وما توفيقي إلا بالله..
علامات التوفيق الإلهي وسبل تحقيقه
يقف الإنسان في مفترق الطرق، يخطط، ويبذل، ويكدّ، ويجتهد..
ثم يكتشف عند لحظة الامتحان أن الأسباب وحدها لا تنهض به، وأن القوة التي تسنده
ليست في عضده ولا في عقله، بل في مددٍ خفيٍّ يأتي من فوق سبع سماوات. وحين يعترف
المرء بضعفه، وتنكشف له حقيقة العبودية، يخرج من قلبه هذا الإعلان الخالد: ﴿وَمَا
تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ﴾ … إعلانٌ يهز القلب، ويضع الإنسان على الجادّة
الصحيحة في كل خطوة يخطوها.
معنى التوفيق الإلهي وحقيقته
التوفيق هو تسديد الله للعبد في أقواله وأفعاله،
وإعانته على الخير، وحفظه من الشر.
قال الجرجاني: التوفيق هو: جعل الله فعل عباده
موافقًا لما يحبه ويرضاه.([1])
وقال ابن القيم: أجمع العارفون بالله أن التوفيق هو ألا
يكلك الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك.([2])
فالتوفيق ليس مجرد نجاح، بل انسجام بين قلبٍ يطلب رضا
الله، وعملٍ يسير في طريقه، ونتائج يباركها الله سبحانه وتعالى.
علامات توفيق الله للعبد
1-انشراح الصدر للطاعة.
قال تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ
صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا
حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ
الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: 125]. فإذا رأيت قلبك يُقبل على الصلاة، وقراءة
القرآن، والذكر بلا كلفة ولا ثقل… فهذه من أعظم علامات التوفيق. فشرح الصدر نور من
الله لعبده المؤمن، حيث قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ
لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الزمر: 22].
2-تيسير الطاعات وفتح أبوابها.
الله ييسر الطاعات لمن كتب له التوفيق، حيث قال الله
عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ
اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69]. فإذا فتح الله لعبده باب الخير
فإن هذا من التوفيق الذي يستحق الشكر.
3-البُعد عن المعصية وصرف أسبابها.
من توفيق الله للعبد أن يصرفه عن المعصية، ويصرف عنه
أسبابها، فقد قال سبحانه وتعالى عن سيدنا يوسف عليه السلام: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ
عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف:
24]. وقال أيضا: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ
هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [يوسف: 34]. فإذا صرف الله عن عبده شيئا لم يسع لتركه
أو أغلق أمامه باب شر كان يسعى إليه؛ فإن هذا ليس من الصدفة، بل من تقدير الله
وتوفيقه.
4-المبادرة إلى الدعاء وإلهام الرشد.
قد يقع المسلم في الحيرة أو التردد، فيأتي التوفيق
الإلهي، في صورة التوجه إلى الله سبحانه وتعالى ورفع اليدين بالدعاء، كما في صلاة
الاستخارة وغيرها، ويزداد الشعور بالتوفيق حين يشعر العبد باستجابة الدعاء، وذلك
من خلال شرح الصدر وإلهام الرشد.
5-البركة في الوقت والعمل.
من علامات توفيق الله للعبد أن يبارك له في كل شيء، ينجح
القليل، ويثمر اليسير، ويكفي الجزء… فبركة الوقت والرزق والجهد علامة واضحة أن
يدًا خفية تُعينه وتمهّد له.
6-وجود الصحبة الصالحة.
إذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يوفق عبده هيأ له صحبة
صالحة تحيط به وتأخذ بيده إلى الخير، تذكره إذا نسي، وتعينه إذا ضعف.
7-المحبة للمسلم واجتماع القلوب عليه.
من توفيق الله للعبد أن يجعل له الود والحب في قلوب
عباده، فإن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ
لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: 96].
كيف نحصل على التوفيق الإلهي؟
1-الإيمان بالله.
التوفيق عطية ربانية لا تُنال بالقوة ولا الذكاء
وحدهما؛ بل بتوفيقه سبحانه وتعالى. قال عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ
هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد: 17].
2-التوكل على الله.
التوكل ليس تواكلًا ولا انسحابًا من الأخذ بالأسباب،
بل هو سبيل إلى استمطار التوفيق، حيث وعد الله عباده المتوكلين بالهداية: قال
تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ
بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ [الطلاق: 3].
3-الإكثار من الدعاء.
الدعاء هو باب التوفيق. وقد وعد الله من دعاه
بالاستجابة، حيث قال تعالى: ﴿وَقَالَ
رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].
4-طهارة القلب.
القلب الطاهر هو الذي تهيأ لقبول التوفيق الإلهي،
وتكون الطهارة بإخلاص النية، وحسن الظن بالله، ونقاء السريرة… وغيرها من الأسباب الجالبة
للتوفيق.
5-الاستقامة على الطريق.
الله سبحانه وتعالى يمد عباده الذين استقاموا على
طريقه بالخيرات، ويفتح لهم خزائن الأرض والسموات، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ
قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا
هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الأحقاف: 13]. وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا
وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾
[الأعراف: 96]. وقال أيضا: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ
لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: 16].
([2])
مدارج السالكين، (1/ 415).