مبادرات كسر الحصار عن غزة.. ضمائر حية خذلتها السياسة!

السنوسي محمد

21 أغسطس 2025

147

وسط حالة الصمت المخزي والتواطؤ القاتل التي يستحق أن يوصف بها عالمنا العربي والدولي، إزاء موقفه غير الإنساني من جرائم الاحتلال الصهيوني وعدوانه على غزة الأبية؛ فإن ثمة بارقة أمل تنبئ أن عالمنا ما زالت به ضمائر حية وإن خذلتها السياسة عن تحقيق رسالتها الإنسانية.

وأما هذه الضمائر الحية فتتمثل في مبادرات كسر الحصار عن غزة، التي لا تتوقف عن إطلاق القافلة بعد القافلة، وتسيير السفينة بعد السفينة، أملاً في كسر الحصار المفروض على غزة من الاحتلال الصهيوني منذ العام 2007م، واشتد سيطرةً وإحكامًا منذ العام 2023م.

كما تهدف هذه المبادرات إلى حشد الدعم الشعبي والتركيز إعلاميًّا على جرائم الاحتلال الصهيوني التي وصفها كثيرون بأنها «إبادة جماعية» بحق الشعب الفلسطيني، وخلّفت أكثر من 60 ألف شهيد و150 ألف جريح، إضافة إلى آلاف المفقودين، فضلاً عن تدمير البيوت والمستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء وتجريف البنية التحتية بالقطاع.

تاريخ من التضامن

والتضامن مع قطاع غزة له تاريخ يزيد على 17 عامًا، منذ أن فرض الاحتلال الصهيوني حصارًا ظالمًا على القطاع لمعاقبة أبنائه على اختيارهم الحر لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في انتخابات المجلس الشريعي عام 2006م؛ فجاء الحصار لإفشال الحكومة ومعاقبة الشعب.

وردًّا على الحصار الصهيوني المطبق على القطاع، دعت الهيئة التركية للإغاثة عام 2010م إلى تنظيم مبادرة «أسطول الحرية» وتشكيل ائتلاف مكون من 6 هيئات دولية غير حكومية، منها حركة غزة الحرة والحملة الأوروبية لإنهاء الحصار «الإسرائيلي» على قطاع غزة.

ومنذ تأسيسه، أطلق «أسطول الحرية» 6 مبادرات وحملات تضامنية، أبرزها مشاركة السفينة «مافي مرمرة» التي أُطلقت عام 2010م، واستطاعت أن تحشد رأيًا عامًّا مساندًا وداعمًا لغزة، ونجحت في أن تواصل الإبحار حتى بُعد 72 ميلاً من شواطئ غزة، ثم اعترضها الاحتلال وأطلق عليها النار وقتل 10 نشطاء أتراك كانوا على متنها.

ولم تتوقف محاولات كسر الحصار، الذي اشتد بعد العام 2023م، في محاولة من الكيان الصهيوني لمعاقبة الشعب الفلسطيني بعد الإنجاز البطولي لمقاومته في «طوفان الأقصى».

وفي 2 مايو 2025م، تعرضت سفينة «الضمير»، التابعة لتحالف «أسطول الحرية»، لهجوم بطائرتين مسيرتين أثناء إبحارها في المياه الدولية على بُعد حوالي 14 إلى 17 ميلًا بحريًّا من سواحل مالطا.

وفي الأول من يونيو 2025م، أطلق تحالف «أسطول الحرية» من مدينة كاتانيا في صقلية، بقيادة السفينة «مادلين»- السفينة رقم (36) في إطار محاولات التحالف لكسر الحصار، حاملة مساعدات إنسانية تشمل: حليب الأطفال، والطحين، والحفاضات، والأطراف الاصطناعية للأطفال، وكان على متن السفينة ناشطة المناخ السويدية غريتا ثونبرغ، وعضوة البرلمان الأوروبي الفرنسية ريما حسن.

وفي صباح 9 يونيو، تعرضت السفينة «مادلين» للقرصنة والاختطاف، في المياه الدولية، من قِبل القوات «الإسرائيلية» التي صعدت عليها بعد نشر مُسيرات وتشويش الاتصالات.

ثم جاءت محاولة أخرى من تحالف «أسطول الحرية»، في 13 يوليو 2025م، حيث انطلقت السفينة «حنظلة» من إيطاليا نحو غزة، متجاوزة النقاط التي وصلت إليها سفن سابقة مثل «مرمرة» و«مادلين»، وحملت على متنها نشطاء ومساعدات رمزية، قبل أن يتم اعتراضها من قبل البحرية «الإسرائيلية».

الاستعداد لأكبر أسطول

وتستعد عشرات السفن المحمّلة بالمساعدات الإنسانية للإبحار من موانئ عدة على البحر الأبيض المتوسط أواخر أغسطس الجاري، في أكبر محاولة لكسر الحصار البحري «الإسرائيلي» المفروض على غزة؛ وذلك بمشاركة نشطاء وفنانين وشخصيات عامة من 44 دولة.

وبحسب وكالات، أوضح منسق الوفد التركي في الأسطول حسين دورماز أن هذه المبادرة توحد تحت مظلتها عددًا من التحالفات الدولية مثل «أسطول الحرية» و«قافلة الصمود»، مؤكدًا أن ما يحدث في غزة لم يعد يُطاق، والبشرية مطالَبة اليوم بحشد جهودها لكسر هذا الحصار.

ويؤكد المنظمون أن الأسطول الحالي، الأكبر من نوعه، سيواصل إبحاره رغم الضغوط «الإسرائيلية» ومحاولات التشويه التي تصف المشاركين بالتطرف أو الإرهاب، مشددين على أن تحركهم مدني وسلمي بالكامل، وأن هدفه إيصال الغذاء والدواء لمن يحتاجه، وكسر الحصار الذي يخنق أكثر من مليوني إنسان في غزة.

ومن بين المشاركين في الأسطول الناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ، والممثلة الأمريكية سوزان ساراندون.

وقالت الناشطة السويدية ثونبرغ، عبر حسابها على «إنستغرام»: إن «أسطول الصمود العالمي» سينطلق في 31 أغسطس من إسبانيا، على أن تنضم إليه سفن أخرى في 4 سبتمبر من تونس وموانئ متوسطية أخرى، مؤكدة أن الحملة تهدف إلى كسر الحصار «الإسرائيلي» غير القانوني، وإيصال مساعدات عاجلة لسكان غزة المحاصرين.

ضمائر حية

إن سلسلة مبادرات كسر الحصار الظالم عن غزة الأبية، التي ذكرنا أهمها بإيجاز، تتضمن العديد من الإشارات التي ينبغي رصدها والتوقف أمامها؛ وأهم هذه الإشارات أن عالمنا بكل ما فيه من اختلال موازين العدالة وغياب المعايير الإنسانية، لن يخلو من أصحاب ضمائر حية يتعاطفون مع قضايانا العادلة، ويسوؤهم هذا الوجه القبيح التي تكشف عنه ممارسات الكيان الصهيوني ومَن يقدمون له الدعم السياسي والمالي والعسكري، ومِن ثم، ينبغي العمل على مد الجسور مع أصحاب هذه الضمائر الحية، وزيادة رقعة المتعاطفين مع قضايانا في مختلف الدول.

والكيان الصهيوني وحتى بما لديه من دعم وإسناد، لن يستطيع أن يخفي جرائمه، ولا أن يجمّل صورته المهترئة، ولا أن يخدع الشعوب طوال الوقت؛ ولهذا وصفت حركة «حماس» اعتراض السفينة التضامنية «مادلين» بـ«جريمة القرصنة» التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني في المياه الدولية، واعتبرت الحركة أن «مادلين» ومعها قوافل الصمود البرية القادمة من الجزائر وتونس والأردن وغيرها تشكل شهادة حيّة على فشل آلة الدعاية الصهيونية، وعلى امتداد التضامن الشعبي والإنساني مع غزة المحاصرة.

بجانب ذلك، فإن من الإشارات المهمة أيضًا التي ينبغي رصدها، أن هذه المبادرات الإنسانية لكسر الحصار عن غزة لم تلق الاستجابة المأمولة من المستويات السياسية؛ عربيًّا ودوليًّا، ولم تحظ بالدعم اللازم حين تعرضت للانتهاكات والقرصنة الصهيونية، ولعل ذلك، للأسف، يأتي متسقًا مع مواقف هذه المستويات السياسية من قضية حصار غزة!

ولذا، فإن هذه المبادرات الإنسانية لكسر الحصار عن غزة، تعطي من الأمل بقدر ما تكشف عنه من قبح الكيان الصهيوني وفداحة جرائمه، ومن خذلان السياسة واختلال معاييرها!


اقرأ أيضاً:

خطوات عملية لدعم ونصرة غزة

الأمة ودعم غزة.. أدوار عاجلة وواجبات فاعلة

غزة الأبيّة.. ودروس من السيرة النبوية


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة