لماذا لا تكون المرأة نبياً أو رسولاً؟!

في القراءات
النسوية الحديثة، خصوصًا «النسوية الإسلامية» المتسترة بالإسلام وتفسّر النصوص
الدينية تفسيرًا سياسيًّا وتاريخيًّا وعقلانيًّا لإبطال الأحكام الشرعية الثابتة، يُطرح
هذا السؤال الجدلي: لماذا لا تكون المرأة نبيًّا أو رسولًا؟ يُردْنَ النفاذ من
خلاله إلى فتح باب التأويل حول «الأحكام الشرعية القطعية» باعتبارها «اجتهادات
ذكورية» متأثرة بالسياق التاريخي والثقافي لفقهاء المسلمين.
تدعو «النسويات»
إلى ما يسمينه «التأويل المقاصدي»، الذي يراعي العدالة والمساواة، بدل الاقتصار
على الفهم الحرفي للنصوص وإرسال أحكام مطلقة –على حدّ زعمهن- تكرّس سلطة الرجل
وتقيّد حرية المرأة، ويقترحن «قراءة نسوية للقرآن» تعيد إبراز أصوات النساء
وتجاربهن، ضمن النسق العام الذي يؤكد التكريم الإلهي للإنسان، رجلًا كان أو
امرأة!
المقاربات النسوية
جمهور المفسرين
والفقهاء على أن النبوة والرسالة خاصة بالرجال، فلم يبعث الله نبيًّا أو رسولًا من
النساء، ونصوص القرآن الكريم حاسمة في هذا الأمر؛ (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي
إِلَيْهِم) (الأنبياء: 7)، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) (يوسف:
109)، (وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) (النحل: 43)،
إلا أن «النسويات المسلمات» -وعلى رأسهن أمينة ودود، وفاطمة المرنيسي، وأخريات-
يتناولن هذه المسألة بالنقد، ويطرحن مقاربات وحججًا مستندة إلى روح انقلابية
تفكيكية متأصلة لدى هذه الطائفة من النساء، فيبنين رؤيتهن على ما يلي:
- الادّعاء
–إنكارًا للآيات المحكمات- بأن القرآن لا ينص صراحةً على أن الرسالة محصورة في
الذكور، وأن لفظ «الرجال» لا يعني الذكور وحدهم، وإنما يُستعمل للدلالة على البشر
أجمعين؛ ما يفتح المجال لوجود نبوة نسائية.
- نقد المرويات
والتفسيرات التي تحصر النبوة والرسالة في الذكور، والقول بأن هذا الحصر نتاج
المجتمع (الأبوي العربي)، الذي أعاد صياغة النصوص بما يخدم سلطة الرجل ويقصي
المرأة من مواقع الشرعية الدينية والسياسية، وهذا الحصر –في رؤيتهنّ- ليس قدرًا
أبديًّا بقدر ما هو انعكاس لظروف اجتماعية تاريخية، وبالتالي يمكن إعادة التفكير
فيه كرمزية.
- يؤكدن أن
القرآن ذكر نسوة صالحات (مثل: مريم، وآسية، وأم موسى، وملكة سبأ)، ومدحهن بصفات
الوحي والإلهام، وذهبن إلى وجود نسوة نبيّات استنادًا إلى رأي بعض العلماء (أبو
الحسن الأشعري، والقرطبي، وغيرهما)، بدليل ما جاء من آيات فيها بيان الوحي لأم
موسى، وخطاب الملائكة لمريم.. إلخ.
- ويستدللن
بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا
مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون..» (رواه البخاري)، على بلوغ النساء مقام
الكمال الروحي المكافئ للنبوة.
- والنبوة
عندهنّ لا تُختزل في «البيولوجيا»، بل في القدرة على تجسيد القيم الإلهية،
كالعدالة والمساواة والرحمة والحرية، وهذا يعني أن أي إنسان، رجلًا أو امرأة، قادر
على حمل رسالة قيمية، يعتبر مشاركًا في البُعد النبوي.
تفكيك الرؤية النسوية
اختلف أهل العلم
في التفرقة بين النبي والرسول، فذهب بعضهم إلى أن الرسول أُمر بتبليغ شرع الله إلى
المكذبين، كنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، والنبي أُمر بالبلاغ إلى المقتنعين، كمثل
آدم الذي كان يعلّم ذريته الشرع وتكاليف الإيمان، وقال آخرون: إن الرسول يحمل معه
شرعًا جديدًا، وأما النبي فيقوم بتجديد شرع من سبقه، إلا أن العلماء على اتفاق بأن
الله تعالى جاعلُ الرسالةَ والنبوةَ جميعًا في ذكور الإنس حصرًا؛ (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ
رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم)، ولم يجعلها في نسائهم، ولا في الملائكة أو
الجن؛ (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ
يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (الأنعام: 124)، والحكمة من كون الرسل رجالًا:
- تتطلب الرسالة
جهدًا ومشقة بالغين، وقدرات نفسية وسلوكية لا تتوفر إلا للرجال، من القوة والشدة
والشجاعة، ومهارة إعداد وقيادة الجيوش، واحتمال الأذى والمكاره، والمحن والنكبات،
والقدرة على الإقدام والإحجام، والإعلان والإسرار، والمكر والخديعة، وإعمال العقل
ولجم العاطفة.
- وتقتضي
الرسالة قوامة الرسول على أتباعه، والمرأة تعجز في هذا الأمر؛ لاستنكافٍ مبطونٍ في
الرجال من اتّباعها وطاعتها، وفطرةُ الله التي فطر الناس عليها أن تكون القوامة
للرجال على النساء؛ (الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) (النساء: 34).
- يطرأ على
المرأة ما يعطلها عن كثير من الوظائف والمهام، وما يصاحبها من اضطرابات نفسية وتعب
وآلام، خصوصًا مهمة الحمل والولادة وإرضاع ورعاية الصغار؛ ما يمنع القيام بأعباء
الرسالة وتكاليفها الشاقة، حتى قال قيس بن عاصم في «سجاح» المتنبئة:
أضحت نبيتنا
أنثى نطيف بها وأصبحت أنبياء الناس
ذكراناً
فلعنة الله
والأقوام كلهم على سجاح ومن باللوم أغرانا
- والمرأة
مأمورة في كل حال بعدم البروز، وبالقرار في البيت، وألا تختلط بالرجال، ومهمة
الرسالة تتطلب عكس ذلك.
الوحي والإلهام والاصطفاء لا تعني نبوة المرأة
وأما فيما يتعلق
بقولهن: إن نبوة النساء دلّت عليها آيات القرآن؛ بالإلهام إلى بعضهن، أو اصطفائهن،
أو الوحي إليهن، أو مخاطبة الملائكة لهنّ، أو كمالهن كما في الحديث النبوي، وهذه
كلها أقوالٌ لا تنهض لإثبات نبوتهن لما يأتي:
- أنه لا فرق
بين نبي ورسول، إلا فيما يتعلق بكون النبي مرسلًا بتشريع رسول سابق، وما خلا ذلك
فينطبق عليه ما ينطبق على الرسول من حصره في الرجال، وذلك للحِكمِ التي ذكرناها
آنفًا.
- الوحي كما في
قول الله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا
إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ) (القصص: 7)، لا يدلُّ على نبوة، فقد
يكون قد وقع منامًا، والوحي لغةً هو الإعلام أو الإلهام؛ (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) (النحل: 68)،
ويطلق –كما في هذه الآية- على الإلهام الفطري للإنسان.
- وليس كل من
خاطبته الملائكة فهو نبي؛ فقول الله تعالى: (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا
فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً {17} قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن
مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً {18} قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ
لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً ) (مريم) لا يعني إثبات النبوة لمريم، فقد كلمت الملائكة بشرًا
من غير الأنبياء، كما في الحديث: «زار رجلٌ أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له
على مدرجته ملكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟..» (رواه البخاري)، وقد جاء جبريل
يعلِّم الصحابة أمر دينهم، وكذلك حديث الثلاثة الذين خاطبهم الْمَلَكُ: الأقرع
والأبرص والأعمى.
- وأما آية
اصطفاء مريم على العالمين؛ (وَإِذْ
قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ
وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران: 42)، فلا تدل على
نبوتها، فإن الله اصطفى غير الأنبياء؛ (ثمُّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذين اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا
فَمِنْهُم ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُم سَابِقٌ
بِالخَيْرَاتِ) (فاطر: 32).
- وإذا كان
النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بكمال بعض النسوة: «كمل من الرجال كثير، ولم
يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون..» (رواه البخاري)، فالمراد
بالكمال هنا كمال الفضائل التي للنساء، وليس كمال الأنبياء، ولو قسنا قياسَهن
لكانت خديجة رضي الله عنها، نبية لما ورد في الخبر أنها من الكاملات.
اقرأ أيضاً: