اليهود والعالم والمال

الحقيقة أننا لا
نضيف جديدًا إن قلنا: إن موضوع الكتاب شائك وملتبس، وإن سهام النقد لا بد أن تصيب
مَنْ يتصدَّى للكتابة عنه، وإن حاول أن يكون موضوعيًّا قدر ما يستطيع، ولنا في
موسوعة د. عبدالوهاب المسيري عن اليهودية والصهيونية خير دليل على ذلك، فقد تعرَّض
د. المسيري رحمه الله لانتقادات الجميع، لقد رأينا من يتهمونه بمحاباة اليهود،
ويطعنون في عروبته، بل وفي إسلامه، كما رأينا من يصفونه بمعاداة السامية
ويتوعَّدونه بالويل والثبور.
لقد كرَّس د.
جاك أتالي، مؤلف الكتاب، عمله الضخم، الذي يُضاف إلى آلاف المؤلفات التي تناولت
هذا الموضوع، لإيضاح مراحل تاريخ علاقات اليهود بغيرهم من الجماعات الإنسانية
وبالمال، عصب الحياة، ابتداءً من العام 2000 ق.م وحتى وقتنا الراهن، بل إنه قد
حاول استطلاع ما سيكون عليه الحال نحو عام 2050م.
وقد طرح المؤلف
العديد من الأسئلة التي كان بعضها جارحًا وتولَّى بنفسه الإجابة عنها مقدمًا في كل
حالة وجهتي نظر، إحداهما موالية والأخرى معارضة تاركًا للقارئ حرية الاختيار، وإن
بدا لنا أن أتالي كان يلتمس العذر لليهود في كل مرة.
كما اعتمد
المؤلف على التوراة، وربط بين كل سفر من أسفارها والمراحل الخمس الأساسية لتاريخ
اليهود الحقيقي، وهنا يجب أن نلفت الأنظار إلى أن علماء الآثار ينكرون الطرح
التوراتي تمامًا؛ لأنه لا يستند إلى أي آثار مادية.
ونستطيع أن نقول
باطمئنان: إن الكتاب لا يتبنَّى خطابًا صهيونيًّا، وإن نهايته توضح هذا بكل جلاء،
غير أن ذلك لا يمنع من أن تكون لنا بعض الملاحظات المتعلقة باختيارات الكاتب
لمفرداته، التي رأينا فيها يهوديته.
يقول المؤلف: لم
يعد أحد يجرؤ على الكتابة حول هذا الموضوع، كما لو كانت قروناً من الزمان لم تُفِد
إلا في إذكاء نيران المحارق، ومن هذا الواقع، فإن هذا الكتاب، ومن خلال وجوده
ذاته، مهدد بأن يكون مصدرًا لألف سوء تفاهم.
يقول المؤلف:
بمجرد أن نتناول بالبحث موضوعًا ما، فإننا نسعى إلى تعظيم أهميته، هنا كانت
المجازفة كبيرة في المبالغة في تقدير دور المال في تاريخ الشعب اليهودي، دور الشعب
اليهودي في العالم، إن عزمي على سرد هذا التاريخ، ربما يسمح باعتقاد أن هناك شعبًا
يهوديًّا موحدًا، غنيًّا، مؤثرًا، خاضعًا لقيادة مركزية موحدة، تباشر تفعيل
إستراتيجية للسيطرة على العالم من خلال المال، من هنا ربما التقينا بخيالات وأوهام
اجتازت كل العصور.
ثم يؤكد المؤلف:
علاوة على ذلك، فإن الكتاب ليس كالحوار يمكن إنهاؤه، ويمكن التحكم في مجراه، بل
إنه ليس مثل هذه النوادر -هناك الكثير منها حول هذا الموضوع- التي تسمح بالسخرية
من كل شيء بشرط ألا يكون ذلك مع أي من كان، تخرج مخطوطة الكتاب عن سيطرة كاتبها
بمجرد نشرها، حيث يساعد الكتاب بعض القُرَّاء على التأمُّل، وبعضهم الآخر على
تغذية خيالاتهم، وعليه ينبغي للكاتب، في أثناء كتابته، أن يهيئه لجميع مآلاته، بما
في ذلك أكثرها تزويراً.
يقول المؤلف: من
أجل هذا، يجب علينا الإجابة عن أسئلة صعبة: هل كان اليهود هم هؤلاء المرابون الذين
حفظ التاريخ ذكراهم؟ هل حرصوا على أن تكون لهم بالمال علاقة خاصة؟ هل كانوا أصحاب
دور مميز في النظام الرأسمالي؟ هل استفاد اليهود دومًا من الحروب والأزمات لتكوين الثروة؟
أم بالعكس، لم يصبحوا مصرفيين، أو صاغة أو سماسرة إلا عندما مُنِعوا من مزاولة أي
مهن أخرى؟ هل هم اليوم أرباب العولمة، أم أنهم أعتى خصومها؟