المشرَّدون ما زالوا في العراء
تعيد نسمات
الهواء الباردة التي تلفح وجنتي المهجرة «عارفة العطار» ذكريات الشتاء الماضي
القاسية التي عاشتها داخل خيمة متهاوية أثقلتها الثقوب، وأذابتها الأمطار، بفعل
الحرب الصهيونية الأخيرة على قطاع غزة.. تجلس العطار -وهي في الأربعين من عمرها-
أمام خيمتها المهترئة، والخوف يأكل قلبها نتيجة تكرار التهديد الصهيوني بإعادة ضرب
قطاع غزة مجدداً في الذكرى الأولى للحرب.
وتبدو الخيمة
المرقعة التي تقيمها العطار فوق ركام منزلها لا تقي حر شمس ولا برد شتاء، لكنها
تقول: «حسبي الله ونعم الوكيل.. الاحتلال دمر بيتنا المكون من طابقين، وشردنا.. لم
يعد لنا مأوى سوى هذه الخيمة».
وتستذكر العطار
الليلة التي وصفتها بـ«السوداء»، والتي داهمت فيها دبابات الاحتلال حيهم الواقع
إلى الشمال من قطاع غزة، وتقول: «إن الجنود الصهاينة اعتقلوا الرجال ودفعوا
بالنساء للنزوح في منتصف الليل إلى غزة بلا مأكل أو ملبس، تاركين خلفهم أملاكهم
وأموالهم».. وتضيف باكية: «لم يراع الجنود أنني حامل، وقد أخذت أركض مع جموع
الهاربين من الموت، وكان الجند يطلقون النار بشكل عشوائي، لم يرحموا صغيرا أو
كبيرا».
ولم يكن أمام
الأربعينية إلا اللجوء إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» كملاجئ
لإيواء المشردين قضوا خلالها ما يزيد على عشرة أيام «كانت من أقسى أيام حياتنا»
كما تقول.
الأمم المتحدة: الجيش «الإسرائيلي» دمر 3500 وحدة سكنية بالكامل والقطاع يحتاج إلى 60 ألف وحدة بشكل عاجل لإيواء المتضررين
وتتابع العطار:
«عندما أُعلن عن انتهاء الحرب عدنا إلى منزلنا فوجدناه أثرا بعد عين؛ حيث فقدنا
أموالنا ومنزلنا وأصدقاءً وجيرانًا كانوا بيننا.. ليس من يسمع کمن شاهد المأساة!
وها نحن مر علينا عام كامل ونحن قاطنون في هذه الخيمة البائسة، ولم يلتفت أحد إلى مأساتنا».
إعمار غائب
ويعيش المئات من
أهالي غزة في مخيمات أقامتها جهات إغاثية لإيوائهم بعد تدمير منازلهم خلال الحرب
الأخيرة على القطاع مطلع العام الحالي.. ولا تزال بوادر الإعمار تغيب عن القطاع،
في ضوء التجاذب السياسي الحاصل على الساحة الفلسطينية، والذي يحول دون تقديم الدول
المانحة أي دعم لإعادة إعمار غزة.
من جانبه، أوضح
إبراهيم رضوان وكيل وزارة الإسكان أن هنالك حوالي 60 ألف أسرة متضررة جراء الحرب
على غزة، موضحاً أن 3500 أسرة دمرت بيوتها بشكل كلي ولم يتم بناؤها حتى الآن.
وأكد أن الحكومة
ووكالة غوث اللاجئين ومنظمة (UNDB) قدمت مساعدات مادية للمتضررين كل حسب الضرر
الذي وقع عليه، موضحا أن الحكومة قدمت لـ120 أسرة غرفاً صغيرة متنقلة (كرافانات).
وعن سبب تأخر
بناء البيوت المدمرة قال رضوان: «الحصار وقلة مواد البناء أخرتنا عن مشاريع بناء
البيوت المدمرة»، موضحاً أنه رغم ما يعيشونه من حصار لكنهم عملوا على ترميم خمسة
آلاف بيت آيل للسقوط بالتعاون بين الحكومة والبنك الإسلامي للتنمية.
وحذرت منظمات الأمم المتحدة العاملة في قطاع غزة من كارثة إنسانية تضرب القطاع المحاصر منذ
يونيو 2007م، وتزيد معاناة سكانه بحلول فصل الشتاء وما يصاحبه من برودة قارسة
ورياح عاصفة وأمطار غزيرة.
وقالت المنظمات
في تقرير لها: «فصل الشتاء سيتسبب في كارثة إنسانية بغزة فالخيام التي تقطنها
العائلات التي هدمت القوات «الإسرائيلية منازلها خلال عدوانها الأخير على القطاع
لا تستطيع الصمود في وجه الرياح والأمطار».
ومن بين
المنظمات التي أصدرت هذا التقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة
(يونسكو)، وبرنامج الغذاء العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.. وجاء في
التقرير أن «الجيش «الإسرائيلي» دمر أكثر من 3500 وحدة سكنية بالكامل على رؤوس
قاطنيها، وشرد عشرات الآلاف من الأسر، وألحقت شظايا نيرانه وقذائفه الصاروخية
أضراراً جسيمة بخمسين ألف وحدة سكنية.. ويحتاج القطاع إلى نحو 60 ألف وحدة سكنية
بشكل عاجل لإيواء المتضررين من الحرب بتكلفة مليار دولار أمريكي على الأقل».
وأوضح التقـريـر
أن «الحـصـار "الإسرائيلي" الذي يمنع مواد البناء عن القطاع منذ قرابة
أربع سنوات يجعله بحاجة إلى 4000 طن يوميا من الإسمنت و100 طن يوميا من الحديد»،
مشددًا على أن «الفلسطينيين الذين يعيشون في خيام الإيواء لا يجدون حاليا حتى
الخيمة لإيوائهم بعد أن قطعت بفعل الشمس الساطعة خلال الصيف أو تـطـايـرت بفعل
الرياح الخماسينية الأخيرة»(1)!
للمزيد:
- لمن تدق الأجراس في «تل أبيب»؟!
- علاقة الصهيونية بالنازية
- الحركة الصهيونية عوامل النهوض والانهيار
__________________
(1) نُشر بالعدد
(1882)، 9 المحرم 1431هـ/ 26 ديسمبر 2010م، ص28.