هل تستطيع الأمة إنقاذ غزة من المجاعة وفك الحصار؟!

د. سليمان صالح

21 أغسطس 2025

416

استشراف المستقبل علم له نظرياته ومقارباته وأدواته، لكنه يحتاج إلى خيال الأحرار الذي يمكن أن يكتشف مصادر قوة الأمة، ويحفزها لتحقيق الأهداف، والقراءة المتعمقة للتاريخ توضح لنا أن الأمة تستطيع أن تغير الواقع وتحقق الانتصارات عندما تدرك أن إيمانها بالله أهم مصادر قوتها، وأنها تستطيع أن تفرض إرادتها.

ولأن دول الغرب تتوقع أن تنتفض الأمة يومًا، وتحقق انتصارات لا يتوقعها أحد، وتقدم للعالم مفاجآت خارج الحسابات المادية، استخدمت وسائل الإعلام لتزييف وعي الأمة، ولتقدم قراءة للواقع تقوم على المبالغة في تصوير قوة أمريكا و«إسرائيل» المادية، وضعف الأمة وعجزها عن مواجهة هذه القوة.

من أهم إنجازات المقاومة بغزة أنها أعادت للأمة ثقافة تغيير الواقع على أسس تحرير الإنسان من العبودية

الشعور بالعار يتحول إلى غضب!

والدول الغربية طورت قدراتها العلمية لقراءة الواقع واستشراف المستقبل، لكنها لم تتمكن من دراسة شخصية العربي وتراثه الثقافي، ومن أهم الحقائق التي يمكن أن تكشفها الدراسة أن العربي يرفض الذل، ويفضل الموت عندما يشعر بالعار، وهناك أمثال عربية تقوم على أن النار أفضل من العار.

لذلك، فإن المبالغة في إهانة كرامة العربي سيكون لها تأثير لا يتوقعه الغرب، فالغضب سينفجر قريباً، وملايين الأحرار سيخرجون بحجارتهم وبصدورهم العارية ليغيروا الواقع، وكل ذي لب وبصيرة يمكن أن يرى ذلك واضحاً، ونور الإيمان في قلوبنا أقوى في قدرته على الاكتشاف من كل مناهج دراسات المستقبل التي أصبح الذكاء الاصطناعي يقوم فيها بدور يتجاوز قدرات العقول البشرية.

من غزة تنتشر ثقافة المقاومة

من أهم إنجازات المقاومة في غزة أنها أعادت للأمة بريق ثقافة تغيير الواقع، وبناء المستقبل على أسس تحرير الإنسان من العبودية للشهوات والغرائز واحتياجات الجسد، لذلك صمد المؤمنون في غزة في مواجهة الجوع والحرمان والمعاناة والأحزان وآلام فقْد الأحباب، وأثبتوا للعالم أنه لا يستطيع أحد أن يقهر إرادة إنسان حر قرر أن يحرر أرضه، ويتمسك بالحياة عليها، وهؤلاء فازوا بالمجد والعزة والكرامة، وقدموا للإنسانية كلها نموذجاً للمقاومة سيكون له تأثيره على كل حركات المقاومة في المستقبل، وستدرك دول الغرب قريباً أن الشعوب ستقلد المقاومة في غزة وتفرض إرادتها، وترفض الاستعمار القديم والجديد.

هناك شعور عارم بالغضب والسخط على «إسرائيل» وكل الدول التي تؤيدها الذي سيتحول قريباً إلى فعل مقاوم

هل ينتفض العرب ضد تجويع غزة؟

أنا كأستاذ للرأي العام أتابع ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة التعليقات، وأستطيع أن أقدم لكم حقيقة علمية ستثبت لكم الأيام صحتها ومصداقيتها، هي أن هناك شعوراً عاماً بالغضب والسخط على «إسرائيل» وعلى كل الدول التي تؤيدها، وأن ذلك الغضب سيتحول قريباً إلى فعل مقاوم رغم الخوف والقهر.

والأخطر من ذلك أن هناك شعوراً بالعار، فمشهد أطفال غزة الذين يموتون جوعاً، وقيام جيش الاحتلال «الإسرائيلي» بخداع الناس لقصف الذاهبين لتلقي المساعدات يجعل العرب جميعاً يشعرون بالعار والهوان والذلة، والعجز عن إدخال المساعدات إلا بموافقة دولة الاحتلال «الإسرائيلي» سيكون له تأثيره على تشكيل المستقبل.

عالم ضد تجويع غزة

الكثير من أحرار العالم أثار المشهد رفضهم للجريمة ضد الإنسانية والحضارة التي ترتكبها دولة الاحتلال «الإسرائيلي»؛ فاستخدام التجويع كسلاح لقهر الإنسان جريمة وعار على الإنسانية كلها، وهذه الجريمة نتجت عن غرور القوة «الإسرائيلي» والعجز العربي.

ظلم غزة سيدمر الحضارة وليس من حق أحد أن يتحدث عن الإنسانية وهو يقف صامتاً بينما أهل غزة يموتون جوعاً

وكل من يشارك في حصار غزة شريك في جريمة تجويع أهلها، وهو يرتضي ضمناً استخدام التجويع كسلاح لكسر إرادة الشعوب، والأمم المتحدة تتحمل المسؤولية عن هذه الجريمة، وكل دولة تتحمل العار والإثم حتى بالصمت والتواطؤ.

لذلك، فإنني أدعو كل الصحفيين الأحرار في العالم لتوعية الشعوب بهذه الجريمة وتأثيرها على العالم، وأن الظلم الذي يتعرض له أهل غزة سيدمر العمران والحضارة، وليس من حق أحد أن يتحدث عن الإنسانية والأخلاق والقانون الدولي وهو يقف صامتاً بينما أهل غزة يموتون جوعاً، ويدفنون أطفالهم الذين ماتوا أمام أعينهم جوعاً بينما هم يموتون قهراً وكمداً، وكما سيموت الملايين من العرب خزياً وعاراً إن لم ينتفضوا ويغيروا الواقع.

هل تستطيع الأمة؟!

إن عملية التضليل الإعلامي التي تعرضت لها الأمة طويلاً دفعت الكثيرين في أمتنا إلى التركيز على الواقع، والحرص على الاستقرار والخوف من القوة الغاشمة، لذلك تحتاج الأمة إلى جيل من الإعلاميين الشجعان لكي يعيدوا لها الوعي بأنها أمة قوية تستطيع أن تغير هذا الواقع الكئيب.

وأول خطوة يمكن أن تقوم بها الشعوب لتغيير واقعها كسر الحصار عن غزة، والشعوب تستطيع أن تفرض إرادتها عندما تصرخ وترفض وتفعل وتتقدم، ولا يستطيع أحد أن يمنع صوتها من الوصول للعالم كله، وتلك قضية عادلة، فنحن ندافع عن الحضارة برفض استخدام التجويع كسلاح لكسر إرادة الشعوب.

العالم سيتعرض قريباً لعملية تغيير والظلم سيدفع الشعوب للتحدي والمقاومة وسيكون النموذج الفلسطيني ملهماً

الأمة تستطيع أن تفعل، وسوف يشاركها كل أحرار العالم في رفض الجريمة، والموت بعزة في ساحة المقاومة خير من الموت عاراً وذلاً وخنوعاً وخضوعاً؛ فإذا صرخت الأمة في الفضاء العالمي فسوف يسمع صوتها الأحرار، والميادين تشتاق لأصوات المؤمنين، ووسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تحمل صورة المشهد الجديد إلى كل الأحرار، وسيصرخ الجميع معنا: لا للحصار والتجويع والظلم والإبادة الجماعية والاحتلال.

حصار «إسرائيل» مشروع للمستقبل

أنا أرى أن الأمة تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك عندما تفرض على النظم العربية رفض التطبيع، وإغلاق سفارات دولة الاحتلال وعدم التعامل التجاري والسياسي معها، ويجب أن تخضع النظم لإرادة شعوبها؛ فذلك خير لها من أن تواجه يوماً طوفان الغضب الذي يمكن أن ينتشر عبر العالم، وهذا هو صوت الحكمة، فلا استقرار مع الشعور بالعار؛ وأي عار أشد قسوة من أن تشهد أطفال غزة يموتون جوعاً!

وأصارحكم القول: إنني أرى أضواء المستقبل، وأن العالم كله سيتعرض قريباً لعملية تغيير واسعة، وأن الظلم سيدفع الشعوب للتحدي والمقاومة، وسيكون النموذج الفلسطيني في غزة ملهماً للشعوب التي ستعاقب -عندما تنتصر قريباً إن شاء الله- كل من شارك في حصار غزة وتجويع أهلها، وسيشعر كل من صمت ونافق بالعار والخزي، ولن يتمكن من أن ينظر في وجوه أطفاله، فالعار أطول من العمر!

إن أمتنا تستطيع أن تغير واقعها، وأن تنتفض ضد الظلم وتكسر الحصار على غزة وتوقف العدوان «الإسرائيلي» بأن تنتفض وترفض وتغضب وتصرخ في ميادين الحرية: لا للظلم والعدوان.. لا للحصار والتجويع، وستصل صرخة الجماهير إلى العالم فتغيره. 


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة