عطف الجمل المتباينة وحكم الأكل من متروك التسمية

د. رمضان فوزي

05 أكتوبر 2025

59

اختلف النحاة في عطف الجمل المتباينة؛ أي عطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية والعكس فذهب بعضهم إلى جواز ذلك، وذهب الآخرون إلى منعه

وذهب أصحاب الاتجاه الثاني إلى أن الواو إذا جاءت بين جملتين متباينتين؛ فإنها تفيد الحال وقدروها بـ«إذ».

يقول صاحب كتاب «الجنى الداني في حروف المعاني»: «وتدخل –أي واو الحال- على الجملة الاسمية، نحو: جاء زيد ويده على رأسه، وعلى الفعلية إذا تصدرت بماض، الأكثر اقترانه بـ«قد»، نحو: جاء زيد وقد طلعت الشمس، وتدخل على المضارع المنفي، ولا تدخل على المثبت..» (الجنى الداني، ص164).

حكم الأكل من متروك التسمية

اختلف العلماء في حكم الأكل من الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها عند الذبح (متروك التسمية) على ثلاثة أقوال؛ فقيل: هي فرض على الإطلاق، وقيل: بل هي فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان، وقيل: بل هي سُنة مؤكدة.

وبالقول الأول قال أهل الظاهر، وابن عمر والشعبي، وابن سيرين، وبالقول الثاني قال مالك، وأبو حنيفة، والثوري، وبالقول الثالث قال الشافعي وأصحابه، وهو مروي عن ابن عباس، وأبي هريرة (بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد، ص210، 211).

وقد استند كل فريق من الفريقين -القائلين بتحريم أكل متروك التسمية، والقائلين بجوازه وعلى رأسهم الشافعية- إلى بعض الأدلة، سواء من القرآن أم السُّنة النبوية المطهرة.

وما يعنينا هنا من هذه الأدلة استناد كل منهما إلى قول الله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ‌وَإِنَّهُ ‌لَفِسْقٌ) (الأنعام: 121)؛ حيث إن الخلاف بينهما ناتج عن الخلاف بين النحاة الذي أشرنا إليه سابقاً في جواز عطف الجمل المتباينة؛ فمن وافق النحاة القائلين بجواز عطف الجمل المتباينة ذهبوا إلى حرمة أكل متروك التسمية، معتبرين الواو في قوله تعالى في الآية محل الشاهد «وإنه لفسق» عاطفة، يقول ابن قدامة: «وقولُه تعالَى: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) محمولٌ على ما تُركَت التَّسْمِيَةُ عليه عَمْدًا بدليلِ قولِه: (‌وَإِنَّهُ ‌لَفِسْقٌ)» (المغني لابن قدامة، 13/ 290).

أما المذهب الثاني الذي ذهب إلى عدم وجوب التسمية؛ فإنه رد على هذا الاستدلال بأن الواو هنا ليست عاطفة بسبب التباين بين الجملة التي قبلها والتي بعدها، ومن ثَمَّ رأوا أنها (الواو) حالية، وبناء على ذلك قيدوا التحريم بحالة كون المذبوح فسقاً، وفسروا الفسق هنا بذكر اسم غير الله تعالى.

يقول الشيخ زكريا الأنصاري –من فقهاء الشافعية- رداً على هذا الاستدلال: «وأما قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ‌وَإِنَّهُ ‌لَفِسْقٌ) فالذي تقتضيه البلاغة أن قوله: «وإنه لفسق» ليس معطوفاً؛ للتباين التام بين الجملتين؛ إذ الأولى فعلية إنشائية، والثانية اسمية خبرية، ولا يجوز أن يكون جواباً لمكان «الواو»؛ فتعين أن تكون حالية؛ فيتقيد النهي بحال كون الذبح فسقاً، والفسق في الذبيحة مفسر في كتاب الله تعالى بما أُهل لغير الله به» (الغرر البهية في شرح البهجة الوردية للشيخ زكريا الأنصاري، 5/ 156).

وهكذا نجد أن الشافعية ومن لفّ لفَّهم في هذه المسألة ردوا هذا الدليل بحجة لغوية؛ فجعلوا «الواو» حالية، وفسروا الفسق هنا بما ذكر في موضع آخر في كتاب الله تعالى، وهو قوله عز وجل: (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) (الأنغام 145)؛ فقصروا التحريم على ما ذكر عليه غير اسم الله تعالى، بالإضافة إلى بعض الأدلة الأخرى من السُّنة النبوية التي قوَّت هذا الاستدلال اللغوي عندهم.

ولعل في هذا الرأي الأخير ما لا يخفى من مظاهر للتيسير الفقهي في هذه المسألة، خاصة على المسلمين المقيمين في دول غير إسلامية، لكن بشرط أن يكون الذبح قد تم بالطريقة الصحيحة، وألا يكون قد ذكر عليه غير اسم الله تعالى.


إقرأ أيضا

الفصل بين المتعاطفين وحكم غسل الرجلين

العلاقة بين علم النحو وعلم الفقه

«أو» بين التخيير والترتيب وبراعة الاستنباط الفقهي


الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة