«إكس بوكس».. غزو رقمي يهدد عقول الشباب العربي

استولت منصات الألعاب الإلكترونية، وعلى رأسها
«إكس بوكس» (Xbox)
على مساحات شاسعة من عقول شبابنا العربي والإسلامي، محولة إياهم إلى سجناء افتراضيين
خلف جدران الألعاب التنافسية؛ إذ تحولت هذه المنصات إلى إدمان رقمي يلتهم الساعات الطوال،
ويستنزف الطاقات الذهنية، ويصنع عزلة اجتماعية تغيبهم عن واقعهم، فكم من ساعات عمر
تهدر! وكم من طاقات إبداعية تحبس خلف أزرار التحكم!
وتستعمر منصة «إكس بوكس» بشركائها الذين بلغوا
نحو 200 مليون شهريًا عقول الأجيال العربية والإسلامية، حيث حوّلت فراغهم إلى ساحات
افتراضية تبتلع الزمن وتعيد تشكيل أولوياتهم.
وفي الكويت وحدها، تجاوزت المنشورات حول منصة
«إكس بوكس» 940 ألفًا، وباتت الشاشات خليطًا بين الهوس والهوية؛ فالشباب يلهثون وراء
إنجازات وهمية، بينما تتراجع إنجازاتهم الواقعية، وتتقلص ساعات التواصل الأسري لتحل
محلها نداءات اللاعبين عبر السماعات الافتراضية.
فهل تدرك الأسر أن «إكس بوكس» لم تعد مجرد
لعبة، وإنما خصم شرس يسرق أبناءها من تحت سقف المنزل؟ وهل تعي المؤسسات التربوية أن
القيم الإسلامية تواجه غزواً رقمياً يعيد تعريف مفاهيم الفراغ والترفيه؟ فالساعات الضائعة
بين الأزرار ليست مجرد وقت، بل مستقبل يباع في سوق الوهم الرقمي!
انتشار مرعب
تدعم البيانات والإحصاءات الحديثة المؤشرات
حول اتساع رقعة انتشار الألعاب الإلكترونية، وخاصة منصة «إكس بوكس» (Xbox) في المجتمعات العربية وتأثيرها المتصاعد على حياة الشباب، ومن أبرزها:
- أفاد تقرير حديث بأن عدد لاعبي الألعاب
الإلكترونية في الشرق الأوسط وحده يتجاوز 377 مليون لاعب؛ أي ما يقارب تعداد قارة أوروبا،
وفي السعودية، وصل عدد اللاعبين إلى 21.1 مليون (حوالي 89% من السكان).
- وتشير تقديرات أخرى إلى وصول حجم سوق الألعاب
في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مِن ضمنها السعودية والإمارات ومصر) إلى نحو
68.4 مليون لاعب عام 2023م، مع نمو متوقع مستمر.
- كما كشفت دراسة سعودية حديثة أن 63.1% من
المراهقين (12-16 عامًا) يمارسون الألعاب اليومية، وأن نسبة المصابين بمعايير إدمان
الألعاب (حسب استبيان معياري) بلغت نحو 62.1%، وعلاوة على ذلك، ارتبطت تلك النسبة المرتفعة
بزيادة معدلات القلق والاكتئاب وتشتيت الانتباه لديهم.
«إكس بوكس» تتصدر المشهد
وفي ظل النمو الكبير الذي تشهده سوق الألعاب
الإلكترونية، قدرت قيمة السوق الإقليمية بنحو 7.45 مليارات دولار عام 2023م، مع توقعات
بارتفاعها إلى أكثر من 5 مليارات في عامنا الجاري.
وكان لمنصة «إكس بوكس» (Xbox ) التأثير الأكبر في تشكيل ثقافة الترفيه الرقمي للشباب العرب، إذ
تتمتع بشعبية عالمية من ناحية، ومحفزات تقنية جديدة (مثل الواقع الافتراضي والدعم السحابي)
تجذب فئة الشباب نحو قضاء أوقات فراغهم معها من ناحية ثانية.
وتشير الإحصاءات العالمية إلى وجود أكثر من
200 مليون مستخدم نشط شهريًا لمنصة «إكس بوكس» في العالم؛ ما يدل على انتشارها الكبير،
حيث باعت «إكس بوكس 360» وحدها أكثر من 85 مليون وحدة منذ إطلاقها، في حين تجاوز عدد
مالكي إصدار «إكس بوكس» الأخير (سلسلة X/S) حاجز الـ27 مليون فرد حتى نهاية 2024م.
تأثيرات اجتماعية ونفسية
وفي ظل هذا الانتشار الكبير لمنصات الألعاب
الرقمية، تشير الأبحاث إلى أن قضاء ساعات طويلة في اللعب يؤثر سلبًا على إدارة وقت
الطلاب، حيث يهمل البعض أداء واجباته الدراسية أو المشاركة في الأنشطة العائلية، وقد
وجد أن الألعاب الإلكترونية المكثفة تصبح عائقًا لتعلم مهارات جديدة تتطلب التركيز
والتحليل، فتتراجع فرص التفاعل.
ويعد التشبث المطول بالألعاب سببًا في عزلة
الأبناء عن والديهم وأفراد الأسرة؛ فوفقًا للدراسات يصبح التفاعل الأسري أقل مقارنة
بالأطفال العاديين؛ ما يؤدي في بعض الحالات إلى تفكك الأسرة ومشكلات في احترام القيم
الاجتماعية المنزلية، وقد لوحظ أن بعض الأبناء المفرطين في اللعب يمارسون تسلطًا على
الوالدين أو ارتكاب مخالفات بسيطة في المنزل.
كما تحمل الألعاب المحتوية على عنف بصري أو
تفاعلي أخطاراً؛ فقد يؤدي المحتوى العنيف إلى نشوء سلوك عدواني أو عصبي لدى بعض الشباب،
فالمحتوى العدواني في الألعاب يجعل الأطفال غير صبورين وعدوانيين تجاه أسرهم أو زملائهم،
كما يسهم الجلوس الطويل أمام الشاشات في ضعف الانخراط الاجتماعي وارتفاع مستوى التوتر
والقلق، وربما اكتساب عادات نوم غير منتظمة.
ويؤخر الانغماس في الألعاب الإلكترونية نمو
مهارات اجتماعية سلوكية مهمة، مثل التفاعل مع الآخرين وتقبل الفروق؛ ففي تفسيرات عدد
من الخبراء، يؤدي الإفراط إلى تأخير استيعاب المراهقين لعالمهم الحقيقي ومهاراته؛ ما
يضعف مقدرتهم على التركيز والتحليل في الحياة العملية والتعليمية، وقد يفضي ذلك إلى
نشوء جيل يفتقد إلى قيم التعاون وأخلاقيات الحوار المنضبط.
حلول عملية
وفي ضوء ما سبق، وفي ظل المؤشرات التي تدل
على الإقبال الكبير على منصات الألعاب الإلكترونية وخاصة منصة «إكس بوكس»، وتأثير ذلك
على شبابنا، تتجلى أهمية ضبط وتنظيم وقت اللعب الإلكتروني ضمن جدول يومي يوازن بين
الواجبات والدراسة ووقت الترفيه، مع التزام الآباء بوضع حدود زمنية معقولة للعب، وتشجيع
الأبناء على انتقاء الألعاب البناءة ذات الطابع التعليمي أو التفاعلي، والمشاركة في
المسابقات والتحديات التي تعزز مهاراتهم.
وفي هذا الإطار، يوصي الخبراء بضرورة المشاركة
العائلية في جلسات اللعب الجماعي -كمسابقات الألغاز أو الألعاب التربوية- في ترسيخ
الروابط الأسرية وتسهيل الرقابة الحوارية على محتوى الألعاب؛ ما يتيح للأهل تبني نهج
تربوي يقوم على تعزيز القيم الإسلامية مثل الأمانة في المنافسة والاحترام المتبادل.
أخيرًا، ينصح بتوجيه الشباب لتنمية بدائل
صحية وهوايات متنوعة -رياضية أو فنية أو تطوعية- تغذي قدراتهم الجسدية والنفسية وتقلل
من التعلق الأحادي بالألعاب الإلكترونية، وأيضًا استثمار شغفهم بالتكنولوجيا في أنشطة
تعليمية مفيدة كتعلم البرمجة أو التصميم الجرافيكي للألعاب؛ ما يحول الترفيه إلى فرصة
لصقل المواهب وبناء قيم المسؤولية وضبط النفس، حتى تتحول الألعاب الإلكترونية من مصدر
للهرولة إلى أداة تربوية تعزز انخراط الشباب في الأسرة والمجتمع وتحافظ على مبادئهم
الإسلامية.
______________
1- الشرق – جابر الحرمي، «الألعاب الإلكترونية
خطر يلتهم عقول الشباب» (15 ديسمبر 2024).
2- اليوم (السعودية)، «صندوق سكنر… خداع العقل
بـ الألعاب» (6 مايو 2025).
3- الوطن – صحيفة جزائرية، «الألعاب الإلكترونية..
أخطار تهدد الأطفال» (8 يوليو 2017).
4- الطبي (Altibbi) «أضرار الألعاب الإلكترونية على الأطفال».
5- PG
Connects – Riyadh. “The MENA region”
(2022).
6-ResearchAndMarkets
(Business Wire). “Saudi Arabia, UAE, and Egypt Games Market Report 2024”.
7- Cureus (علم النفس السعودي). “Prevalence
of Video Game Addiction… Saudi Arabia”
(2023).
8- DemandSage.
“Xbox Statistics 2025” (ديسمبر 2024).
9-Grand
View Research. “Middle East Gaming Market Size, Share & Trends” (2024).