وهْمُ جنة الغرب.. حقيقة الأرقام والانهيار الأخلاقي!

محمد الحداد

23 أكتوبر 2025

38

يتعامى كثير من الناس عن الحقائق بمحض إرادتهم، بل يخدعون أنفسهم عن إصرار وترصد، ويكون من وراء ذلك رغبات؛ أدناها إراحة الذهن وترك التكاليف، وأعلاها استغفال الناس وتحقيق المصالح من وراء ذلك، ومن ذلك التعامي عن حقيقة ما وصل إليه الغرب على الصعيد الأخلاقي، بل وتعدى ذلك إلى محاولة استنساخ تجربته، تلك الظاهرة التي غرست في نفوس كثيرين حتى منعتهم من الاعتداد بإرادتهم ثم دفعتهم إلى الانسلاخ من فكرهم وتراثهم وأخلاقهم، وهذه كلمات في نقض ذلك التصور.

العدل

لا يجب أن ننعى على الحضارة الغربية جميع ما أتى منها، فذلك ظلم في القول وغلط في الفكر، بل لا تخلو حضارة من نقاط مضيئة، وقد روي في تاريخ المسلمين -بل وفي وقت نشأة حضارتهم- ذلك النَّفَس المنصف، قال عمرو بن العاص رضي الله عنه عن الروم: «إنَّهُمْ لأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وأَجْبَرُ النَّاسِ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، وخَيْرُ النَّاسِ لِمَساكِينِهِمْ وضُعَفائِهِمْ» (صحيح مسلم، 2898)، ولكن تقييم الحضارات إجمالًا يخضع للرؤية الكلية لثمرات الحضارة ونفعها للإنسان على سائر الأصعدة، وإن نظرنا إلى الصعيد الأخلاقي الذي يمثل الركيزة الذي تقوَّم به الحضارات؛ فسنجد ما يُقنع وزيادة.

الخدعة الأولى

معلوم ما حصل من سلوك غير حميد في الفترة المسماة: (الحقبة الكولونيالية)، ولا يُعرف عن المحتلين تنصلهم من الاعتراف بإضعاف البلاد التي احتلوها على سائر الأصعدة، ولا عن رفعهم شعارات الحرية والتنوير وغير ذلك قاصدين به غير حقيقته، لكن اللافت للنظر حصول السذاجة التي جعلت البعض يصدق ذلك، التي تطورت فيما بعد لتصبح أداة في يد المخادِع حتى بعد جلائه، سواء في نشر ثقافته أو السعي لاستنساخ تجربته أو حتى استلهام مِزاجه والتماس المعاذير له.

اعتراض وجواب

قد يقول قائل: ما يريده المحتلُ للمحتلين خلاف ما يريده لنفسه، فلمَ لا نقلده فيما صنع حتى نتقدم مثله؟!

والإجابة عن هذا السؤال بسيطة لمن تخلى عما غُرس فيه من أفكار دخيلة: فإن إفلاس الحضارة الغربية في نفع الإنسان لم يوقن به المتضررون منها -كمن في بلاد ما يسمى بالعالم الثالث- فحسب؛ بل يعجز المُحصون في الغرب نفسه عن تعداد مظاهر فسادها وإفسادها لهم، فأي ميزة لديهم ليحسن أخذها عنهم؟!

الواقع المرير

هل يؤخذ عنهم الوحشية -حتى في داخلهم- مثل الولايات المتحدة التي قُتل فيها في عام 2023م فقط: 42 ألفاً و988 شخصاً، وأصيب 36 ألفا و366 شخصاً، في حوادث إطلاق النار بين أفراد الشعب الأمريكي المتحضر! (حسب منظمة أرشيف العنف المسلح (GVA))، في معدل قتلى وإصابات لا يحدث في كثير من الحروب؟!

أم يؤخذ عنهم الانحراف الأخلاقي من أن واحدة من بين كل 6 نساء أمريكيات تتعرض لمحاولة اغتصاب، فيما لا يتم إبلاغ الشرطة أصلًا عن 68% من الاعتداءات الجنسية (حسب موقع «ترند»)، وأن واحدة من كل 3 نساء في أوروبا تعرضت لأحد أشكال العنف الجسدي أو الجنسي أو كليهما معًا منذ بلوغ سن 15 عامًا، وواحدة من كل 10 نساء تعرضت لأحد أشكال العنف الجنسي منذ بلوغ سن 15 عامًا، فيما تعرّضت واحدة من كل 20 امرأة للاغتصاب (حسب دراسة نشرتها وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية عام 2014م حول العنف ضد المرأة على مستوى دول الاتحاد)؟!

أم يؤخذ عنهم سوء توزيع الثروة الذي يعيش بسببه 37.9 مليون شخص في الولايات المتحدة -أغنى دولة في العالم- تحت خط الفقر (حسب مكتب الإحصاء الأمريكي عام 2022م)، وأن واحدًا من كل 6 أشخاص داخل الاتحاد الأوربي تحت خط الفقر (حسب المكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي في تقرير نشره عام 2018م)؟!

ولنترك الكلام التفكك الأسري وجرائم السرقات والمشكلات الأخلاقية كالتحول الجنسي وانتشار المخدرات والخمور وغيرها، فلا يكفي لذكرها مجلدات.

الحقيقة المرة

لنكن صرحاء، لا ميزة قد تُرى للغرب سوى الرفاهة في المال، والسلطة التي أوجدها المال، والتكنولوجيا التي احتكرتها -أو تكاد- بسبب السلطة والمال، ومع غض النظر عن تركز هذه الثروة المالية والسلطة وأحدث إصدارات التكنولوجيا في يد أفراد قليلين في الغرب دون المجموع؛ فإن جريمة السطو على ثروات الغير سر جنة الغرب المتوهَّمة تلك، ولولا ذلك لما حقق تلك الرفاهية، ومن لا يرى من الغربال فهو أعمى!

المواجهة

فأي جنة يريدها المنبهرون بالغرب: ضرر الأفراد والأمم على سائر الأصعدة؟! أم قيمهم الضائعة التي يعانون من فقدانها؟! أم أخلاقهم الشاذة التي يصدرونها لغيرهم ليقعوا في الهاوية مثلهم؟! فليرَ كل منبهر بالغرب الحقيقة سافرة من غير تجميل، وإن أراد الاستقلالية والقيمة أو حتى الرفاهية فلا ييمم وجهه لمن سلبها من غيره، بل يسعى لتفادي أصل المشكلة، أما معالجة المشكلات بنفس الطريقة التي ما قدمت يومًا ولا أخرت فهي حرث في الماء، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف: 96).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة