كيف تنمو الأجنحة في حضن الخوف؟
                    الخوف بطبيعته
التي نعرفها قيود وسلاسل، والأجنحة رمز حرية وانطلاق، لكن الحقيقة الإنسانية
العميقة تكشف أنّه في قلب الخوف تنبت أحياناً أعظم القوى، ومن رحم الضعف تُولد
أبهى صور الشجاعة، فليس الشجاع من لم يعرف الخوف قط، بل الشجاع هو الذي يرتجف
داخله لكنه يمضي، هو الذي يسمع صرخات القلق في أعماقه لكنه يفتح نافذة ليدخل النور.
إنّ الأجنحة
التي تنمو في حضن الخوف ليست أجنحة مصنوعة من وهْم، بل هي أجنحة التجربة
والمعاناة، أجنحة النفس التي أدركت أنّ الحياة لا تُعاش إلا بالمواجهة، وأنّ الرعب
مهما كان مظلماً يخفي في داخله بذرة الخلاص.
لا تقلق.. الخوف رفيق العظماء
إنّ الخوف أول
عاطفة يختبرها الإنسان منذ الطفولة، فالطفل حين يخطو أول خطوة يرتعش، وحين ينفصل
عن حضن أمه يبكي، وحين يواجه المجهول يختبئ، لكنّ كل تلك اللحظات لحظات ميلاد
أجنحة صغيرة، يتعلم فيها أن السقوط لا يعني النهاية، وأنّ البكاء مقدمة للضحك،
وأنّ مواجهة الظل هي الخطوة الأولى لمعانقة الضوء، ومن هنا نفهم أنّ الأجنحة لا
تُصنع في الأمان بل في قلب العاصفة، وأنّ التحليق يبدأ من رحم الرهبة.
حين نقرأ قصص
العظماء والمبدعين نجد أنّ الخوف كان دائماً رفيقهم الأول، فالفنان الذي يقف على
المسرح لأول مرة يشعر بتجمد الدم في عروقه، والكاتب الذي يضع قلمه على الورق لأول
مرة يرتجف من فشل التجربة، والمسافر الذي يغادر بلده لأول مرة يخشى الوحدة والغربة.
لكن تلك المخاوف
هي التي تفتح أمامهم الأبواب، فمن دون رهبة المسرح لا يعرف الممثل طعم التصفيق،
ومن دون ارتباك الكلمة لا يعرف الكاتب لذة الإبداع، ومن دون خوف الرحيل لا يعرف
المسافر معنى الاكتشاف.
لذلك، تنمو
الأجنحة في اللحظة التي يحوّل فيها الإنسان خوفه إلى طاقة دفع بدلاً من أن يتركه
يتحول إلى قيد، ومن يهرب من خوفه لا يشفى منه، بل يظل أسيراً له، أمّا من يواجهه
فإنّه يكتشف أنّ الخوف ليس وحشاً مطلقاً، بل مجرد ظل يكبر بقدر ما نمنحه من
انتباه.
الخوف يرسم لنا حدود الأخطار
الخوف ليس عدواً
مطلقاً، بل قد يكون صديقاً خفياً يعلّمنا الحذر ويدفعنا إلى الاستعداد ويرسم لنا
حدود الأخطار، لكن الخوف حين يتضخم لدرجة الشلل يصبح سجناً، وفي تلك اللحظة لا بد
من كسر قضبانه حتى نستعيد قدرتنا على النمو، وهنا يظهر سر الأجنحة إذ تنمو حين
ندرك أنّ الحياة بلا مغامرة موت بطيء، وأنّ الخوف هو الامتحان الأول للإرادة، فإن
اجتزناه أصبحنا أقوى، وإن استسلمنا له ظللنا عاجزين عن التحليق، تماماً مثل
العصفور الذي يظل متردداً في القفص، يراقب السماء ويخاف من المجهول، لكن حين يجرّب
أول طيران ويكتشف أنّ جناحيه يحملاه لن يعود إلى القفص أبداً. 
كذلك الإنسان،
يظل خائفاً من التجربة حتى يجرب، وحين يجرب ينبت له جناحان لا يراهما الآخرون لكنه
يشعر بهما يرفرفان في داخله.
أجنحة الوعي
الأجنحة التي
تنمو في حضن الخوف أجنحة الوعي، والوعي لا يأتي بسهولة، بل يولد من احتكاك الروح
بجدران التجربة، يولد من الجراح والخيبات من الليالي المظلمة التي يظن فيها
الإنسان أنّه انتهى، لكنه يكتشف صباحاً جديداً في داخله، ومن أجمل صور هذه الحقيقة
أنّ كثيراً من الناس الذين فقدوا أحبابهم أو مروا بمصائب كبرى تحولوا إلى أشخاص
أكثر حكمة وتعاطفاً؛ لأنّ الخوف الذي كان يحيط بهم أنبت لهم أجنحة الرحمة، فصاروا
أقدر على مواساة غيرهم وأعمق فهماً لوجع الحياة، هكذا يتحول الخوف من عدو إلى جسر،
ومن ظلمة إلى نافذة، ومن حضن ضيق إلى أفق واسع.
وفي النهاية،
ندرك أنّ الإنسان كائن مخلوق ليتجاوز، وأنّ قلبه مبرمج على النهوض مهما كانت
الانكسارات، وأنّ الخوف الذي يظنه خصمه الأكبر قد يكون حليفه الأوفى، فمن حضن
الخوف تنمو أجنحة الحرية، ومن بين الدموع تشرق شمس الأمل، ومن قلب العتمة يولد ضوء
الطريق.
اقرأ أيضاً:
- أسباب التفكير السلبي.. و6 خطوات للتخلص منه