صناعة الأمل لدى الشباب العربي

الشباب عماد الأمم وأساس تقدمها، وفي الإسلام يتجلى هذا المضمون بأبهى صوره، حيث كان الفتيان اليافعون حملة راية الدعوة، وصناع مجد الحضارة، فتاريخنا الإسلامي يحكي بفخر سير أمثال أسامة بن زيد الذي أسند إليه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة الجيش في غزو الشام وهو في سن الثامنة عشرة، ليكون أبرز دليل على ثقة الإسلام بطاقات الشباب وقدرتهم على تحمل المسؤوليات العظام.

وليس أبلغ في تأصيل هذا المفهوم من قوله تعالى: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) (الكهف: 13)، فالآية الكريمة تلقننا درساً محكماً: أن الإيمان الذي يعمر قلوب الفتية هو ركيزة النهضة، وأن التقوى مفتاح الزيادة في الهدى والعمل الصالح.

ولئن كان الأمل أو الرجاء سمة لازمة للشباب، فإن الإسلام يرفض أن يكون رجاء عقيمًا لا يرافقه عمل، لذا نادى القرآن بسُنة التغيير: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11)، فالأمل الفعال ليس تمنياً، بل هو فعل وإصلاح وتحريك نحو غايات عليا.

ركائز التنمية

لا تتحقق قيادة الشباب لمسيرة التنمية إلا ببناء أركان راسخة توائم بين الأصالة والمعاصرة، وتستند إلى مقومات تجعل من الطاقة الشابة قوة دافعة نحو التقدم.

أولى هذه الركائز العلم والتعليم، الذي جعله الإسلام فريضة لا غنى عنها، كما في الحديث النبوي الشريف: «اطْلُبُوا العِلْمَ مِنَ المَهْدِ إِلَى اللَّحْدِ»، فالعلم مسيرة متواصلة تنهض بها الأجيال، وتشهد الساحة المعاصرة مبادرات تعليمية تحيي هذا المنهج، كالمنصات الإلكترونية التي تزاوج بين علوم الشريعة والعلوم العصرية؛ ما يعكس تكاملاً بين الهوية الإسلامية ومتطلبات العصر، وكثيرة هي تلك المنصات التعليمية التي تقدم علوم الشريعة بأساليب تفاعلية حديثة.

أما الركيزة الثانية، فهي القيم الأخلاقية، التي تشكل أساس أي تنمية مستدامة، فالصدق يبنى عليه الثقة بين الأفراد، والعدل يرسي دعائم الاستقرار المجتمعي، والتضامن يذيب الفوارق الطبقية، كما يعد العمل الصالح المشار إليه في القرآن الكريم في مواضع عديدة كقوله تعالى: (وَاعْمَلُوا صَالِحًا) (هود: 11)، آلية لتماسك النسيج الاجتماعي، إذ يربط الفرد بربه ومجتمعه، فيتحول من كائن مستهلِك إلى فاعل منتج.

ولا يقل عن ذلك أهمية الركيزة الثالثة؛ وهي الابتكار والتكنولوجيا، التي تستلهم تراث العصر الذهبي الإسلامي، حيث قدم علماء كابن الهيثم، وأبي بكر الرازي، إسهامات ثورية في الطب والهندسة، واليوم، يعيد الشباب المسلم اكتشاف هذا الإرث عبر توظيف التكنولوجيا الحديثة، كتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الفقه الإسلامي، أو مشاريع الطاقة المتجددة المستوحاة من مفهوم «الاستخلاف في الأرض»، وهذا التوازن بين الهوية والحداثة ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة لمواكبة العصر دون ذوبان ثقافي.

وفي حال تعانقت هذه الركائز الثلاث: علم يحرك العقل، وقيم تهذب الروح، وتكنولوجيا تحفز الابتكار، يمكننا أن نصنع نموذجاً تنموياً يعيد للأمة الإسلامية دورها الحضاري، بمشاركة شباب واع بتراثه، مسلح بأدوات عصره.


الشباب.. الجيش العرمرم! |  مجلة المجتمع الكويتية
الشباب.. الجيش العرمرم! | مجلة المجتمع الكويتية
مر اليوم العالمي للشباب، الذي يحتفل به العالم سنوي...
mugtama.com
×


تحديات وحلول

لا شك أن مسيرة التنمية بمشاركة الشباب تواجه تحديات متشعبة، تفرضها التحولات الاقتصادية والثقافية العالمية، لكن الإسلام يقدم رؤية شاملة لمواجهتها عبر حلول مستمدة من نصوصه الثابتة وتجربته التاريخية الغنية.

وتشكل البطالة عقبة كبرى في طريق الشباب، خاصة مع تغول النظام الاقتصادي العالمي الذي يزيد الفجوة بين الطبقات، وهنا يأتي دور التشريعات الإسلامية في تقديم حلول عملية، مثل تفعيل نظام الزكاة لتمويل المشاريع الصغيرة، وإطلاق الصدقة الجارية التي تستثمر في تعليم الشباب وتدريبهم، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية..» (رواه مسلم)، وقد نجحت تجارب معاصرة في دول إسلامية كماليزيا وإندونيسيا في توظيف الأوقاف الإسلامية لدعم ريادة الأعمال.

وفي مواجهة الغزو الفكري والانحرافات الأخلاقية، التي تستهدف الشباب بشكل رئيس، يقدم القرآن منهجًا واضحًا عبر مبدأ التعاون الذي يقوي التماسك المجتمعي: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2)؛ وهو ما يتطلب تعزيز التعاون بين المؤسسات التعليمية وعلماء الأمة في كل بلداننا العربية والإسلامية لوضع برامج تثقيفية تحصن الشباب فكرياً، وتعيد تعريفهم بثوابت الأمة في مواجهة التطرف والإلحاد.

كما يقدم المنهج الإسلامي نصائح عملية تجمع بين الحكمة الشرعية والفعالية الواقعية، لتكون خارطة طريق للشباب يسيرون عليها في رحلتهم نحو الإنجاز والتميز، يأتي في صدارتها الاهتمام بـإدارة الوقت، استجابة للتوجيه النبوي: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك..» (رواه الحاكم)، حيث يعد استثمار المراحل العمرية والفرص الذهبية ركيزة لتحقيق الأهداف، عبر دمج أدوات التخطيط الحديثة مع التمسك بالأولويات الدينية التي تحفظ للفرد توازنه الروحي والعملي.


شباب عرب ومسلمون سطروا قصص نجاح |  مجلة المجتمع الكويتية
شباب عرب ومسلمون سطروا قصص نجاح | مجلة المجتمع الكويتية
النجاح ليس عطية تُعطى، ولا إرثاً يورث، بل نتاج عمل...
www.mugtama.com
×


مسؤولية مشتركة

لا تقوم التنمية الشاملة بمعزل عن شبكة الدعم المجتمعي والمؤسسي، فكل مكونات المجتمع مطالبة بتوفير البيئة الحاضنة لطاقات الشباب، وتوجيهها نحو الإنتاجية والإبداع، وفق رؤية تتعاضد فيها الأدوار، وهذه الأدوار يمكننا تناولها بشيء من التفصيل في النقاط التالية:

أولًا: الدعم الأسري:

تمثل الأسرة اللبنة الأولى في تشكيل وعي الشباب وصقل مواهبهم، وقد حث الإسلام على رعاية الأبناء وتنمية قدراتهم، ومن هنا يجب تربية الأبناء تربية متكاملة تجمع بين القيم الروحية والمهارات العملية، وعلى الآباء اكتشاف مواهب الأبناء مبكرًا، وتشجيعهم على توظيفها في مجالات نافعة، انطلاقاً من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (رواه البخاري).

ثانيًا: المساجد والمراكز الإسلامية:

لم تكن المساجد في التاريخ الإسلامي مجرد أماكن للعبادة، بل كانت مراكز للإشعاع العلمي والاجتماعي، واليوم، يتجدد هذا الدور عبر برامج تدريبية تواكب احتياجات العصر، وتحويل المساجد إلى منصات لتمكين الشباب ثقافياً وتقنياً، ومنها تدريس الخطابة لتنمية مهارات التواصل، أو تقديم دورات تدريبية بالتعاون مع خبراء ومختصين في مجالات حديثة مثل البرمجة المعلوماتية التي تدمج بين الأخلاق التكنولوجية والمهارات الرقمية.

ثالثًا: الحكومات الإسلامية:

من واجب الحكومات في دولنا العربية والإسلامية تبني سياسات فاعلة تدعم ريادة الأعمال الشبابية، عبر توفير التمويل اللازم من خلال صناديق الزكاة والاستثمارات الحلال، وإقرار إعفاءات ضريبية للمشاريع الناشئة التي تلتزم بالمعايير الشرعية، وتعتبر تجربة «بنك التنمية الإسلامي» في دعم المشاريع الصغيرة نموذجاً ناجحاً يحتذى به، كما أن تشريعات كتلك المطبقة في ماليزيا تظهر إمكانية الجمع بين التشجيع الاقتصادي والضوابط الأخلاقية.

وهكذا لا يكتمل دور الشباب في صناعة التنمية إلا بدعم مؤسسي من الدول الإسلامية، عبر سياسات تحول الطاقات الشابة إلى قوة اقتصادية وعلمية، فتمويل المشاريع الناشئة عبر صناديق الزكاة، وتسهيل الإجراءات الضريبية، وتبني برامج التعليم المدمج بين العلوم الشرعية والتقنية، ضرورات لبناء جيل قادر على المنافسة العالمية مع الحفاظ على الهوية.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة