رد «حماس» على خطة ترمب.. حنكة سياسية وتكتيك أعاد ترتيب الأوراق

إياد القطراوي

05 أكتوبر 2025

41

أثار ردّ حركة «حماس» على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب جدلًا واسعًا في الأوساط الدولية والعربية، السياسية والإعلامية، حيث اعتبره مراقبون تعبيرًا عن براعة سياسية وحنكة تفاوضية أسهمتا في إعادة تشكيل المشهد من جديد.

وقد رصدت «المجتمع» سلسلة من المواقف والردود العربية والدولية، إلى جانب تفاعلات الفصائل الفلسطينية وآراء عدد من الكتّاب والمحللين، حيث أجمع كثيرون على أن موقف الحركة فاجأ المتابعين وقلب التوقعات، كما فتح الباب أمام تساؤلات كبرى حول مستقبل المشروع الأمريكي ومآلاته في المنطقة، في وقت كانت فيه واشنطن و«تل أبيب» تراهنان على تمرير الخطة كأمر واقع.

ردود الفعل الدولية على موافقة «حماس»

في هذا الصدد دعا عدد من قادة العالم إلى المضي قُدمًا نحو اتفاق دائم لوقف إطلاق النار ينهي الإبادة الجماعية التي يتعرض لها قطاع غزة منذ نحو عامين.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: إن ردّ «حماس» على خطة وقف إطلاق النار في غزة يمثل خطوة بنّاءة ومهمة نحو تحقيق سلام دائم، مشددًا على أن «إسرائيل» مطالَبة بوقف هجماتها فورًا، والالتزام بالخطة، واتخاذ جميع الخطوات العاجلة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وإنهاء الإبادة وتحقيق الاستقرار.

من جهته، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الفرصة سانحة الآن لتحقيق تقدم حاسم نحو السلام، داعيًا إلى تنفيذ الخطة التي تتضمن تسليم الأسرى ووقف إطلاق النار دون تأخير.

أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر فعدّ قبول «حماس» لخطة السلام الأمريكية خطوة مهمة إلى الأمام، ودعا جميع الأطراف إلى التنفيذ العاجل للاتفاق، معتبرًا أن المنطقة باتت أقرب إلى السلام أكثر من أي وقت مضى.

ووصف المستشار الألماني فريدريش ميرتس موافقة «حماس» على خطة الولايات المتحدة بأنها أفضل فرصة لتحقيق السلام في غزة، وكتب على منصة «إكس»: طلاق سراح الأسرى والسلام لغزة في متناول اليد.

بدورها، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني: يجب أن تكون الأولوية للجميع الآن التوصل إلى وقف لإطلاق النار يؤدي إلى الإفراج الفوري عن جميع الأسرى.

ورحّب كل من رئيس الوزراء الأيرلندي مايكل مارتن، ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني بإعلان «حماس» موافقتها على خطة ترامب، باعتبارها خطوة تمهّد الطريق لوقف فوري لإطلاق النار وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة.

من جانبه، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن ارتياحه لردّ الحركة، داعيًا الجميع إلى اغتنام الفرصة لإنهاء الحرب.

ترحيب عربي وفصائلي

وفي السياق ذاته، رحبت دولة قطر بإعلان «حماس» موافقتها على خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة واستعدادها لإطلاق سراح جميع الرهائن ضمن صيغة التبادل الواردة في المقترح، بما يحقق نتائج عاجلة توقف نزيف الدم الفلسطيني.

وأكدت الدوحة أنها بدأت العمل مع شركائها في الوساطة بجمهورية مصر العربية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لاستكمال النقاشات وضمان الوصول إلى نهاية للحرب.

كما رحّبت مصر بموافقة «حماس» على خطة ترمب بشأن وقف إطلاق النار وحقن الدماء الفلسطينية، مؤكدة حرصها على الحفاظ على أرواح المدنيين الفلسطينيين ودعم تطلعات الشعب الفلسطيني في العيش بأمان واستقرار، وبناء دولته المستقلة.

واعتبرت وزارة الخارجية الأردنية أن الرد الإيجابي لحركة «حماس» على مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لإنهاء الحرب على قطاع غزة، خطوة مهمة نحو إنهاء الحرب وإحلال السلام.

فصائليًا، أكدت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أن الرد الذي قدمته حركة «حماس» على خطة ترمب تعبير عن موقف قوى المقاومة الفلسطينية، وأشارت إلى أنها شاركت بمسؤولية في المشاورات التي أدت إلى اتخاذ هذا القرار.

واعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن ردّ «حماس» جاء متوافقًا مع موقفها الداعي إلى وقف المحرقة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وضمان الانسحاب وإعادة الإعمار، مع الحفاظ على الثوابت الوطنية وحقوق الشعب وقضيته العادلة وتطلعاته المشروعة في الحرية والعودة وتقرير المصير.

ورحب تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة «فتح» بإعلان «حماس» موافقتها على خطة ترمب، التي تمهّد لوقف العدوان الوحشي وحرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتمنع تهجيره قسرًا من أرضه ودياره، وتُهيّئ الظروف الملائمة لاستكمال برنامج التحرر الوطني.

رد بارع ولغة دبلوماسية

ووصف الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة ردّ «حماس» بأنه حرص على لغة دبلوماسية؛ إذ رحّبت بالإيجابي وتجاهلت ما يتعارض مع حق الشعب في تقرير مصيره، وعكس مزيجًا من الواقعية السياسية والتمسك بالثوابت الوطنية، على اعتبار أن الحركة لم تتعامل مع الورقة ككتلة واحدة للرفض أو القبول، بل اختارت مقاربة تفصيلية تُميّز بين البنود التي يمكن الشروع فيها فورًا (مثل وقف الحرب، وانسحاب الاحتلال، ومنع التهجير) والبنود التي تمسّ جوهر الحقوق الفلسطينية (مثل نزع سلاح المقاومة وفرض الوصاية الدولية)، التي أحالتها الحركة إلى الموقف الوطني الجامع.

وأشار لوكالة شهاب الفلسطينية إلى أن الرد جاء بعد مشاورات واسعة داخلية وفصائلية ومع وسطاء إقليميين ودوليين؛ ما يمنحه طابعًا وطنيًا لا يعكس فقط موقف الحركة، وإنما موقف فلسطيني عام، وينسجم مع المواقف العربية والإسلامية التي عبّرت عن تحفظات واضحة على الخطة، سواء من مصر وقطر أو من باكستان؛ ما يجعل الموقف الفلسطيني أقرب إلى الإجماع الإقليمي والدولي.

بدورها، ألمحت الباحثة في الشأن السياسي أميرة النحال إلى أن ردّ حركة «حماس» كشف عن تحوّل ناضج في أدوات الخطاب السياسي؛ إذ يوازن بين الثوابت والمرونة الدبلوماسية، ويضع نتنياهو في مأزق: إمّا مواجهة رفض وطني متماسك للخطة، أو الظهور أمام العالم كمعرقل لأيّ تسوية.

كما جاء محسوبًا بذكاء سياسي ولغة تُخاطب عدة أطراف في آن واحد: الداخل الفلسطيني، الشارع العربي، القوى الدولية، وخصومها، حيث:

  • حافظ على سقف وطني عالٍ رافض للخطة دون تقديم أي تنازل يمكن أن يُفسَّر لاحقًا كقبول ضمني.
  • قدّم لهجة عقلانية تُظهر الحركة كفاعل سياسي مسؤول، ما يعزّز شرعيتها أمام العواصم الإقليمية والدولية.
  • لم ينزلق إلى لغة الاستفزاز أو المزايدة، بل اختار هدوءًا ماكرًا يُربك خصومه، خصوصًا نتنياهو الذي راهن على ردود غاضبة تُبرّر قمع المقاومة.
  • ووجّه رسالة إلى نتنياهو عبر إسقاط رهانه على الانقسام، مفادها أن «حماس» لن تنجرّ إلى معركة جانبية تخدم الاحتلال في شقّ الصف الفلسطيني، والتذكير بأن أي تسوية لن تمرّ دون توافق وطني؛ ما يضع نتنياهو في مواجهة جدار فلسطيني صلب بدل الرهان على استثمار الانقسام.

كما قدمت الحركة رؤية ذكية في إدارة التناقضات الدولية؛ إذ رفضت الخطة سياسيًا من موقع المدافع عن القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني، وليس من موقع أيديولوجي ضيّق، وأحرجت بعض القوى الغربية التي تسوّق للخطة بذريعة الواقعية السياسية، وأعادت تعريف المقاومة كحق مشروع ضد الاحتلال، وأفشلت محاولة نتنياهو عزلها أو تصويرها كجهة متشددة ترفض السلام.

وأعاد الكاتب والمحلل السياسي عامر الهزيل التأكيد على وصف الرد بأنه ذكي وبارع، لأنه لم يمنح ترمب، ولا نتنياهو، ما كانا يسعيان إليه من هزيمة واستسلام وتسليم رأس المقاومة.

ولفت إلى أن هذا الدهاء السياسي في الرد لم يترك مجالًا لأحد لاتهام الحركة بمسؤولية استمرار الحرب، وقلب المشهد والطاولة على «إسرائيل»، حين وافقت على الخطة بما يخدمها، ورفضت البنود التي تستهدف القضية الفلسطينية والمنطقة العربية والإسلامية.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة