المدارس القرآنية في ساحل العاج.. تراث إسلامي مقدَّس

محمد الحداد

18 نوفمبر 2025

39

ساحل العاج، أو بالفرنسية «كوت دي ڤوار»، دولة في غرب أفريقيا، تحدها من الشرق غانا، ومن الشمال مالي وبوركينافاسو، ومن الغرب غينيا وليبيريا، ومن الجنوب المحيط الأطلسي، عاصمتها السياسية ياموسوكرو، والثقافية أبيدجان، لغتها الرسمية الفرنسية، ويتحدث عموم الناس لغات عدة، أوسعها انتشاراً الجولا والبمبارية، عدد سكانها 31 مليون نسمة، يشكل المسلمون منهم حسب آخر الإحصاءات الرسمية 43%، وتوصلها الإحصاءات شبه الرسمية إلى قرابة 60%؜ وهو الأقرب للواقع.

تاريخ الإسلام في ساحل العاج

عرفت ساحلُ العاج الإسلامَ في أزمنة متأخرة، وكان أولها عند دخول التجار المسلمين من الشمال الأفريقي، ثم اتَّقدت الشرارة الأولى للانتشار بين عموم الناس عند إسلام زعماء قبيلة الماندينغو في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي، الذين استطاعوا تأسيس أول اجتماع للمسلمين في شمال ساحل العاج بعد إسلامهم بمدة يسيرة وقت استقلالهم عن مملكة غانة.

وتوالت الممالك الإسلامية الواصلة إلى تلك المنطقة، حتى حصل الحدث الأهم في تاريخ الإسلام في ساحل العاج بولادة المصلح الكبير ساموري توري عام 1830م -على وجه التقريب- في غينيا، الذي سيكتب فصلاً جديداً من الوجود الإسلامي بتأسيسه ما يسمى سلطنة واسولو، التي امتدت عبر شمال وشرق غينيا الحالية، وشمال شرق سيراليون، وجنوب مالي، وشمال كوت ديفوار.

ورغم انحسار هذه الدولة سريعاً بسبب الاحتلال الفرنسي؛ فإن أثر توري في انتشار الإسلام بساحل العاج والارتباط الوثيق بين المسلمين فيها بمن حولهم ممن في الدول المجاورة؛ جعلته بطلاً عظيماً وملهماً لعموم المسلمين حتى الآن.

واقع التعليم الشرعي

على كثرة الدوافع الموجودة عند عموم المسلمين الذين يتمسكون بالحفاظ على هويتهم في ساحل العاج؛ فإننا نستطيع القول بأن التعليم الشرعي في ساحل العاج لا يقوم إلا على جهود ذاتية لا تنافس التنظيم والترتيب الذي يلاقيه التعليم الرسمي، وذلك مما يظهر بأقل النظر والمقارنة بين الاثنين، فإن المدارس الرسمية المعتمدة على التعليم باللغة الفرنسية مخدومة من الدولة غاية الخدمة، فهي مدارس نظيفة مرتبة الأبنية ذات مظهر حسن وواسعة، بخلاف المدارس التي تدرس باللغة العربية؛ فإنها في معظمها مجرد غرف متناثرة في الأحياء، وأحياناً تكون مصلى لأهالي المنطقة أو في دور علوي لأحد المساجد.

وكذلك أيضاً يبذل الطلاب القادرون أجراً شهرياً رمزياً لاستمرارها، فلا يتلقى المعلم فيها أجراً ذا بال، بل يجتهد في العمل في عدة مدارس لسد بعض حاجاته الأساسية، وليست كل المدارس في حال واحدة، بل تتباين بشكل كبير سواء في المناهج أو طرق التدريس أو شمولها لسائر الأعمار.

المدارس والكتاتيب

تنقسم المدارس التي تدرس القرآن وعلوم الشريعة في ساحل العاج إلى 3 أقسام رئيسة:

1- مدارس على درجة عالية نسبياً من التنظيم، وهذه نادرة تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة في عموم البلاد، وفيها يدرس الطالب اللغة العربية من مستوياتها الأولى وحتى إتقان قواعد الصرف والنحو والبلاغة وحفظ شيء يسير من الأدب العربي، مع دراسة القرآن وتجويده وتفسيره واثنتين من قراءاته على الأقل، مع دراسة العقيدة والفقه، وغالباً ما يصل الطلاب فيها إلى مراحل متقدمة حتى دخول الجامعة، وهي تجمع بين دراسة اللغتين العربية والفرنسية، حتى يُسمح للطالب فيما بعد الالتحاق بالجامعات التي تُدرس علوم الشريعة.

2- مدارس أهلية، وهي أكثر من المدارس الأولى ودون الثالثة، وفيها يدرس الطالب مبادئ اللغة العربية والفقه والتوحيد والحديث والسيرة حسب منهج تعتمده الدولة، مع قدر يسير من القرآن، وكثيراً ما يدير تلك المدارس أساتذة صوفيون فيزيدون على ذلك المنهج أوراداً من الطريقة التيجانية أو القادرية.

3- الكتاتيب؛ وهي أكثر انتشاراً من السابق ذكرها، ولا يكاد يخلو حي منها، وهي متواضعة للغاية، قد لا تزيد مساحتها على غرفة صغيرة يتكدس فيها عدد لا بأس به من الطلاب، لا سيما الصغار ممن دون العاشرة، وغالباً ما تكون رديفة لمصلى صغير، أو تكون هي في ذات المصلى، وأحياناً تكون بجانبه في العراء، وفيها يدرس الطلاب القراءة والكتابة من ملخصات صغيرة ينسخونها من كتاب لعدم استطاعتهم شراء الكتب، وغالباً ما تكون بطريقة القاعدة البغدادية أو حديثاً نور البيان، ويحفظون فيها قصار السور، مع تعليم كيفية الوضوء والصلاة.

ولا شك أن ما يحتاجه التعليم الشرعي في سائر بلاد المسلمين يكاد يتضاءل في جنب ما تحتاجه الدول الأفريقية، وتلك مسؤولية عظمى يجب أن تتضافر جهود المسلمين في شتى بقاع الأرض على القيام بها.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة