التلفزيون كمدرِّب على الجريمة والعنف والفساد
دراسة
«وقائعية رقمية» تؤكد دَور الأفلام السينمائية والتليفزيون في الدفع إلى الجريمة
في عددها (2179)
الصادر بتاريخ 28 ذي الحجة 1396هـ نشرت مجلة «الإذاعة والتلفزيون» المصرية دراسة (وقائعية
ورقمية) عن «التلفزيون» كمُحرض على الجريمة والعنف وكمروج لهما على أوسع نطاق.
وتناولت الدراسة
«السينما» كذلك كمساهم في التحريض على الإجرام، ومن الوقائع التي قدمتها الدراسة:
- استفتاء أجراه
معهد "جلوب" تبين من خلاله أن 70% من الشبان الذين أجري عليهم البحث أو
الاستفتاء الاجتماعي قرروا أن "التلفزيون" مسئول عن انحراف كثير من
الشباب.
- اعترفت امرأة
تعمل مخرجة تلفزيونية بارتكاب جرائم وفي التحقيق أقرت بأنها وهي ترتكب جرائمها
كانت متأثرة بالمسلسلات الإجرامية التي كانت تخرجها.
- أستاذ علم
الاجتماع في جامعة شيكاغو وجد أن الصغار يقلدون رعاة البقر والهنود الحمر
والعصابات بعد مشاهدة أفلامهم.
ولا نستطرد في
ذكر الوقائع حتى لا ننشر الدراسة مرتين في عدد واحد، إنما نقدم هذه الدراسة
للمسؤولين عن التلفزيون وعن السينما وندعوهم إلى التفكير الجاد في تطهير هذين
الجهازين من أفلام الجريمة والعنف.. ومن أفلام ومسلسلات الجنس وملحقاته، وندعوهم
-بعد التفكير الجاد- إلى خطة كاملة يصلحون بها شأن التلفزيون والسينما.
من جانب آخر:
نقدم هذه الدراسة إلى اللجنة الوزارية للإعلام والتربية كي تستعين بها في إصلاح
أمر الإعلام وترشيد سياسته وبرامجه.
1- قام مجموعة
من طلبة المدارس الثانوية في مصر الجديدة بتكميم سيدة باستخدام البلاستر، وفي
التحقيق اعترفوا بأنهم شاهدوا هذه الطريقة، في إحدى المسلسلات الأجنبية في
التليفزيون فقاموا بتنفيذها كما شاهدوها.
2- خادمة في
الثامنة عشرة من عمرها قامت بعد مشاهدتها أحد الأفلام السينمائية بسرقة مصوغات
سيدتها وحافظة نقود رب الأسرة ثم هربت بعد أن نامت الأسرة، وبعد أن تم ضبطها قررت
أنها قامت بالسرقة تمامًا كما شاهدت بالتليفزيون وأن ما فعلته السارقة في الفيلم
أغراها بتنفيذ السرقة.
3- مجموعة من
الشبان قاموا بفتح الخزائن الخاصة لمجموعة شركات بالضبط كما شاهدوا في أحد الأفلام
السينمائية على شاشة التليفزيون، وقرروا أنهم استعملوا الأجهزة التي استخدموها كما
شاهدوا في التليفزيون، وراعوا كل الاحتياطات التي نفذها بطل الفيلم كارتدائه
للقفازات أثناء تنفيذ العملية.
4- وعلى طريقة
«طباخ السم يذوقه» اعترفت سيدة بارتكاب جرائم وقررت أنها كانت مدفوعة بما تأثرت به
عندما أخرجت عدة مسلسلات للتليفزيون الإنجليزي حيث كانت تعمل مخرجة.
حتى هنا قد يقال
بإن هذه مجرد حالات فردية لا يمكن الاستناد عليها ولا تشكل ظاهرة عامة وهنا لا بد
لنا من الالتجاء إلى لغة الأرقام.
قرر 70% من
الشبان الذين تم استفتاؤهم في بحث اجتماعي قام به معهد "جالوب" وشمل
البحث كل الولايات المتحدة الأمريكية، أن التليفزيون مسئول عن انحراف كثير من
الشبان تمامًا، كما تفعل كتب الجنس وذلك عن طريق ما يعرض من أفلام عاطفية
وإجرامية، وقرر 25٪ من أفراد البحث أن التليفزيون يشكل خطرًا كبيرًا على من هم في
سن العشرين وأنه يقف وراء أكثر الجرائم التي ترتكبها هذه القلة.
يقولون في
الولايات المتحدة إن العنف يتمثل في أفلام المغامرات ورعاة البقر التي تحتل ساعات
طويلة من برامج التليفزيون هناك وهي النموذج الأصلي لمقالب العنف ففي كل فيلم نجد
الشرير والطيب وينتهي الأمر بطلقة تقتل الشرير وقد يتغير زمان أو مكان أحداث
الفيلم، قد يكون في الفضاء في البداية أو في شنغهاي وقد تكون منذ ألف عام أو في
سنة 2000، لكن الأمر ينتهي والمشكلة تحل بطلقة رصاص تقتل الشرير ويخترق صفيرها
آذان المشاهدين مؤكدة أسلوب العنف كحل أمثل في كل الأحوال.
وجدوا أيضًا من
الأبحاث في أمريكا أن الطفل يتقبل كل الأفكار ويتأثر بما يقال عن أن العنف يحل
المشكلات، وتقول الإحصائيات إن الطفل المتوسط هناك يقضي أمام التليفزيون وقتا
مماثلا للوقت الذي يقضيه أمام السبورة في الفصل المدرسي إن لم يكن يزيد، ومن هنا
يبدو مقدار التأثير الذي سيكون عليه الطفل في الحاضر والمستقبل ولن تتغير النتيجة
إذا ما أجرى مثل هذا البحث المصري.
ويقولون ردًا
على ما يقال من أن مشاهد العنف في الأفلام التي يعرضها التليفزيون لا أثر لها
يقولون إنه لا يعقل أن يكون الشاب الأمريكي الذي هو في العشرينات من عمره والذي
يشاهد أكثر من 20 ألف ساعة تليفزيونية لا يعقل أن يكون ذلك كله دون تأثير.
وفي مصر أيضًا..
وفي مصر نال
المقدم نبيل حسن رسالة الماجستير عن رسالته حول «تأثير التليفزيون في الشباب
المصري» ولو كان صاحب الرسالة قد أجرى دراسته بعد ظهور برنامج النجدة 122 لقفزت
نتائجه إلى أرقام مرعبة، فالأرقام مخيفة حتى وهو يعتمد على الأفلام السينمائية
التي يعرضها التليفزيون والمسلسلات.
حاول نبيل حسن
أن يعرف أي النجوم يعجب بهم المنحرفون فكانت النتيجة: فريد شوقي وقد حصل على أكبر
نسبة من المنحرفين حيث أعجب به 57 من 150 وفريد شوقي في الأفلام هو الإنسان الذي
دفعته الظروف للشر والذي تمتلئ أفلامه بالمشاجرات والمبالغة في القوة البدنية
للفرد.. ثم جاء بعده شكري سرحان، وهم لم يختاروا شكري سرحان لدماثته ولا لتمثيله
دور المحب وإنما لتمثيله دور السفاح «محمود أمين سليمان» في فيلم «اللص والكلاب»
وهو السفاح الذي روع القاهرة كلها.
والبعض الذي
يأخذ هذه النتيجة في صالحه فيقول ها هو الشباب يعجب بالأشرار فنحن نقدم له «ما
يطلبه المشاهدون».. نرد بكلمة «ماكلوهان» أحد علماء الاتصال في عصرنا.. التليفزيون
ليس وسيلة للتسلية فحسب وأن عليه أن يقدم للجماهير ما تحتاجه لا ما تطلبه..
وبمناسبة سفاح القاهرة، حدث في الخارج عندما عرضت حلقات «الهارب كامبل» وحلقات «بيتون بيبي» أن تعاطف الناس مع بطل الهارب وتكونت لديهم اتجاهات ضد رجال القانون والشرطة وفي «بيتون بيبي» ظهرت اتجاهات ضد سلطة الوالدين.
ونعود إلى
ماجستير نبيل حسن وتأثير التليفزيون في الشباب فنرى أن السرقة من أكثر الأمور التي
قلدها المنحرفون بعد مشاهدتها على الشاشة، يليها الظهور بالعظمة وادعاء الثراء
والغنى ثم يلي ذلك محاولتهم تقليد مظاهر الفتونة وأقر 12.6 من الشباب المنحرف، 10%
من الفتيات المنحرفات أن التليفزيون كان سببا في انحراف زملائهم.
وقرر 90% من
المبحوثين أن التليفزيون يعد عاملًا مساعدًا على الانحراف، وقرروا أنهم تعلموا
الأساليب الإجرامية من الحلقات أو الأفلام التي يعرضها التليفزيون وقرر 43% من
المبحوثين الذين تأثروا بالتليفزيون أن التليفزيون كان له تأثيرًا في تعلم
المنحرفين أسلوب الجريمة أو أوحى إليهم بها أو دفعهم إليها.
وعندما سألهم
صاحب الرسالة عن برنامجهم المفضل اختار 64.6% المسلسلات البوليسية والأفلام
والمغامرات الأجنبية وهي المواد التي تدفعهم للانحراف وفي المقابل يطالب المتخصصون
في أسباب الانحراف بإيقاف المسلسلات البوليسية.. وعندما سأل الباحث المنحرفين عن
المواد التي يرون زيادتها طالب 60% بزيادة المسلسلات والمواد التي تحث على التمسك
بالأخلاق والقيم الدينية والروحية، 40% طالبوا بزيادة المواد التي لا توضح أسلوب
الجريمة، ولكن تبين مساوئ الانحراف.
ويذكر صاحب
الرسالة مثلًا لإحدى الحلقات الأجنبية أظهرت أن المنديل الجاف لا يكفي لإزالة
البصمة بل لا بد أن يكون المنديل مبللًا حتى يستطيع المعمل الجنائي رفع بصمات
اللص، في هذه الحلقة قام اللص بمسح بصماته بمنديل جاف ولكن المعمل الجنائي استطاع
رغم ذلك رفع بصماته من على مقبض الخزينة، فكانت النتيجة أن اللصوص استخدموا الفوطة
المبللة في مسح البصمات ولم يجد رجال المباحث في القاهرة بعد عرض هذه الحلقة أي
بصمات في أماكن ارتكاب الجرائم لعدة شهور تالية، وكمْ من المعلومات تستطيع
المسلسلات نقلها للصوص فيتبعونها ويضيع الحق.
والتليفزيون
بعرضه للأفلام والمسلسلات يتحمل المسئولية مشتركة، فهذه الأفلام والمسلسلات تتضمن
نشر الجريمة بين ثناياها، وهو شيء ليس هينًا بالرغم من كل المبررات التي تساق
لعرضها.
لقد وجد أستاذ
علم الاجتماع في جامعة شيكاغو أن الصغار يقلدون رعاة البقر والهنود الحمر
والعصابات بعد مشاهدة أفلامهم.
وفي بحث أجري في
النمسا على 400 شاب جاءت النتائج: 40% من الشباب من سن 15-18 يعتبرون بطل السينما
نموذجًا أخلاقيًا لهم، 70% من سن 16-18 يطبقون تصرفاتهم الخارجية على تصرفات
الممثلين.
وفي فينسيا عقد
مؤتمر لمناقشة الأفلام المخصصة للمراهقين وتقول نتائج المؤتمر إن المراهقين
يتأثرون بالأفلام التي تعرض مناظر يتم فيها شرح السرقة وكيفية ارتكاب الجريمة.
وفي دراسة على
خمسمائة فيلم أمريكي للبحث عن أثر الأفلام السينمائية في تكوين السلوك المنحرف لدى
المراهقين جاءت النتيجة بأن 4/5 الأفلام تعالج الحب والجريمة والجنس والخرافات،
وأن هذه الأفلام تقدم المجرم على أنه شخص سعيد محب للمخاطر وشجاع على الرغم من
أنها كانت تقدمه بصورة غير جذابة.
وحتى لا يقال
بأن ظروف هذه المجتمعات غير ظروفنا تقدم الدراسة الميدانية التي قام بها عالم
الاجتماع د. سيد عويس عام 58 عن شاب منحرف كان يتردد على السينما مرتين أسبوعيًا،
وكان يقوم وشقيقه الأصغر بإعادة ما شاهده في الأفلام مما ترتب عليه في النهاية
رسوبه في الامتحان.
والذين لا يرون
للسينما كل هذا التأثير يكتفون بالقول بأنه ما لم يكن لدى الفرد استعداد خاص
للجريمة فلن تؤثر فيه، فالسينما تقتصر على إبراز السلوك المنحرف عند الفرد، ويعلق
عبد المنعم سعد صاحب رسالة ماجستير عن السينما والشباب بأن الفيلم السيئ يساهم في
الانحراف وتنضم إليه عوامل مساعدة ويتوقف التأثير على شخصية الفرد في النهاية.
وأطلق بأن الفرد
ميدان تتصارع فيه مجموعة من العوامل فلماذا تخاطب فيه عوامل الإجرام فقط، ومهما
كانت الأسباب فإن النتيجة هي النتائج التي توصلت إليها الأبحاث العلمية مضافًا
إليها الفرق بين عرض الأفلام في السينما وعرضها في التليفزيون وهو فارق لو يعلمون
كبير.
الذهاب إلى
السينما تتحكم فيه عوامل السن والمقدرة المالية - قرب السينما أو بعدها -ظروف الجو-
الرغبة في مشاهدة أفلام معينة - التهيؤ النفسي الذي يجعل الإنسان مقبلًا على
مشاهدة فیلم معين بما يحيط به من ظروف متغيرة بينما في المنزل يكون الإنسان في
حالة استرخاء كامل تجعله مستعدًا لمناقشة ما يقدم إليه من أفكار.
وعلى الرغم من
كل الظروف المختلفة بين مشاهدة الفيلم في التليفزيون ومشاهدته في السينما فإن
قوانين الرقابة في العالم كله لم تركن إلى هذا وإنما حاولت وضع ضوابط قدر الإمكان،
ولو قمنا بجولة حول قوانين الرقابة على الأفلام في العالم فإننا سوف نكتشف نفس
المعنى في كل القوانين وبألفاظ مختلفة فالكل يتفق على أن النواحي الفنية للقتل
وطرق السرقة يجب ألا تعرض تفاصيلها، تجارة المخدرات يجب ألا تظهر، استبعاد العنف
وتقييد استخدام الأسلحة إلى أدنى حد لكيلا يوحي للآخرين بالرغبة في تقليد مشاهد
العنف… إلخ.
وفي مصر يحرص
قانون الرقابة على عدم عرض الجريمة بطريقة تثير العطف أو تغري بالتقليد أو تصور
بطريقة دقيقة ويحذر من إضفاء صفة البطولة على الشخصيات الإجرامية، وأي بطولة أكثر
من أن تصاحب كاميرات برنامج تليفزيوني مجرمًا ما.
والأبحاث في هذا
الموضوع كثيرة جدًا ففي بلجيكا وجد أحد الباحثين أن وسيلة ارتكاب الجريمة بين نسبة
كبيرة من الأحداث مقتبسة من الأفلام حتى بالرغم من أن الفيلم لم يكن دافعًا
أساسيًا للسلوك الإجرامي.
وفي دراسة في
أمريكا درس أحد العلماء 368 حالة وخرجت نتائجه تقول إن 49٪ منهم أثارت فيهم
السينما الرغبة في حمل سلاح ناري، 28% منهم علمتهم طرق ارتكاب السرقات، 21% علمتهم
طرق تضليل البوليس، 45% أوحت إليهم بفكرة كسب المال عن طريق سهل وما زلنا نذكر قصة
البار التي حدثت سنة 53 وهم مجموعة من الشباب كونوا عصابة للسرقة على غرار ما
شاهدوه من مغامرات على شاشة السينما وهي القصة التي مثلت أيضًا في «إحنا التلامذة»
ففي بحثه للماجستير يورد عبد المنعم سعد أكثر من قصة تبرهن على نفس هذا الكلام(1).
للمزيد:
- العنف الأسري.. هل ترضاه المرأة أم تضطر للصبر عليه؟
- العنف الأسري في الكويت - بين واقع الظاهرة ورادع القانون
- مساعي تفكيك الأسرة المصرية تتزايد وسط تحذيرات من مختصين
- مقاربة النموذج الكويتي والأردني لحماية المرأة من العنف الإلكتروني
- قراءة في الإنجازات التشريعية لحماية المرأة في الكويت
________________
(1) نُشر بالعدد(331)، 14 المحرم 1397هـ/ 4 يناير 1977م، ص26.