لهذا ستتوقف فوراً عن عقاب ابنك بالضرب
هل سمع أحد من
قبل بكدمات لا تُرى؟ ربما لم يحدث، لكن بالتأكيد رأينا طفلاً ينزوي في ركن من
الفصل ولا يشارك أصحابه اللعب، ورأينا كم كررت المعلمة صياحها بوجه آخر فلم يحرك
ساكنًا، وكيف لجأ ثالثهم للعراك والاشتباك باليد لأتفه الأسباب، هذه المظاهر تخبر
عن كدمات كثيرة تنطبع داخل أبنائنا قبل أجسادهم، حين يتعرضون للعنف والإيذاء داخل
البيت وفي المدرسة.
لا يحتاج الأمر
لتدليل بالأرقام؛ فمظاهر العنف تلف عالمنا وتنتهك الأطفال وخاصة في البيئات
المهمشة والمأزومة بالحروب والفقر.
لنطالع أحدث
تقرير عن منظمة الصحة العالمية، في أغسطس الماضي، ويظهر أن الأطفال حتى 18 عامًا
يتعرضون لعنف بدني يشمل إيذاء مناطق متفرقة من الجسد كالرأس والوجه، وبنحو 1.2
بليون طفل حول العالم.
بناء على تلك
الأرقام، تحذّر أيتين كراج، مدير إدارة التوعية الصحية بالمنظمة، من ظاهرة العنف
ضد الأطفال وكونها لا تخلق أبداً سلوكاً يدعم صحتهم ونموهم النفسي والبدني، بل على
العكس، فإن معدل تراجعهم عن نظرائهم يصل لنحو 24%.
يحدث العنف عادة
داخل أسر مهشمة، يسودها النزاع بين الأبوين أو الانفصال، وداخل الأسر كبيرة الحجم
والمسؤوليات، وخاصة تلك التي تعاني تدني مستويات الدخل وزيادة الاعتماد على
الأطفال أو النظر لهم كعبء، أحيانا ينشأ العنف عن أبوين تعرض أحدهما للعنف في
صغره؛ فدائرة العنف سلف ودين في كثير من الأحيان؛ فيتحول الضحية إما إلى ضحية
أبدية أو جانٍ محترف.
نقمة الضرب الشائعة
فيما يخص عالمنا
العربي، تحذر منظمة الطفولة العربية في العدد (28) من مجلة «خطوة» من شيوع ثقافة
التربية بالعقاب البدني، بمعنى أن كثيراً من الأسر ترى أن الضرب أسلوب فعّال
لتقويم أولادهم.
وبخصوص البنات،
يزداد الأمر خطورة مع ثقافة «اكسر لها ضلع ينبت ضلعين»؛ وهو ما يبرر دائمًا
استخدام القسوة بحق الفتيات، أو «العصا لمن عصا».
يجري ذلك مع
غياب برامج توعية إرشادية أسرية تعلم الآباء كيف يتحكمون في مشاعرهم ويقودون
أبناءهم للسلوك المطلوب بأساليب إيجابية لا تعمق الفجوة بين الأب وابنه، وتكسب
الابن روح المسؤولية والانضباط الأخلاقي الذاتي بدلاً من الخوف فقط من العقاب.
ويحذر استشاري
الطب الشرعي الأردني هاني جهشان من العقاب البدني الذي يحول الطفل لممارسة نفس
الأفعال الخاطئة سرًا، وسيتولد لديه سلوك العصيان وعدم التواصل الحضاري مع الآخرين
وتدني مستوى احترامه لذاته، وللأسف فإن معظم الآباء حين يشاهدون الطفل يتوقف عن
الخطأ نتيجة الضرب يزيدون من اتجاههم للتعنيف البدني كاستجابة شرطية قياسية مع كل
خطأ قادم!
هنا يتعلم الابن
أنه من المقبول أن يستخدم القوي قوته ضد الضعيف، وأنه من الطبيعي أن تحل المشكلات
الأسرية بواسطة العنف، ويؤدي ذلك إلى تولد سلوك تعامل عنفي بين الطفل وأشقائه
وزملائه في المدرسة، ومع زوجته مستقبلاً ثم مع أطفاله.
الضغوط السامة
يصاب الأطفال
الذين تعرضوا للعنف في بيوتهم بتراجع حقيقي في بنية عقولهم وسلوكهم واستجابتهم
العصبية والسلوكية والمناعية، مقارنة بأقرانهم، بحسب د. جاك شنكوف، مؤسس علم «الضغوط
السامة» بإدارة الطفولة التابعة لجامعة هارفارد، يضاف لما سبق، وفق المصدر نفسه،
أنك لا يمكن أن تتوقع التفوق في التحصيل الدراسي أو الرياضي أو المجتمعي من طفل
يتعرض للتعنيف المنتظم، بل هناك دلائل حقيقية على علاقة جرائم المراهقين والبالغين
بدرجات العنف التي صاحبت طفولتهم.
يؤكد د. شنكوف
أن الدماغ البشري يتشكل بشكل كبير في السنوات الأولى، وأن الدعم العاطفي والبيئة
الآمنة يعززان مرونته ونموه، وفي حالة غياب هذا الدعم والاحتواء يحدث إحباط
وانحراف في السلوك مع أخطار صحية تبدأ بارتفاع ضغط الدم ومستويات الكورتيزون وتصل
لأمراض خطرة ناتجة عن الضغوط السامة في سنوات التنشئة.
كيف نقول: لا؟
في كتاب معزز
بالتجارب الواقعية تحت عنوان «الأطفال لا يفهمون كلمة لا»، تشرح د. سارة النجار
عدداً من القواعد الذهبية لإدارة مشاعرنا وغضبنا وتوجيه الطفل لسلوك أفضل دائمًا، لقد
اختارت أن تدرس جيداً كيف تدير مشاعرها بعد سنوات من العصبية والصدام مع أبنائها التي
كانت تتبعها مشاعر جلد للذات كأُم تريد علاقة سوية مع أبنائها وحسن ضيافتهم حتى
يشبوا مسؤولين عن ذواتهم.
من بين أهم
القواعد التي تنصحنا بها النجار هي أن نترك لأنفسنا وقتاً ولو قليلاً للتفكير قبل
اتخاذ أي قرار عقابي ناجم عن سلوك خاطئ للأبناء أو خرق لقواعد البيت؛ كأن يكسر
لعبة أو ينسى دفتر مدرسته أو يلقي بملابسه وأطباقه بلا اكتراث، ووصولاً للمشكلات
الأكثر تعقيداً للمراهقين والمرتبطة بتعلم سلوكيات خاطئة من أقرانهم أو وسائل
التواصل.
فكّر جيدًا
لماذا تريد معاقبة ابنك؟ بالتأكيد ستكون إجابتك كي يعدّل سلوكه للأفضل! حسنًا، هذه
هي البداية، فلا توبّخ شخصه، وتكيل له الاتهامات، فتصبح في عينه شيطاناً يكرهه،
وركز انتقادك على السلوك ذاته وخطئه، مع مشاركته في الأسباب التي تجعله مضرًا
وخاطئاً ليشعر أن هناك منطقية فيما يجري، ثم لنبدأ تعديل السلوك عبر دفعه لتحمل
عواقب أفعاله، مثل ادخار من المصروف لشراء شيء كسره عمداً، أو حتى حرمان من شيء
يحبه أو ينتظره لبعض الوقت.
هذا الثمن الذي
سيدفعه ابنك كتبعة لفعلته لا بد ألا يكون مبالغاً فيه مقارنة بمرحلته العمرية
وإمكاناته، ولا بد ألا يكون مدفوعاً من علاقتك أنت به، بمعنى أنك لست مضطراً
لإهانته وهو يدفع هذا الثمن، تعاطف معه واجعل رسالة الحب والحزم تسيران جنباً إلى
جنب، مع توفير حاجته في الشعور بالأهمية والطمأنينة والثقة والانتماء داخل الأسرة
ومهما أخطأ؛ لأن ذلك ينمي داخله الشعور بالمسؤولية تلقائياً ويقلل من فرص الأخطاء.
لست مضطراً كذلك
لعقاب ابنك كلما أخطأ، فهناك بدائل أخرى كاختيار مكافأة مرضية لمن يعدل سلوكه،
ووضع بدائل أمامه ليختار منها ما يريد فعله، ومشاركته في التفكير (كأن تسأله ماذا
سنفعل وقد تأخرت في نومك للمدرسة؟)، أو أسلوب عزله لبعض الوقت في السن الصغيرة
(عند عراك الأخوين مثلاً).
أحياناً نحتاج
لغض الطرف عن بعض الأخطاء البسيطة التي سيعرف حين يرتكبها بنفسه عواقب أفعاله،
تماماً كما نرفض ارتداء سترة شتوية فنصاب بالبرد!
دورك كمربٍّ تهيئة
بيئة أسرية داعمة لا تحد من انطلاقه، ولا تبالغ في العقوبات، ولكن تضع نظاماً سهلاً
في اتباعه يقلل من نسبة السلوكيات السلبية والفوضى واللامبالاة ويعزز السلوك
الإيجابي.
دورك هو تحفيز «نعم»
وقول: «لا» بغير صراخ وبهدوء وبدون لغة جسد متحفزة، وكلما كنت قدوة سيسهل على
الابن اتباع خطواتك، أما إذا شعرت بعقلك البدائي يدفعك في نوبة غضب لأسهل الحلول
وهي الضرب، فاستعذ كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم عند الغضب، وابتعد سريعاً
عن المكان حتى تعود إليك سكينتك وينتهي الإغلاق وتتذكر أولوية علاقتك بابنك ونموه
النفسي السليم.
يقوم مثلث
التربية على الطمأنينة والقبول والتغيير التدريجي، فتقول الخبيرة التربوية سارة
النجار: عليك أن تزرع البذرة وترويها بمياه الحب والقبول وتعريضها لتقلبات الحياة
ليشتد ساعدها، ولحرارة التجربة لتختبر صلابة قيمها.
اقرأ
أيضاً: