مؤشرات الهيمنة الأمريكية على «إسرائيل»

هناك قلق كبير في دولة الاحتلال «الإسرائيلي» من الدور المتزايد الذي يتدخل في تفاصيل التفاصيل لسياستها وسلوكها في قطاع غزة وغير قطاع غزة، وصحيح أن دولة الاحتلال لا تزال تحتل أجزاء كبيرة من القطاع، إلا أن خطواتها لا تتم إلا بالتنسيق مع الولايات المتحدة، أو بالأحرى بالتنسيق مع مركز التنسيق المدني العسكري الأمريكي داخل دولة الاحتلال وفي منطقة كريات غات.

مركز التنسيق المدني العسكري الأمريكي

وباختصار، مركز التنسيق المدني العسكري (CMCC) هيئة متعددة الجنسيات بقيادة أمريكية تم إنشاؤها مؤخراً، في 10 أكتوبر 2025م، وتهدف لتنسيق جهود وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه مؤخراً وهو يراقب أيضاً عملية دخول المساعدات الإنسانية ويقوده الأدميرال الأمريكي براد كوبر، ويقود الشق المدني فيه ستيفن فاجين، ولدى المركز 6 مجموعات عمل تتعلق بالأمن والاستخبارات والشؤون الإنسانية والهندسة والبنية الأساسية وإعدادات القوة متعددة الجنسيات والإدارة المدنية.

وللتأكيد على أهمية مركز التنسيق المدني العسكري، تم افتتاح المركز من قبل نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، في 21 أكتوبر 2025م، كما زاره وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في 24 أكتوبر 2025م؛ أي بعد 3 أيام من افتتاح نائب الرئيس الأمريكي له، وفي 30 أكتوبر زار المركز رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية دان كين، وقام كين بجولة جوية عبر طائرة هيلوكوبتر فوق قطاع غزة، وفي 30 أكتوبر 2025م، تم الإعلان أن ممثلين عن 14 دولة، و20 منظمة دولية باتوا حاضرين في المركز وأعماله.

ومن المتوقع أن تضاف إلى المركز الذي يتواجد فيه 200 عسكري أمريكي قاعدة ضخمة على حدود قطاع غزة، ولما سبق نظرت أطراف عدة في دولة الاحتلال إلى المركز على أنه ذراع متقدم للتدخل الأمريكي غير المسبوق منذ عام 1948م.

العودة إلى الحرب في غزة

تحاول حكومة دولة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو أن تؤكد لجمهورها أنها قادرة على العودة إلى القتال في قطاع غزة في أي لحظة، وبالفعل قامت في 3 محطات على الأقل بعمليات قصف كبيرة اغتالت فيها عدداً من المقاومين، وقتلت عدداً كبيراً من المدنيين، ولكن من الواضح أنها لم تستطع القيام بهذه المحطات إلا بإذن أمريكي وبتنسيق مع المركز المدني العسكري في كريات غات، وربما استخدمت في كل مرة حججاً وذرائع وادعاءات من قبيل الدفاع عن النفس، أو الرد على انتهاكات وقف إطلاق النار، ولكن من الواضح أن هذا الأمر لن يستمر بذات الوتيرة، والأخطر على «إسرائيل» من وجهة نظر بعض المحللين فيها أن حريتها العملياتية على الأرض تم تقييدها، وأن هناك واقعاً جديداً يقيد حركة الحركة العسكرية للجيش «الإسرائيلي» في قطاع غزة.

كما أن فكرة القدرة على العودة إلى الحرب في غزة مرة أخرى أصبحت أكثر صعوبة في ظل هذا التدخل الأمريكي وخاصة بعد عملية الاغتيال الفاشلة لقيادة حركة «حماس» ووفدها التفاوضي في العاصمة القطرية الدوحة، حيث أثار هذا الهجوم الفاشل الكثير من الشكوك الأمريكية حول تداعيات التصرفات «الإسرائيلية» غير المنضبطة التي يمكن أن تخل بالتوازنات التي رتبتها الولايات المتحدة في المنطقة، ويعتقد أيضاً أن فشل هذا الهجوم كان دافعاً مهماً في ضغط ترمب على نتنياهو من أجل إيقاف الحرب.

وأشار أكثر من كاتب «إسرائيلي» إلى أن الولايات المتحدة تنتزع من الحكومة والجيش «الإسرائيليين» الكثير من مجالات العمل المتعددة بشكل تدريجي، ولعل مركز التنسيق المدني العسكري هو أحد تمظهرات هذ الانتزاع.

خلاف التصورات بشأن أزمة المقاتلين في رفح

مؤخراً، برزت قضية وجود عشرات من المقاومين التابعين لحركة «حماس» عالقين في أحد الأنفاق في مدينة رفح، وعدم قدرة جيش الاحتلال «الإسرائيلي» على التعرف على أماكن وجودهم ولا القضاء عليهم، بالرغم من وجودهم في منطقة تخضع لسيطرة كاملة من قوات الاحتلال «الإسرائيلي» منذ مايو 2024م.

وعند توقيع وقف إطلاق النار، أعلنت «حماس» أنها تريد عودة آمنة لهؤلاء المقاتلين، خشية حصول احتكاك يقوض وقف إطلاق النار، وقد تعاملت حكومة الاحتلال مع هذا المطلب بتعنت، وأعلنت أنها تريد دفن وقتل هؤلاء المقاتلين تارة، وتارة ثانية تريد تسليم سلاحهم، وأخرى أعلنت أنها تريد نفيهم.

إن موضع النقاش هنا ليس الخلاف بين حركة «حماس» وحكومة الاحتلال «الإسرائيلي» حول عودة المقاتلين أو تسليم سلاحهم، بل الموضوع هو الخلاف بين التصور الأمريكي لحل هذه الأزمة والتصور «الإسرائيلي»، فمن الواضح أن هناك فجوة بين التصورين، ويبدو التصور الأمريكي أقرب لموقف حركة «حماس»، حيث تتضمن التصورات «الإسرائيلية» إمكانية تفجير وقف إطلاق النار، فيما لا ترغب الإدارة الأمريكية في إحداث أي زعزعة لوقف إطلاق النار وتريد المحافظة على استمراره.

من زاوية أخرى، وبالنظر إلى مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن بخصوص مجلس السلام والقوات الدولية في قطاع غزة، وبالرغم من وجود رفض فلسطيني لأي وصاية خارجية ولتدخل القوات الدولية في بيئة القطاع الأمنية، فإن دولة الاحتلال تنظر بعين القلق والريبة إلى نشر قوات أجنبية في غزة.

وفيما يتعلق بملف تسليم سلاح المقاومة الفلسطينية، تبدو التصورات الأمريكية و«الإسرائيلية» مرة أخرى غير متطابقة، لا تطالب الإدارة الأمريكية حركة «حماس» بتسليم سلاحها بالكامل، وربما تتقبل الولايات المتحدة صيغاً أكثر مرونة، مثل إخفاء السلاح أو إنهاء بعض الأسلحة الهجومية.

تحاول «إسرائيل» حالياً التعويض عن التقييد الأمريكي ليدها في غزة بإطلاق يد جيشها في لبنان وسورية؛ وبالتالي قد تكون هذه إشارة على عدم الرغبة في المواجهة مع تصورات ترمب، وفي الوقت نفسه استغلال الفرص لإضعاف خصومها في أماكن أخرى.

في هذه اللحظة، تبدو المقاومة الفلسطينية مركزة على أولوية أساسية، وهي منع عودة الحرب مرة أخرى، وبالتالي يبدو هذا الهدف متقاطعاً في نقطة ما مع أهداف ترمب، وبالتالي يجعل هذا الأمر فكرة توسع الخلاف بين التصورات الأمريكية و«الإسرائيلية» أكثر احتمالاً، خاصة أن اليمين الصهيوني يسعى باستمرار لعودة الحرب على غزة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة