صلاة التوبة سببها وحُكمها وكيفيتها

د. رمضان أبو علي

04 ديسمبر 2025

103


ليس كل خطأ يقع فيه الإنسان يدخل به أبواب النيران، ويُحْرَم به من دخول الجنان، بل قد يحمل الخطأ الإنسان على القرب من الرحمن، والعودة لأهل الإيمان، من خلال التوبة وتجديد العهد مع الله تعالى، حيث يترك العبد ذنبه ويندم على فعله ويعزم على عدم العودة إليه، ويرد الحقوق إلى أصحابها، ثم يتجه إلى ربه مصلياً وداعياً، آملاً أن يقبل الله توبته.

سبب صلاة التوبة

وقوع المسلم في المعصية والذنب، سواء كان صغيراً أم كبيراً، عمداً كان أم خطأ، يوجب عليه أن يتوب ويستغفر الله منه، ويستحب له أن يصلي ركعتين، يتوسل بهما إلى الله تعالى، رجاء أن تقبل توبته ويغفر ذنبه(1).

حكم صلاة التوبة

التوبة من الذنب صغيراً كان أو كبيراً فرض واجب، لأن الله تعالى أمر بها في العديد من الآيات، حيث قال تعالى: (‌وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور: 31)، وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً ‌نَصُوحًا) (التحريم: 8)، وفي صحيح مسلم عن ابْن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ‌تُوبُوا ‌إِلَى ‌اللهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ».

أما صلاة التوبة فهي سُنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث روى أبو داود بسند صححه الألباني عَنْ عَلِيّ بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كُنْتُ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي، وَإِذَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ.

قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ‌«مَا ‌مِنْ ‌عَبْدٍ ‌يُذْنِبُ ‌ذَنْبًا، فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {135} أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (آل عمران)».

فينبغي لمن أذنب ذنباً أن يصلي ركعتين يتوب فيهما إلى الله تعالى، ثم يستغفر ربه ويعلن بين يديه توبته، ويدعو بما تيسر له من الدعاء.

كيفية صلاة التوبة

صلاة التوبة نافلة يتعين لها جميع الشروط اللازمة لصلاة النافلة، ويجب فيها من الأركان والواجبات ما يجب في صلاة النافلة، وهي ركعتان، يصليهما التائب منفرداً، لأنها من النوافل التي لا تشرع لها صلاة الجماعة، ويستحب له بعدها أن يستغفر الله تعالى(2).

ماذا تقرأ في صلاة التوبة؟

لم يرد النص الثابت فيما يلزم التائب من قراءة بعض السور أو الآيات في صلاة التوبة، وقد اجتهد العلماء في ذلك، حيث أورد الملا علي القاري أنه يقرأ في هذه الصلاة بـ(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (الكافرون: 1)، وسورة «الإخلاص»، أو بالآية: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا ‌أَوْ ‌يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء: 110)(3).

دعاء صلاة التوبة

يدعو المسلم بعد الفراغ من الصلاة بما شاء من الأدعية التي يناجي فيها ربه بما يفتح الله به عليه، ويستحب أن يدعو بمأثور الدعاء، كما في دعاء آدم عليه السلام: (قَالَا رَبَّنَا ‌ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف: 23)، ودعاء نوح عليه السلام: (‌رَبِّ ‌اغْفِرْ ‌لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا) (نوح: 28)، ودعاء يونس عليه السلام: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ‌سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء: 87).

ومن السُّنة ما جاء في الدعاء كما في «سيد الاستغفار»، وغيره من أدعيته صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما رواه مسلم عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «‌اللَّهُمَّ ‌اغْفِرْ ‌لِي ‌ذَنْبِي ‌كُلَّهُ: دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ».

وروى الحاكم بسند صححه الذهبي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ فَإِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً ‌فَأَحَبَّ ‌أَنْ ‌يَتُوبَ ‌إِلَى ‌اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَأْتِ رَفِيقَهُ فَلْيَمْدُدْ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ مِنْهَا لَا أَرْجِعُ إِلَيْهَا أَبَدًا، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ فِي عَمَلِهِ ذَلِكَ».

ويمكن له أن يستأنس بما رواه الطبراني عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ قَامَ وِجَاهَ الْكَعْبَةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ هَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ سَرِيرَتِي، وَعَلَانِيَتِي فَاقْبَلْ مَعْذِرَتِي، وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤْلِي، وَتَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا يُبَاشِرُ قَلْبِي، وَيَقِينًا صَادِقًا حَتَّى أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُنِي إِلَّا مَا كَتَبْتَ لِي، وَرِضًا بِمَا قَسَمْتَ لِي».

وقت صلاة التوبة

عند وقوع العبد في الذنب يستحب له أن يبادر بالتوبة، فيتوضأ ويصلي ويستغفر الله على الفور، وهذا أفضل الأشياء، لوقوع التوبة عقب الذنب مباشرة، حيث جاء ذلك في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ ‌فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) (آل عمران: 135)، فقد جاء الاستغفار بعد الوقوع في الذنب مباشرة، فالواجب على المسلم أن يبادر بالتوبة، وإن أخرها ثم أتى بها في أي وقت فهو جائز.

فهذه صلاة تشرع في جميع الأوقات بما في ذلك أوقات النهي، لأنها من ذوات الأسباب التي تشرع عند وجود سببها، قال ابن تيمية: ذوات الأسباب كلها تفوت إذا أخرت عن وقت النهي، مثل سجود التلاوة، وتحية المسجد، وصلاة الكسوف، ومثل الصلاة عقب الطهارة، وكذلك صلاة الاستخارة، إذا كان الذي يستخير له يفوت إذا أخرت الصلاة، وكذلك صلاة التوبة، فإذا أذنب فالتوبة واجبة على الفور، وهو مندوب إلى أن يصلي ركعتين، ثم يتوب(4).

هل صلاة ركعتين بعد الذنب تغفر الذنوب؟

قال ابن القاسم: في الحديث دليل على مشروعية الصلاة إذا أذنب، يتطهر ويصلي ثم يستغفر، وفيه ‌استيفاء ‌وجوه ‌الطاعة ‌في ‌التوبة لأنه ندم فتطهر ثم صلى ثم استغفر، وإذا أتى بذلك على أكمل الوجوه غفر الله له بوعده الصادق(5).

شروط قبول التوبة:

1- التخلي عن الذنب.

2- الندم على الذنب.

3- العزم على عدم العودة إلى الذنب.

4- التخلص من المظالم ورد الحقوق إلى أصحابها.

والله تعالى أعلى وأعلم.


اقرأ أيضاً:

التوبة قبل العبادة

توبة قلب

أبعاد التوبة في رمضان

____________________

الهوامش

(1) شرح الطَّيِّبِيّ على الْمشكاة (3/ 180).

(2) نهاية المحتاج (2/ 122)، الإقناع: للشربيني (1/ 101).

(3) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 988).

(4) مجموع الفتاوى (23/ 215).

(5) الإحكام شرح أصول الأحكام: ابن قاسم (1/ 321).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة