3 كوارث أسرية وتعليمية خلفتها الحرب في السودان

أنتج التمرد العسكري الذي قادته «قوات الدعم السريع» في السودان، في 15
أبريل 2023م، واقعًا مريرًا يضرب الأسرة والنسيج الاجتماعي في السودان، من خلال
تزايد عدد زواج القاصرات ولجوء بعض الأسر السودانية لتزويج بناتهن الأطفال بدلًا
من اغتصابهن واختطافهن بأيدي جنود «الدعم السريع».
وقد حفلت المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة
بعرض حالات وشهادات حية لطالبات تعرضن للاغتصاب أو للزواج القسري، إضافة إلى قتل
عدد من الطالبات اللواتي حاولن الهروب من محتجزيهن ومغتصبيهن.
وقد اشتكى عدد من المعلمين والمعلمات من تزايد نسبة زواج القاصرات بعد
تدمير العملية التعليمية وتحويل المدارس إلى ثكنات عسكرية؛ ما أدى إلى تسرب ملايين
الأطفال من المدارس، فأصبح الذكور عرضة للتجنيد القسري، والفتيات عرضة للاختطاف أو
الاغتصاب أو الزواج القسري.
وتفيد المنظمات الطوعية بالبلاد بأن هناك بعض الأسر قد لجأت إلى تزويج
بناتهن القاصرات بدافع الحصول على الخبز والدواء، أو خوفًا من عمليات القتل
الجماعي التي تقوم بها أفراد من مليشيا «الدعم السريع»، كما اعتبرت هذه الأسر أن
تزويج بناتهن للجنود أفضل من اختطافهن واغتصابهن بدلاً من الزواج منهن قسرًا.
وكان وما يزال تحول المدن إلى ميدان معارك بين «الدعم السريع» والجيش هو
السبب الرئيس في ضرب العملية التعليمية عبر تدمير المدارس، الذي أنتج بدوره
تجنيدًا قسريًا للطلاب والأطفال من ناحية، وتزوجًا من القاصرات، ومن ناحية أخرى
هجر المعلمون مدارسهم، ونزحوا إلى مناطق أخرى، بل وهرب الكثير منهم إلى دول مجاورة
كلاجئين، ومن بقي في السودان اضطر للعمل بمهن يدوية أخرى كي يحصل على قوت يومه بعد
أن توقفت رواتبهم بفعل الحرب، ونهب البنوك، وقطع الطرق، وفرض حالة مأساوية على هذا
القطاع المهم في البلاد.
الزواج القسري
تفيد التقارير الموثقة بأن مقاتلي «قوات الدعم السريع» قد فرضوا الزواج
القسري في المناطق التي يسيطرون عليها، وقد تم توثيق العديد من حالات إجبار
الفتيات والنساء على الزواج من أفراد هذه المليشيا، خاصة في ولايتي الخرطوم
والجزيرة، وفي بعض الحالات، يتم إجبار الفتيات على الزواج تحت تهديد السلاح.
ويرى عدد من الباحثين السودانيين أن «قوات الدعم السريع» استخدمت الزواج
القسري كمحاولة لإذلال الأسر السودانية وإجبارهم على ترك بيوتهم وأحيائهم، ومن
خلال إجبار النساء والفتيات على الزواج من أفرادها، تسعى «الدعم السريع» إلى
محاولة خلق واقع جديد تفرض فيه سلطاتها وقوانينها الخاصة بدلًا من قوانين الدولة،
كما تستخدم المليشيا الزواج القسري في بعض الأحيان كشكل من أشكال العنف الجنسي
والعقاب ضد المدنيين بزعم أنهم قد ساندوا الجيش السوداني أو أن أفراداً منهم قد
قاوموا ورفضوا دخول قوات الدعم أحياءهم أو قراهم.
تروي مهدية كيف تم إجبارها على الزواج من مقاتل في «الدعم السريع»، وكيف
تمكنت من الفرار قبل إتمام الزواج، تاركة وراءها والدها وشقيقها عرضة للانتقام،
وفضلت الأسرة التعرض للأخطار بدلًا من تسليم ابنتهم كرهًا إلى جنود «الدعم السريع».
بينما برر عثمان تزويج ابنته التي لم تبلغ الثانية عشرة خوفًا عليها من
الاختطاف والاغتصاب، وفق وسائل إعلام سودانية.
وقد ذكر عدد من النشطاء المدافعين عن النساء أنهم فشلوا في توثيق العدد
الأكبر من حالات زواج القاصرات بسبب الخوف من المليشيا وانقطاع الإنترنت إضافة إلى
خوف الأسر من الفضيحة.
تدمير التعليم
تشير تقارير المنظمات الدولية إلى أن تعطيل التعليم وإغلاق المدارس في
السودان هو العامل الرئيس الذي يفتح الأبواب أمام زواج القاصرات، وتجنيد الأطفال،
وإنه سيؤدي إلى «كارثة جيلية»، حيث حرم 17 مليون طفل من حقهم في التعليم، وهو ما
سيكون له آثار مدمرة على مستقبلهم ومستقبل البلاد ككل.
أكثر من 10400 مدرسة في السودان قد أغلقت أبوابها بسبب النزاع، وفي ولاية
الخرطوم وحدها تم تدمير 40% من المؤسسات التعليمية، ونحو 75% من المؤسسات
التعليمية في السودان قد تضررت، وفق وزارة التعليم السودانية.
وبالإضافة إلى التدمير المباشر للمباني المدرسية، تم استخدام العديد من
المدارس كملاجئ للنازحين؛ ما أدى إلى تعطيل العملية التعليمية، وفي كثير من
الحالات، استخدم الدعم السريع المدارس كمقار عسكرية.
وكل هذا يعد السبب الرئيس لتزايد حالات زواج القاصرات، إضافة إلى تجنيد
التلاميذ والطلاب.
تجنيد الأطفال
هناك كارثة ثالثة جراء الانتهاكات الجسيمة الأخرى التي يتعرض لها الأطفال
في السودان نتيجة للنزاع، تتعلق بتجنيدهم واختطافهم واستغلالهم جنسيًا، بما في ذلك
زواج القاصرات.
تؤكد «يونيسف» تورط «قوات الدعم السريع» في تجنيد الأطفال واستخدامهم في
الأعمال القتالية، كما وثقت حالات اختطاف القاصرات واغتصابهن واستغلالهن جنسيًا،
بما في ذلك إجبارهن على الزواج.
وقد ربطت تقارير المنظمة بين هذه الانتهاكات وتدمير العملية التعليمية،
وقالت: إن الأطفال الذين ينقطعون عن الدراسة يصبحون أكثر عرضة للخطر والاستغلال؛
لأن المدارس توفر لهم بيئة آمنة وداعمة، وعندما أغلقت فقَدَ الأطفال هذه الحماية
وأصبحوا أكثر عرضة للعنف والاستغلال.
وأكدت المنظمة أن مليشيا «الدعم السريع» تستخدم العنف الجنسي والزواج
القسري كأسلحة حرب؛ ما يؤكد وحشية النزاع وضرورة التدخل الدولي لوقف هذه الجرائم.
وتستمر «قوات الدعم السريع» في ضرب المدن ومحطات الكهرباء والطاقة
بالمسيرات؛ ما يجعل استمرار العملية التعليمية أمرًا مستحيلًا بعد إغلاق المدارس
من ناحية، وانقطاع الإنترنت وعدم القدرة على التواصل بين الطلاب والمعلمين من
ناحية أخرى، وهو ما يؤكد استمرار تسرب الطلاب والطالبات إلى حيث تريد «الدعم
السريع» اختطافًا واغتصابًا وزواجًا قسريًا وتجنيدًا للأطفال.