لا ضمان على الزمان.. فما الحل؟
لا ضمان على الزمان، ولا ضياع بين الصناعة والقناعة. (أبو الفتح البُستي)
بيان وفوائد:
تعكس العبارة وعيًا بطبيعة المجتمع وتقلّبات الحياة. فهي تشير إلى أن الزمان غير مأمون، وأن التحولات الاجتماعية والاقتصادية قد تقلب الموازين في أي لحظة، فلا يمكن للإنسان الاعتماد كليًّا على الظروف أو على "الحظ" أو على استقرار الزمن.
وفي مقابل هذا الاضطراب، تقدم العبارة الموجزة البليغة منظومة قيم بديلة لضمان الاستقرار الاجتماعي:
• الصناعة: أي العمل، المهارة، والإنتاج.
• القناعة: أي الرضا بما يتحقق، وتخفيف التطلعات التي قد تورّط الفرد في صراع دائم مع الظروف.
هذا التعايش بين "الصناعة" و"القناعة" يشكّل توازنًا اجتماعيًا: فالمجتمع المتقن لعمله والراضي بما يملك يقلّ فيه الاحتقان الاقتصادي والحسد الاجتماعي، وتنخفض فيه مظاهر السخط أو الفجوات الطبقية المتوهمة.
ومن منظور أخلاقي تؤكد العبارة قيمتين مركزيتين:
• الاجتهاد: فـ"الصناعة" تمثل الأخلاق العملية التي تدعو الإنسان لبذل الجهد والاعتماد على قدراته.
• القناعة: تمثل الأخلاق القلبية، وتمنع الطمع والجشع، وتخلق توازنًا نفسيًا واجتماعيًا.
العبارة بذلك تدعو إلى تكامل الأخلاق العملية والروحية؛ إذ لا يكفي أن يعمل الإنسان بلا قناعة، ولا أن يكتفي بالقناعة دون صناعة.
وفحواها الأخلاقي: أن ما يضمن للإنسان حياة مستقرة ليس الزمن المتقلّب، بل القيم الراسخة في نفسه.
ومن الناحية البلاغية والأدبية، فالعبارة مبنية على تقابل ثنائي:
• جملة أولى تنفي الاعتماد على الزمن: لا ضمان على الزمان.
• جملة ثانية تنفي الخسارة عند توافر قيمتين. ولا ضياع بين الصناعة والقناعة.
هذا التقابل يعطي العبارة توازنًا إيقاعيًّا ومعنويًّا، ويعزّز رسالتها.
وهناك كذلك نوع من الازدواج اللفظي والمعنوي بين "الصناعة" و"القناعة"؛ فكلاهما مختوم بالتاء المربوطة، وبينهما جناس ناقص يعطي العبارة موسيقى لفظية جذابة. والجناس هنا يخدم الارتباط المعنوي بين الكلمتين: فهما متقاربتان لفظًا، متكاملتان معنى.
ومن حيث التصوير: "لا ضمان على الزمان": استعارة تقوم على تشخيص الزمن بوصفه شيئًا يمكن أن يُضمن أو يُكفل، وفي ذلك تجسيد محسوس لمعنى التجربة. وفي الجملة: "لا ضياع بين الصناعة والقناعة": مقابلة بين "الضياع" (الاضطراب) و"الصناعة والقناعة" (العمل والرضا)، وهي صورة تجمع بين المادي والمعنوي لتؤكد أن التوازن النفسي والاقتصادي هو الملاذ الآمن.
والعبارة البليغة الموجزة جاءت في أسلوب حِكَمي عميق، واعتمد على النفي للتوكيد. وهي جملة تقريرية تجمع خبرة الحياة في تراكيب قليلة الكلمات عالية الدلالة.