات الإسلامية تعطي الأولوية للتعليم من خلال الدورات الشرعية والمدارس القرآنية والمنصات الرقمية

كما نُظمت أول مسابقة وطنية للقرآن الكريم والسُّنة النبوية تشمل جميع الولايات البرازيلية، برعاية وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية، مع مستويات متدرجة وجلسات تحكيم مباشرة وعبر الإنترنت، وجوائز مالية وتكريم للمؤسسات التعليمية المتميزة؛ ما يعزز التعليم القرآني ويخلق جيلاً من الحفّاظ المتمكنين من القيم والمعرفة الدينية.

• كيف يؤثر نقص الكوادر الدعوية المؤهلة على الواقع الإسلامي؟

- يعاني المجتمع المسلم في البرازيل من نقص الأئمة والمعلمين المتخصصين؛ ما يحد من انتظام التعليم الديني في بلد واسع المساحة، كثير من المساجد والمراكز تعتمد على جهود تطوعية محدودة؛ ما يترك فجوة في نقل المعرفة وتعليم القيم الإسلامية للأجيال الجديدة.

• وماذا عن الجهود المبذولة في تأهيل الأئمة والدعاة؟

- تسعى المؤسسات الإسلامية لتأهيل الكوادر الدعوية عبر برامج تدريبية، ومنح دراسية، وشراكات مع مؤسسات علمية دولية، فعلى سبيل المثال، أُطلقت في 25 يوليو 2025م دورة علمية إرشادية بالجمعية الخيرية الإسلامية– مسجد البرازيل، بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في السعودية، ومركز الملك فهد الثقافي الإسلامي بالأرجنتين، لتعزيز الاعتدال وبناء كوادر دعوية قادرة على مواجهة التحديات المعاصرة وربط الأجيال بثوابت الإسلام.

المجتمع المسلم في البرازيل يعاني من نقص الأئمة والمعلمين المتخصصين ما يحد من انتظام التعليم الديني

كما شاركت، في ديسمبر 2025م، في افتتاح الدورة العلمية بمدينة فلوريانبولس، حيث ألقيت كلمة بعنوان «دعاة أمريكا اللاتينية»، تؤكد دور الدعوة الوسطية في بناء الكوادر المؤهلة وتعزيز الهوية الإسلامية وخدمة المجتمعات المسلمة في القارة اللاتينية.

• إلى أي مدى يمثّل الذوبان الثقافي تحدياً حقيقياً للمسلمين؟

- الذوبان الثقافي يُعدّ من أخطر التحديات، خصوصاً لدى الشباب، في ظل مجتمع علماني منفتح، حيث تتعرض الهوية الدينية لضغوط مستمرة، ومثلاً، تناولت تقارير متخصصة دور الأسرة كخط الدفاع الأول في حماية الأبناء من فقدان الانتماء الديني.

• كيف تُعزَّز الهوية الإسلامية لدى الشباب؟

- أُطلقت مبادرات متنوعة تستهدف الشباب والأسر، تجمع بين التعليم والتربية والترفيه الهادف، فعلى سبيل المثال، نظم مركز الدعوة الإسلامية في أمريكا اللاتينية المؤتمر الدولي الثامن والثلاثين لمسلمي أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي في ساوباولو، بمشاركة وزراء وأئمة وعلماء من المملكة العربية السعودية ودول متعددة، للتركيز على دور الشباب المسلم في توظيف الذكاء الاصطناعي وآفاقه وتحدياته.

وضم المؤتمر محاور علمية وتطبيقية تناولت الاستخدام الأمثل للتقنيات الحديثة في خدمة المجتمعات المسلمة ونشر العلم الشرعي، مع دراسة التحديات العقدية والفكرية والأخلاقية المرتبطة بها، ليعكس التزامنا بدعم الشباب وتعزيز معرفتهم التقنية والقيمية بما يتوافق مع المبادئ الإسلامية.

• لوحظ ضعف المحتوى الإسلامي باللغة البرتغالية؟ فماذا عن الجهود المبذولة لمعالجة الأمر؟

- ضعف المحتوى الإسلامي الموثوق باللغة البرتغالية يحدّ من انتشار المعرفة الصحيحة، سواء داخل المجتمع المسلم أو خارجه، فمثلاً، لا تزال المكتبة الإسلامية المحلية محدودة مقارنة بحجم الحاجة؛ ما يدفع كثيرين للاعتماد على مصادر غير منضبطة، لكن تسارعت في السنوات الأخيرة حركة الترجمة والطباعة للكتب الإسلامية، لا سيما القرآن الكريم.

الذوبان الثقافي يُعدّ من أخطر التحديات خصوصاً لدى الشباب المسلم في ظل مجتمع علماني منفتح

فقد أطلق مركز الدعوة الإسلامية لأمريكا اللاتينية (CDIAL) مبادرة لتوزيع خمسين ألف نسخة مجانية من كتاب «ملخص تفسير القرآن الكريم» باللغة البرتغالية، لتقريب معاني القرآن لأكثر من 280 مليون ناطق بهذه اللغة في 9 دول؛ ما يعكس التزام المركز بنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة، وتعزيز الحوار بين الأديان، وترسيخ الهوية الإسلامية في مجتمعات البرازيل وأمريكا اللاتينية.

• ماذا عن الحوار وبناء الجسور مع المجتمع البرازيلي؟

- تعتمد المؤسسات الإسلامية خطاباً وسطياً وتسعى لبناء علاقات إيجابية مع الجهات الرسمية والدينية؛ فمثلاً، في ديسمبر 2025م، شاركت في ندوة «هشاشة حقوق الإنسان في سيناريوهات الأزمات» التي نظّمها مسجد الهدى ولجنة حقوق الإنسان التابعة لمكتب نقابة المحامين في ساو جوزيه دوس كامبوس، بمشاركة خبراء وقادة ومنظمات إنسانية لمناقشة التحديات في حقوق الإنسان وتعزيز التضامن الدولي وقيم العدالة والكرامة.

وعلى المستوى المحلي، نظمت الجمعية الوطنية للمحامين المسلمين في البرازيل ندوتها السابعة بالتعاون مع كلية الحقوق في ساو برناردو، لمناقشة تحديات الإدماج والحرية الدينية في بيئات العمل، وتعزيز فهم التنوع الديني ومكافحة التمييز؛ ما يعكس الالتزام بالحوار المؤسسي وترسيخ العدالة الاجتماعية واحترام التعددية.