«محامي خُلع»!
                    «محامي خُلع»، عنوان فيلم كوميدي مصري، تم
إنتاجه العام 2002م، ويحكي قصة زوجة ثرية تبحث عن حيلة للطلاق من زوجها؛ بدعوى
معاناتها من «شخيره» أثناء النوم.
الفيلم الساخر تحول إلى حقيقة على أرض الواقع، مع تعدد الحيل والألاعيب،
وتنوع الثغرات القانونية وغير القانونية؛ للتملص من رباط الزواج، وطلب الخُلع
والطلاق؛ لأسباب تجافي العقل والمنطق.
يكفي المرأة فقط في ساحة القضاء الادعاء، دون أدلة، بأن زوجها «مبيعرفش»،
في إشارة إلى فشله في القيام بالعلاقة الزوجية، أو اتهامه بالبخل، أو أنه اعتدى
عليها بالضرب والسب، ليكون مسوغاً لها لطلب الخُلع والطلاق.
المحصلة النهائية في بلد عربي مثل مصر، أن غالبية أحكام الطلاق تتم عن طريق
الخلع، بنسبة بلغت 81.3% من إجمالي الأحكام النهائية للطلاق عام 2023م (نحو 8684
حكماً من إجمالي 10683 حكماً بالطلاق)، بحسب بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي
المصري للتعبئة العامة والإحصاء.
يتيح «قانون الخلع»، الصادر عام 2000م، للزوجة في مصر، رفع دعوى قضائية
تطلب فيها التنازل عن جميع حقوقها المالية المقررة شرعاً عند الانفصال، مقابل
الحصول على الطلاق، دون النظر إلى موافقة الزوج.
معدلات الطلاق
مرت 8 سنوات، قبل تبين سوءات القانون، والتداعيات الوخيمة التي ترتبت عليه،
من إطلاق لجام الطلاق، وفتح الباب على مصراعيه، ليحصد المجتمع العلقم، جراء ارتفاع
معدلات الطلاق، وتفكك المزيد من الأسر، وتشرد عشرات الآلاف من الأطفال.
في العام 2008م، أدرجت الجهات المعنية «الخُلع» كأحد الأسباب المؤدية إلى
الطلاق بين المصريين، بنسبة 48.5%، لترتفع النسبة إلى 66% عام 2010م، صعوداً إلى
75% عام 2014م، ونحو 70% خلال العام 2016م.
في العام 2018م، بلغت نسبة أحكام الخلع من إجمالي الأحكام النهائية للطلاق
نحو 83%، في حين ارتفعت النسبة إلى 87.4% عام 2020م، ثم عاودت الانخفاض إلى 81.3%
خلال 2023م، لتكسر -بشكل عام- حاجز الـ80%، خلال الأعوام القليلة الماضية.
زاد الطين بلة -إن صح التعبير- تحول القانون من طوق نجاة للزوجة «المعلقة»
لإنهاء رحلة المعاناة في ساحات المحاكم، إلى مكايدة ووسيلة لابتزاز الزوج، أو لحظة
تهور وغضب، لا يُحمد عقباها.
أعرف زوجة، التجأت إلى «الخلع»؛ لرفض زوجها تدخل أمها في تربية أبنائهما،
وثانية؛ لأنه رفض استمرارها في العمل، وثالثة؛ لاضطراره إلى بيع جزء من «شبكتها»
الذهبية، ورابعة؛ لتدهور أحواله المادية، وخامسة؛ للزواج عليها، وسادسة للجوئه إلى
العنف، إلى آخره من أسباب، دفعت المصريين إلى تسجيل حالة طلاق كل دقيقتين.
ومن آن إلى آخر، تعج وسائل الإعلام بطرائف وغرائب قصص الخلع، منها أن الزوج
أصلع أو بـ«كرش»، أو لأن زوجها «مش بيستحمى»، أو لأنه يطالبها بأن تكون نسخة من فنانة
معينة، أو لتنمره على مقاس قدمها، أو لتفضيله أمه عليها، أو لغيرته عليها! وفق صحف
مصرية.
هدم الأسرة
تعددت الأسباب، و«الخلع» واحد، يتزايد ويتمدد، ربما هناك أسباب قد تكون
وجيهة تقف وراءه، لكن الواقع يؤكد أن القانون جرى استغلاله بشكل سيئ، لهدم الأسر
وتخريب البيوت، مع كون حكم الخلع نهائي، لا يجوز الاستئناف أو الطعن عليه بأي طريق
من طرق الطعن.
ومع تنامي تغول «السوشيال ميديا»، وقعت الكثير من النساء ضحية لتأثيرات
مواقع التواصل الاجتماعي، فصارت تقارن حياتها بأخريات، وقد تضع زوجها في مقارنة
برجال آخرين، وهي الحال ذاتها بالنسبة للرجال، حين يقارنون بين زوجاتهم ونجمات
الفن والسينما، فيصاب كل طرف بلعنة عدم الرضا عن شريك الحياة.
ربما في السابق، كان طول فترة التقاضي يمثل فرصة ثمينة للطرفين لمراجعة
موقفيهما، كما كان ذلك يوفر وقتاً لأطراف أخرى للتدخل وإصلاح ذات البين، خصوصاً
إذا كان لديهما أطفال، لكن «الخلع» بدّد تلك الفرصة، وجعل الطلاق قراراً سهلاً
يستغرق عدة شهور فقط، ليصل إجمالي عدد حالات الطلاق بين المصريين إلى 269.8 ألف
حالة طلاق بنهاية العام 2023م. 
انقلب السحر على الساحر، وتحول فيلم «محامي خُلع» إلى حقيقة مُرة، مع تكالب
المحامين على إقامة دعاوى الخلع والطلاق؛ لأسباب كثيرة، لا يتسع المقام لذكرها،
أقلها سهولة الحصول على أحكام نهائية فيها، وسهولة استنزاف المرأة وأسرتها بشأن
أتعاب المحاماة، فضلاً عن سرعة لجوء النساء بصفة عامة للوقوف أمام ساحات القضاء.
إن قوانين الخلع والطلاق في بلداننا تحتاج إلى ضبط، ووعي بأبعاد الأزمة،
وحراك مجتمعي وإعلامي وديني، يسد الثغرات من جانب، ويكبح قطار الطلاق من جانب، قبل
أن يأتي على حصون الأسرة العربية والمسلمة.