دور وسائل التواصل الاجتماعي في محاربة المنكرات

عامر شماخ

08 مايو 2025

98

تُعرَّف وسائل التواصل الاجتماعي بأنها تلك المنظومة الإلكترونية المستحدثة التي تمنح المشتركين فيها فرصة الاتصال بالآخرين وتبادل وجهات النظر معهم، على نطاق واسع، عبر مجموعة كبيرة من الخدمات، بالصوت والصورة. وقد غزت هذه الوسائل كل بيت حول العالم، كأقوى وسيلة اتصال في الوقت الحاضر، حتى غدتِ الشغلَ الشاغل لنحو خمسة مليارات من البشر، من مختلف الأجناس والأعراق والأديان والثقافات والفئات العمرية. 

وتتنوع هذه الوسائل حسب طبيعة استخدامها ومحتواها؛ فأشهرها وأكثرها انتشارًا منصات الشبكات الاجتماعية، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«لينكد إن»، والتي تستخدم كوسيلة لتبادل الأخبار ومشاركة الآراء. وهناك منصات مشاركة الصور والفيديوهات، مثل «إنستجرام» و«يوتيوب» و«تيك توك»، والتي تستخدم للتوعية والترفيه والتسويق. وهناك منصات التراسل الفوري، مثل «واتساب» و«تيليجرام» و«ماسنجر». هذا سوى منتديات النقاش وتبادل الخبرات، ومدوّنات النشر، ومنصات المراجعة والتقييم، وغيرها. 

مميزات وأخطار

تمتاز وسائل التواصل الاجتماعي عن غيرها من الوسائل التقليدية بقدرتها على إيجاد تفاعل مباشر بين المشاركين، وإمكانية الانتشار الواسع والسريع وغير المعهود، إضافة إلى سهولة الاستخدام وانخفاض التكلفة، والإتاحة للجميع دون تمييز، فضلًا عن خاصية البقاء، عكس الزوال في الوسائل التقليدية، فيمكن حفظ المادة المنشورة بالأرشفة والتوثيق والرجوع إليها عند الحاجة. وقد ساهمت تلك المميزات في التعلم واكتساب المهارات، وفي تقليل حواجز الاتصال وتشكيل رأي عام فعّال، وفي توسيع دائرة العلاقات الاجتماعية، وفي الترويج بشكل جيد للسلع والمنتجات ودعم الاقتصادات.

وهذه المميزات أيضًا هي ما جعلت علماء المسلمين يجمعون على أهمية هذه الوسائل، إذا ما التزمت بضوابط الشرع، كفرصة لنشر الدعوة والتعريف بالدين الحق، وكوسيلة للتعارف بين البشر، بعدما أزالت كثيرًا من الحواجز بينهم، وأتاحت أبوابًا لا تُحصَى للخير، بما ينسجم مع الفطرة الإنسانية ونداء الإسلام: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...) [الحجرات: 13]. ومن ضوابط الشرع الخاصة بهذه الوسائل: ألّا تستخدم لنشر الفواحش والمنكرات، أو الترويج للعقائد الباطلة والأفكار الهدّامة والقيم المنحرفة، أو التعدي على حقوق الآخرين وخصوصياتهم، أو استخدامها للنصب والاحتيال.


3 تبعات شرعية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعية |  Mugtama
3 تبعات شرعية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعية | Mugtama
تعتبر شبكات التواصل الاجتماعي من الوسائل الحديثة ا...
mugtama.com
×


دورها في محاربة المنكرات

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفهوم إسلامي عظّمه الشرع الحنيف فجعله فرضًا على المسلمين؛ (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104]، والمعروف هو ما تعارفته العقول واتفق مع الفطرة، والمنكر ما قبّحته الأفهام لمنافاته للفطرة. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه صلاح المجتمع ونجاة الأمة، ووردت في ذلك أخبار وآثار شتى. وقد غدتْ وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وسيلة مهمة لممارسة هذا الواجب المستحق على كل مسلم ومسلمة، وكلٌّ يعملُ على قدر استطاعته.

ونظرًا لما تملكه هذه الوسائل من قدرة على التأثير والوصول السريع لعقول وقلوب مرتاديها، يمكن الاستفادة منها في محاربة المنكرات بما يأتي:

- الذَّبُّ عن قيمنا الدينية والروحية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة والمعلومات المغلوطة؛ والرد على حملات تشويه الإسلام، وتفنيد الشبهات التي يروج لها أعداؤه، والاستفادة في ذلك بما توفره الشبكة من وسائل صوتية وبصرية مؤثرة.

- الدفاع عن حرمات المسلمين وأعراضهم؛ وكفّ التحريض عليهم والتحريش بهم، وإخراس ألسنة السوء ممن يحبون أن تشيع الفاحشة بين إخوة الدين، أو يتعرضون لحياة المسلمين الخاصة.

- التحذير من الظواهر المجتمعية السلبية والسلوكيات الضارة؛ كالظلم والفساد والغش وتعاطي المخدرات والمسكرات والتحرش والرذيلة وسائر الانحرافات الأخلاقية، والتحذير منها، وبيان خطورتها.

- مطاردة الحسابات المشبوهة والمحتويات الهابطة ومنصات المنافقين؛ بالإبلاغ عنها، والوقوف في طريق ترويجها والحد من انتشارها.

- التصدي للشائعات وحملات الذباب الإلكتروني ممن يهدفون إلى تزييف الرأي العام والعقل الجمعي؛ بتفنيد شائعاتهم، وإزالة لغطهم وتشويشهم، وفضح كذبهم وفساد توجههم.

ومما لا شك فيه أنه يترتب على إنكار المنكر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مصالح عظيمة؛ ففضلًا عن كونه ربحًا لصاحبه الذي يغتنم الأجر والثواب جرّاء نشره الوعي وقيامه بتلك الفريضة؛ فهو يردع أصحاب المنكرات، ويدفع الأخطار عن المجتمع، ويقوي رقابته الذاتية، ويعزز الإصلاح والنهوض، ويقدم القدوة الحسنة لمتابعيه، وقد يكونون بالآلاف أو الملايين، وهذا في حد ذاته يشجع الآخرين على النصح لله، والسعي في خلق بيئة إيجابية ومجتمع فاضل. ولكن تبقى هناك ضوابط لإنكار المنكر عبر هذه الوسائل.


المفكر السوري عبدالكريم بكار لـ«المجتمع»: تيار شهواني يجتاح العالم.. ولا بد أن يُواجَه بتيار روحاني |  Mugtama
المفكر السوري عبدالكريم بكار لـ«المجتمع»: تيار شهواني يجتاح العالم.. ولا بد أن يُواجَه بتيار روحاني | Mugtama
تقدم وسائل التواصل الاجتماعي والثورة الرقمية التي نعيشها، جعل الشباب وجهاً لوجه مع فرضيات جديدة
mugtama.com
×


ضوابط إنكار المنكر على «السوشيال ميديا»

جملة من الضوابط يقررها العلماء على كل من يتعرض للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإنترنت، في شخصه أولًا، ثم في المحتوى الذي يقدمه. فمن جملة الضوابط المتعلقة بالشخص نفسه: أن يتوفر لديه الإخلاص والنية الحسنة في نشر الخير، واستحضار رقابة الله، والشعور بأمانة الكلمة، وأن يكون متقنًا لفن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، واللين مع المخالف؛ لئلا ينفر الناس من الدعوة، وألّا يجرِّح شخصًا أو هيئة، وألا يقع في غرور، وأن يعلم أنه يمثّل الدين قبل أن يمثل نفسه، وأن يكون على علم بالمنكر وحدوده، وبمراتب المصالح والمفاسد.

ومن جملة الضوابط المتعلقة بالمحتوى:

- عدم نقل المنكرات بهدف إنكارها؛ إذ يحرِّم علماء المسلمين هذا الأمر، ويعتبرونه من تلبيس إبليس وترويج للفاحشة، فالأصل وجوب الستر وصيانة المجتمع؛ (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) [النساء: 148، 149]. 

- أن تتحقق المصلحة بإنكار المنكر؛ وألا يؤدي إنكار المنكر لمنكر أعظم منه، وإلا فيقدِّم الإنكار السري على العلني، بالنصح على الخاص، إلا إذا كان المنكر عامًّا قد انتشر على نطاق واسع.

- التثبت من صحة المنكر؛ وعدم إلقاء الكلام على عواهنه، بل التحقق من الخبر قبل ترويجه؛ لئلا يُظلمَ أبرياء، وهذا من أعظم الحرمات؛ (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور: 15]، «كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكل ما سمع» [مسلم].

- عدم التشهير بالآخرين أو الإساءة إليهم؛ أو التنمر بهم والسخرية منهم، فالداعية الحصيف من ينظر إلى الفعل لا الفاعل، وأن يصبر على الأذى، وألّا يرد الإساءة بمثلها إذا أسيء إليه.

- تقديم البديل الحسن والرأي النافع؛ ويستحب الرجوع في ذلك إلى أهل العلم والمتخصصين إن احتاج الأمر ذلك، وأن يتحلى الداعية بالنزاهة العلمية، وتجنب المبالغة وتضخيم الأمور، واحترام حقوق الملكية الفكرية، والأمانة في نقل النصوص؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة