الوقف في الكويت.. من تراث الأجداد إلى محرك للتنمية المستدامة

يُعتبر الوقف في الكويت جزءًا لا يتجزأ من ثقافة وتاريخ المجتمع الكويتي، إذ يمتد هذا التقليد العريق إلى قرون عدة، ومنذ العصور القديمة، كان الوقف يُستخدم كأداة رئيسة للتمويل الذاتي للمشاريع الخيرية، والاجتماعية، والتعليمية والصحية، وقد أصبح الوقف أحد الأسس التي بنيت عليها العديد من المؤسسات الدينية والاجتماعية في الكويت، كما عُرف بدوره الفعال في خدمة المجتمع المحلي والعالمي.

ومع تطور الزمن وتحولات الاقتصاد، بدأ الوقف في الكويت يشهد تطورًا في آلياته وأهدافه، ففي عصرنا الحالي، لم يعد الوقف مقتصرًا على الأغراض الدينية فقط، بل أصبح أداة إستراتيجية في تحقيق التنمية المستدامة، ومن خلال استغلال موارد الوقف وتنميتها، يمكن توفير التمويل للمشاريع التنموية التي تساهم في تعزيز الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية في الكويت.

يهدف هذا التقرير إلى استعراض تطور الوقف في الكويت، من كونه تقليدًا تاريخيًا مرتبطًا بالأنشطة الدينية، إلى أن أصبح أداة مؤثرة في دعم التنمية المستدامة في مجالات متعددة.

الوقف بالكويت في العصور القديمة

الوقف في الكويت كان جزءًا من التقليد الإسلامي الذي بدأ في العصر العباسي، حيث قام المسلمون بتخصيص أموال أو ممتلكات لتمويل مشاريع خيرية، مثل بناء المساجد والمدارس والمستشفيات، ويعود أقدم الوقفيات في الكويت إلى القرن التاسع عشر، حيث كانت الكويت تشهد حركة اجتماعية ودينية نشطة.

واستُخدم الوقف بشكل رئيس في تمويل المشروعات الدينية والاجتماعية، على سبيل المثال، كان الوقف يخصص لبناء المساجد، وتنظيم البرامج التعليمية للأطفال، وتوفير الغذاء للفقراء.

المؤسسات الوقفية الأولى في الكويت

من بين أولى المؤسسات الوقفية في الكويت التي تركت أثراً واضحاً «وقف الشيخ عبدالله بن ثنيان»، الذي كان يُستخدم لصالح تعليم الأطفال، وتوفير الاحتياجات الأساسية لأهل الكويت، وقد أسهم الوقف في بناء «مدرسة المباركية» في عام 1911م، التي تعتبر من أقدم المدارس في الكويت.

تطور الوقف بالكويت.. من التقليدي إلى المؤسسي

مع تقدم الزمن، خاصة في منتصف القرن العشرين، بدأ الوقف في الكويت يتخذ شكلًا أكثر تنظيمًا وإدارة، في عام 1962م، تأسست «اللجنة العليا للوقف» تحت إشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهي اللجنة التي تهدف إلى تنظيم أموال الوقف وإدارتها بشكل يضمن تعظيم الفائدة منها.

تحت هذا النظام المؤسسي، بدأ الوقف يُستخدم في دعم المشاريع الكبرى مثل بناء الجامعات، المستشفيات، وتقديم الدعم للمشاريع التنموية الأخرى، وقد شهد الوقف الكويتي تطورًا من مجرد تصرفات فردية إلى أداة مؤسسية تساهم في بناء البنية التحتية الاجتماعية.

التطورات القانونية والتشريعية

أصبح للوقف في الكويت إطار قانوني أكثر تطورًا من خلال إصدار العديد من القوانين التي تهدف إلى تنظيمه وتحقيق أعلى درجات الشفافية في إدارتها، من أبرز هذه القوانين «قانون الوقف رقم 24 لسنة 1962»، الذي نظم الوقف وأتاح الفرصة لإنشاء مؤسسات وقفية مستقلة يمكنها إدارة أموال الوقف وتخصيصها للأغراض التنموية.

كما أسهم هذا القانون في وضع آليات لرقابة شفافة على الأوقاف، وذلك من خلال مراكز مختصة بتقييم الأوقاف، لضمان وصول العوائد لصالح المشاريع الخيرية والاجتماعية المستدامة.

كأداة للتنمية المستدامة.. الوقف والتعليم

من أبرز المجالات التي دخلت فيها أموال الوقف في الكويت التعليم، فقد أسهم الوقف في دعم بناء المدارس والجامعات، وكذلك تقديم المنح الدراسية للطلاب الموهوبين من الأسر ذات الدخل المحدود، على سبيل المثال، تُعد جامعة الكويت إحدى المؤسسات التي استفادت من أموال الوقف، حيث تم تمويل العديد من مشروعاتها من خلال الأوقاف.

وقد أدت هذه المشاريع إلى تحسين جودة التعليم وزيادة فرص التعليم العالي للكويتيين والمقيمين على حد سواء، كما أصبحت العديد من المؤسسات التعليمية تشارك في إدارة الأوقاف كجزء من خططها التمويلية.

الوقف والرعاية الصحية

بدأت أموال الوقف تُوجه أيضًا إلى القطاع الصحي في الكويت، حيث تم تأسيس مستشفيات ومراكز صحية عبر تمويل أموال الوقف، أبرز الأمثلة على ذلك «المستشفى المبارك» الذي أسس من أموال الوقف في الستينيات.

وتستمر الكويت في استخدام أموال الوقف في إنشاء مراكز صحية جديدة، التي تُقدم خدمات طبية مجانية أو مدعومة لفئات المجتمع المختلفة، لا سيما في المناطق التي تفتقر إلى الخدمات الصحية المتكاملة.

الوقف والتنمية الاجتماعية

الوقف في الكويت أصبح يساهم في تمويل المشروعات التنموية الكبرى مثل مشاريع الإسكان وتوفير المساعدات للأسر المحتاجة، وقد تم إنشاء العديد من الجمعيات الخيرية التي تتولى توزيع أموال الوقف على الأفراد المحتاجين للمساعدة، سواء في داخل الكويت أو خارجها، وقد أدى الوقف دورًا مهمًا في الإغاثة خلال الأزمات الإنسانية، مثل الحروب والكوارث الطبيعية.

وتُعد الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، التي تم تأسيسها في عام 1980م، من أبرز المؤسسات الكويتية التي تعمل على استثمار أموال الوقف في مشروعات إغاثية على مستوى العالم.

التحديات التي تواجه الوقف في الكويت

1- التحديات القانونية والإدارية:

رغم التطور الكبير الذي شهده الوقف في الكويت، فإن هناك العديد من التحديات التي تواجهه، من أبرز هذه التحديات، نقص الكوادر المؤهلة لإدارة الأوقاف بطرق أكثر كفاءة وشفافية، بالإضافة إلى وجود حاجة لتطوير الأنظمة القانونية التي تحكم الوقف، بما يتماشى مع المتغيرات الاقتصادية العالمية.

2- التحديات الاقتصادية:

تتأثر أموال الوقف بتقلبات السوق والظروف الاقتصادية، حيث يعاني الوقف في بعض الأحيان من تراجع عوائد استثماراته بسبب الأزمات المالية أو تقلبات أسعار الأسهم والعقارات، هذا يتطلب وجود إستراتيجيات مرنة وفعّالة في استثمار أموال الوقف.

3- التحديات الثقافية والاجتماعية:

في بعض الأحيان، يُواجه الوقف تحديات متعلقة بالثقافة الاجتماعية، حيث قد لا يكون هناك وعي كامل حول كيفية استثمار أموال الوقف بطرق تعود بالفائدة الكبيرة على المجتمع، كما أن بعض الأوقاف قد تكون غير فعالة أو غير مستغلة بالشكل الأمثل بسبب انعدام التخطيط المستدام.

الوقف في الكويت يمثل تاريخًا طويلًا من العطاء والتضامن الاجتماعي، وقد تطور هذا التقليد من مجرد ممارسات فردية إلى منظومة مؤسسية متكاملة تُسهم في دعم التنمية المستدامة في مجالات متعددة، من التعليم إلى الصحة إلى التنمية الاجتماعية، اليوم، يُعتبر الوقف في الكويت إحدى الأدوات الإستراتيجية التي تساهم في تعزيز التنمية المستدامة والرفاه الاجتماعي.

ورغم التحديات التي يواجهها، فإن الوقف لا يزال يمثل ركيزة أساسية في البناء الاجتماعي والاقتصادي للكويت، إن استدامة الوقف وتحسين إداراته وتطويره بما يتماشى مع تطورات العصر هو السبيل لضمان استمرارية تأثيره الإيجابي في المجتمع الكويتي والعالمي.

____________________

1- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية.

2- كتاب «الوقف في الكويت.. تاريخ وعطاء».

3- أبحاث ودراسات من «مركز دراسات الوقف» بالكويت.

4- مقال «الوقف والتنمية المستدامة في الكويت» في مجلة «البحوث الاقتصادية».

5- قانون الوقف الكويتي رقم (24) لسنة 1962م.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة