قرار مجلس الأمن (2803) بشأن غزة.. واشنطن تفرض رؤيتها على الجميع
تبنى مجلس
الأمني الدولي، في 18 نوفمبر 2025م، مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة
الأمريكية بخصوص وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي جرى التوصل له بناء على خطة
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
وقد حظي المشروع
بموافقة 13 من أصل 15 عضواً في مجلس الأمن، دون أي تصويت بالرفض، بما في ذلك
الجزائر ممثلة المجموعة العربية والإسلامية في مجلس الأمن، بينما امتنعت كل من
الصين وروسيا عن التصويت، محذرتين من أخطار الاتفاق وغموضه وكونه سوف يعمّق من
الأزمة بدل حلها.
وقد رحّب نص
القرار بـ«الخطة الشاملة لإنهاء النزاع في غزة» الصادرة عن الإدارة الأمريكية، في 29
سبتمبر 2025م، ورحب كذلك بإعلان ترمب التاريخي من أجل السلام والازدهار الدائمين،
وبأدوار الولايات المتحدة والدول الضامنة الثلاث؛ قطر ومصر وتركيا.
وقد أيّد القرار
الخطة الشاملة ودعا جميع الأطراف لتنفيذها بالكامل، ورحّب بإنشاء «مجلس السلام»
كإدارة انتقالية لوضع الإطار وتنسيق التمويل لإعادة تطوير غزة إلى أن تتم السلطة
الفلسطينية برنامج إصلاحها، مشيراً إلى أنه قد تتوافر الشروط أخيراً بعد هذا
الإصلاح وتقدّم أعمال إعادة تطوير غزة لبلورة مسار موثوق نحو تقرير المصير قد يفضي
إلى دولة فلسطينية.
القرار نكوص عن مسار تعامل المجتمع الدولي
ومجلس الأمن مع القضية الفلسطينية وتنكر لقراراته السابقة
وذكر القرار من
بين مهام «مجلس السلام» تنفيذ إدارة حكم انتقالية بما يشمل الإشراف والدعم للجنة
فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية تتولى مسؤولية التسيير اليومي للخدمة المدنية
والإدارة في غزة، وإعادة إعمار القطاع، وتنسيق وتقديم الخدمات العامة والمساعدات
الإنسانية في غزة.
ويأذن القرار
لمجلس السلام وأعضائه من الدول بإنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة في غزة، بالتشاور
والتعاون مع مصر و«إسرائيل»، ويحدد القرار بشكل مباشر استقرار البيئة الأمنية في
قطاع غزة عبر ضمان نزع السلاح في القطاع، بما يشمل تدمير البنى التحتية العسكرية
والإرهابية والهجومية ضمن مهام قوة الاستقرار.
مرور
سلس
عكس التوقعات
التي دارت حول الحاجة لأسابيع وربما أشهر لصدور القرار، مر مشروع القرار الأمريكي
عبر مجلس الأمن بسلاسة وسرعة ملحوظتين، لا سيما في ظل وجود مقترح روسي بالخصوص
ذاته، ولعل السبب الرئيس لذلك وضع الإدارة الأمريكية ثقلها بالكامل خلف القرار
وممارسة ضغوط على مختلف الأطراف بما في ذلك التهديد بإمكانية إعطاء نتنياهو الضوء
الأخضر لاستكمال الحرب.
كما كانت موافقة
ودعم السلطة الفلسطينية ثم الدول العربية والإسلامية الثماني الداعمة لخطة ترمب
(مصر وقطر والسعودية والإمارات والأردن وتركيا وباكستان وإندونيسيا) لمشروع القرار
سبباً رئيساً في عدم استخدام بكين أو موسكو حق النقض (الفيتو)، رغم وجود أسباب
وجيهة لكليهما لفعل ذلك، ضد القرار والاكتفاء بعدم التصويت.
في مضمون
القرار، ثمة ميزة رئيسة فيه؛ وهي تثبيت وقف إطلاق النار؛ وبالتالي الحيلولة دون
استمرار وتيرة الإبادة السابقة، كما أن القرار أقر، ضمن أهم بنوده، إنشاء هيئتين
أساسيتين؛ هما «مجلس السلام» و«قوة الاستقرار الدولية»، وفق ما سبق ذكره.
ورغم أن القرار
استمرار لخطة ترمب التي فرضت على نتنياهو وحكومة الكيان وقف إطلاق النار، فإن
المضمون والأسلوب والإشارات تأتي في صالح الكيان وليس ضده؛ فالإدارة الأمريكية
تتصرف هنا وكأنها «أم الصبي»، إن جاز التعبير، الأدرى بمصلحته والأحرص عليها،
ولذلك فقد برر ترمب مراراً جهود إدارته بأنها إنقاذ لـ«إسرائيل» التي لا تستطيع
محاربة العالم بأسره، وفق مسار نتنياهو.
ففيما عدا هذه
الميزة الرئيسة؛ أي وقف الحرب بشكلها السابق الذي استمر عامين، ثمة أخطار كبيرة
على القضية الفلسطينية عموماً، والمقاومة على وجه التحديد تتضمنها بنوده.
.. وينتقص من الحقوق الفلسطينية بشكل واضح
حيث يقتطع غزة من سياقها الوطني والجغرافي والسياسي
ففي المقام
الأول، يمثل القرار نكوصاً شبه كامل عن مسار تعامل المجتمع الدولي وتحديداً مجلس
الأمن الدولي مع القضية الفلسطينية وتنكراً لمجموعة قراراته السابقة بخصوصها حيث
يتناقض معها وإن أشار لها في ديباجة المقدمة، كما أنه ينطلق من دعم السردية «الإسرائيلية»
ضمناً حين يتحدث عن التهديد لـ«إسرائيل»، والإرهاب في الجانب الفلسطيني، متجنباً
الإشارة للاحتلال أو الإبادة أو جرائم الكيان الصهيوني.
أكثر من ذلك،
فالقرار الذي يتجنب لوم الجاني ويفرض شروطاً على الضحية، يجعل «إسرائيل» شريكاً في
تطبيقه في مختلف السياقات والمراحل، وأهمها قوة الاستقرار الدولية ولجنة
التكنوقراط الفلسطينيين.
كما أن القرار
ينتقص من الحقوق الفلسطينية بشكل واضح، حيث يقتطع غزة من سياقها الوطني والجغرافي
والسياسي، مقدماً بنوداً خاصة بها دون الضفة والقدس ومجمل القضية الفلسطينية،
ويفرض عليها وصاية دولية أقرب بالانتداب أو أشكال الاستعمار القديم.
ويتنكر القرار
بشكل فج لفكرة «حل الدولتين» بما تعنيه من شروط وظروف ومسارات، ويستعيض عن ذلك
بالحديث عن «دولة فلسطينية» منكرة غير محددة ولا موصوفة، ويجعلها احتمالاً قد يفضي
له مسار سياسي مفترض لتقرير المصير في حال تمت إصلاحات السلطة بشكل مرضٍ، واكتملت
إعادة إعمار غزة.
كما أن القرار
يجرّم المقاومة الفلسطينية ويصفها بالإرهاب ويجعل نزع سلاحها وتدمير قدراتها
(المحدودة أصلاً) ضمن مهام قوة الاستقرار الدولية، ويجعل كل ذلك ضمن شروط انسحاب
قوات الاحتلال لما بعد الخط الأصفر في المستقبل، ما يعني أن ذلك ليس مضموناً ولا
مساراً حتمياً، وأن القرار بالتالي قد يفضي لتأبيد الاحتلال وتثبيته في قطاع غزة
بدل إنهائه بذريعة استمرار التهديد وتحت عنوان حرية الحركة لحكومة الاحتلال.
ومن أهم ما
ينبغي الإشارة له في هذا السياق، أن قرار مجلس الأمن يشكل إطاراً أو غطاء أو
تفويضاً للإدارة الأمريكية لتنفيذ رؤية ترمب وخطته، أكثر من كونه قراراً للمجلس
بأدوات أممية؛ ما يبقي الإدارة الأمريكية خصماً وحكماً في الآن معاً؛ أي استمرار
الغطاء الكامل للخروقات «الإسرائيلية» لوقف إطلاق النار، حيث كان وزير الخارجية
الأمريكي ماركو روبيو قد صرح بأن عشرات الغارات «الإسرائيلية» التي أودت بحياة
مئات الفلسطينيين ليست خرقاً للاتفاق، متحدثاً ليس باسم الإدارة الأمريكية، ولكن كافة
الدول الضامنة؛ أي بما يشمل مصر وقطر وتركيا.
تبقى الإشارة
إلى أن الخطة الأمريكية التي تجسدت في قرار مجلس الأمن رقم (2803) ليست حتمية
التطبيق والنجاح ولا قدراً مقدوراً على الفلسطينيين، كما لم يكن أي قرار أممي أو
سياسية احتلالية كذلك سابقاً، وتبدأ التحديات أمام القرار من صمود الشعب الفلسطيني
وتاريخه الحافل بإفشال مشاريع التصفية، وتمر بجهل الإدارة الأمريكية بتعقيدات
القضية ورهانها على غطرسة القوة، ولا تنتهي بالعقبات الأساسية المرتبطة بالخطة
نفسها.
يبقى صمود الشعب الفلسطيني وتاريخه الحافل
بإفشال مشاريع التصفية العقبة الأكبر أمام تنفيذ القرار
ذلك أن مختلف
الدول ليست متحمسة لإرسال قواتها لتشارك في «قوة الاستقرار الدولية» قبل أن تقف
الحرب تماماً ونهائياً، وهو ما لا يمكن تصوره في ظل استمرار الخروقات «الإسرائيلية»،
كما لا يمكن تصور استسلام فصائل المقاومة لمبدأ سحب السلاح وتدمير الأنفاق وغير
ذلك مما ينبئ بإمكانية المواجهة المباشرة بين القوة الدولية والمقاومة الفلسطينية،
حيث لن ترغب أي دولة بأن تكمل الحرب نيابة عن الاحتلال.
وفي المحصلة،
فرغم أن الإدارة الأمريكية قد نجحت عبر ضغوطها بمختلف الوسائل والأدوات في تمرير
خطتها عبر قرار لمجلس الأمن هو من بين الأخطر على القضية الفلسطينية عبر تاريخها
الطويل، فإن ذلك ليس نهاية المطاف، والأهم أنه، بكل أسف، لا ينهي الحرب بشكل تام
ونهائي كما يفترض به، بل ينقلها من مرحلة لثانية ومن طور لآخر فقط.