شباب غزة.. رحلة أمل من تحت الركام
من بين أنقاض
الركام، تتكالب الهموم والضغوط على الشباب في غزة، ليعود من جديد إلى نقطة الصفر،
باحثاً عن حياة، أو نصف حياة بين آلام الفقد، وجراح حرب الإبادة، التي أثقلت كاهله
على مدار أكثر من عامين.
شباب غزة ليسوا
في وضع صعب فحسب، أو تحت وطأة ظروف قاسية، بل كارثة لم يشهدها التاريخ الحديث،
دهست أحلامهم وآمالهم، بآلاف الأطنان من المتفجرات والقذائف المحرمة دولياً.
واقع كارثي
وفق البروفيسور أندرياس
كريغ، خبير أمن الشرق الأوسط في كلية كينغز كوليدج لندن، فإن «الأمر أسوأ من البدء
من الصفر، فهنا لا تبدأ من الأرض، بل من الأنقاض»، يكاد لا يخلو بيت في غزة الأبية
من شهيد أو جريح أو معاق أو أسير، يمثل الشباب الأغلبية العظمى من بينهم؛ لا سيما
مع الاستهداف المتعمد من قبل الاحتلال للمراهقين والشباب، في محاولة لاغتيال
مستقبل القطاع.
وفق بيانات
رسمية فلسطينية، فإن الحرب على غزة أسفرت عن استشهاد أكثر من 67 ألف فلسطيني، ونحو
ما يقارب الثلث منهم، تقل أعمارهم عن 18 عاماً، وربما ترتفع النسبة إلى أكثر من
نصف عدد الضحايا، إذا شملت الأرقام ذوي الفئة العمرية بين 15 إلى 30 عاماً.
على سبيل
المثال، بلغ عدد الشهداء منذ اندلاع «انتفاضة الأقصى» عام 2000، وحتى العام 2011م،
7227 شهيدًا، منهم 4607 شهداء من الفئة العمرية 15 - 29 عاماً؛ أي بنسبة 63.7% من
إجمالي عدد الشهداء، في حين بلغ عدد الجرحى 60043 جريحًا، منهم 35321 من الفئة
العمرية 15 – 25 عاماً؛ أي بنسبة 58.8% من إجمالي عدد الجرحى، وفق وزارة الصحة
الفلسطينية.
هذه الأرقام
تؤكد تعمد الاستهداف «الإسرائيلي» للشباب، كون المجتمع الفلسطيني فتياً وقوياً،
يحظى بوجود شريحة واسعة من الشباب ضمن نسيجه المجتمعي، بنسبة 1.17 مليون شاب وشابة
(18 – 29 عاماً)، يشكلون أكثر من خُمس المجتمع الفلسطيني، بحسب بيانات مركز
المعلومات الوطني الفلسطيني.
تحديات صعبة
ربما يصعب حصر
التحديات التي تواجه الشباب في غزة، بعد اتفاق وقف إطلاق النار، المبرم الشهر
الجاري، وهو يتفقد بيته المدمر، وجامعته المهدمة، وأقاربه في سجلات المفقودين،
وأصدقاءه الشهداء أو مبتوري الأطراف.
وفق تقديرات
مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات)، فإن قرابة 300 ألف شقة ومنزل في
أنحاء غزة قد تضررت أو دُمرت كلياً.
يقول جاكو
سيليرز، الممثل الخاص لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للفلسطينيين: إنّ نسبة
الدمار في القطاع تبلغ الآن حوالي 84%، وفي بعض مناطق القطاع، مثل مدينة غزة، تصل
النسبة إلى 92%.
خلال عامين، طال
الدمار البنى التعليمية، 165 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية دمرها الاحتلال كلياً،
و392 منشأة مثلها تعرضت لتدمير جزئي، فضلاً عن تدمير مئات المصانع والمعامل وورش
العمل والمحال التجارية، وتجريف وتضرر نحو 94% من الأراضي الزراعية، ليصبح الشباب
الغزاوي بدون منزل أو مدرسة أو جامعة أو فرصة عمل.
وتفيد التقديرات
الأولية بأن إجمالي الخسائر المباشرة للقطاعات الحيوية في القطاع تجاوزت 60 مليار
دولار، بحسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
آثار سلبية
لعل أخطر
التداعيات التي خلفتها الحرب على مستقبل الشباب الغزاوي، تشوه التركيبة السكانية،
وتراجع تمثيل فئات محددة مثل الأطفال والشباب في النسيج الفلسطيني، نتيجة
الاستهداف المتعمد من قبل جيش الاحتلال.
من المتوقع
انخفاض عدد المواليد في غزة، نتيجة لاستهداف فئة الشباب التي تنجب أو التي يتوقع
أن تساهم في إنجاب الأطفال خلال السنوات المقبلة، وفق الجهاز المركزي للإحصاء
الفلسطيني.
وهناك تأثيرات
أخرى، تتعلق بانخفاض عدد حالات الزواج الجديدة خلال الحرب إلى مستويات متدنية
للغاية؛ نظراً لعدم وجود منازل أو دور إقامة ملائمة لتحقيق الاستقرار الأسري.
وتمتد دائرة
التحديات إلى ارتفاع معدلات الفقر (100%)، والبطالة (80%) والتضخم (250%)، وفق
بيانات البنك الدولي، فضلاً عن تدني الخدمات الأساسية، وصعوبة العيش في ظل بيئة
النزوح، وتدهور الصحة النفسية، وارتفاع معدلات التوتر والاكتئاب، وفقدان الشعور
بالأمان، أو الثقة في المستقبل.
ويفاقم المأساة
استمرار الحصار، وتباطؤ وصول المساعدات الإنسانية، وإعادة الإعمار؛ ما يحد من فرص
الشباب في التعليم والعمل والزواج، ويجعل من الحياة في القطاع عبئاً ثقيلاً وواقعاً
مليئاً بالتحديات.
نافذة أمل
قسوة الأوضاع في
غزة كانت مثار استنكار لافت للانتباه، صدر هذه المرة عن العدو قبل الصديق، جارشد
كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، علق بعد أكثر من أسبوع على زيارته غزة
على حجم الدمار الهائل في القطاع، قائلاً «وكأن قنبلة نووية انفجرت هناك»!
لكن كوشنر ألمح
إلى شيء آخر خلال مقابلة مع برنامج «60minutes» على شبكة
«سي بي إس نيوز»، حين تابع قائلاً: «ثم رأيت الناس يعودون أدراجهم، فسألتُ الجيش «الإسرائيلي»:
إلى أين يذهبون؟ فقالوا لي: إنهم يعودون إلى المناطق التي كانت فيها منازلهم
المدمرة، إلى أرضهم، لينصبوا خيمة فوق الأنقاض».
هنا تكمن نقطة
القوة التي ينطلق منها المجتمع الغزاوي، وفي القلب منه الشباب، لإعادة الإعمار من
جديد، وبناء ما هدمه الاحتلال، والتمسك بروح العزيمة والإصرار على التشبث بالأرض
والحق الفلسطيني.
هذا الشباب الذي
انطلق راجعاً إلى بيته، يبحث عما بقي من حطامه، ينظف ولو حجرة بسيطة تأويه، أو
يفترش خيمة تقيه من حر الصيف وبرد الشتاء، لهو أجدر على تحدي ما يريده العدو، وإجهاض
مخطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية.
عندما ترى مشهد
العائلات في غزة وهي تسير عدة كيلومترات سيراً على الأقدام؛ لاستعادة ممتلكاتها، أو
ما تبقى منها من حطام، فإننا أمام شعب بدأ فعلياً إعادة الإعمار.
عملية بناء بدأت
من الوعي الجمعي للفلسطينيين، في محاولة لاستعادة مظاهر الحياة، وإزالة الركام،
واستئناف الدراسة، وإحياء خطط الزواج، وتأسيس مشروع صغير، ليولد الأمل من جديد.
يقول خبراء
برنامج «يونوسات» التابع للأمم المتحدة: إنه لكي تتعافى الزراعة في القطاع، ينبغي
تطهير الأرض من القنابل والقذائف والألغام غير المنفجرة، وإذا استطاع الغزيون
زراعة محاصيلهم بأنفسهم، فسيتمكنون من إطعام أنفسهم.
دعم عاجل
لا شك في أن
الحاجة ماسة إلى تفعيل آليات الدعم العربي والإسلامي للتقليل من آثار المشكلات
التي تواجه الشباب في قطاع غزة، عبر مبادرات بناءة وفاعلة للاستثمار في القوة
البشرية التي يتمتع بها المجتمع الفلسطيني.
من الضروري
مضاعفة الجهود الشعبية والحكومية والدولية لإعادة إعمار غزة في غضون سنوات، وتنفيذ
خطط إنقاذ عاجل للشباب، تشمل توفير فرص التعليم والعمل، وتقديم التمويل والخبرات
اللازمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ودعم مشروعات الزواج، وتبني الكفاءات
والمواهب الشبابية، وتأسيس محاضن إبداعية لهم.
يتطلب المستقبل
في غزة، بناء قاعدة معلومات حديثة حول أعداد الشباب، ومهاراتهم، وتخصصاتهم
الدراسية، بما يساعد على إعادة تأهيلهم بعد الحرب، من خلال برامج للتدريب
والتطوير، وبناء تحالف مؤسساتي ينهض بعبء الاهتمام بفئة الشباب في قطاع غزة.
اقرأ
أيضاً:
"كوماندوز".. فريق شبابي لتوفير لقمة العيش
في غزة
نجل الرنتيسي
في حوار لـ«المجتمع»: هذه رسائلي لأهل غزة وأمة الإسلام