الكورتيزول والتوتر المزمن.. الأعراض والحلول الطبيعية لتخفيف الضغط النفسي

أصبحنا في زمن نعيش فيه مع التوتر والضغط يومياً كأنه رفيق لا يفارقنا، يطارد الصغير قبل الكبير، لقد أصبح العالم من حولنا سريعاً وصعباً للغاية، وهذا يزيد من ضغطنا وتوترنا اليومي، حيث أظهرت إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن أكثر من مليار شخص حول العالم يعانون من اضطرابات نفسية، وتُعد اضطرابات القلق من أكثر الأنواع شيوعاً؛ ما يجعل فهمنا للإثارة الجسدية أمراً في غاية الأهمية.

استجابة الجسم الفطرية للضغط وإفراز الكورتيزول

جسمنا بذكائه الفطري لا ينتظر أوامرنا ليستجيب لهذا الضغط، بل يستقبل إشارات الخطر التي يبعثها التوتر ويتعامل معها، والنتيجة زيادة في إفراز هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر)، لكن هذه الزيادة ليست مجرد رقم في تحليل الدم، وإنما تحول كيميائي داخلي تترجمه أجسادنا إلى أعراض ملموسة، تذكرنا بقدرة الخالق، كما قال الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ {7} فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ) (الانفطار)، وفي قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين: 4).

آليات عمل هرمون الكورتيزول والأدرينالين

هرمون الكورتيزول تنتجه الغدة الكظرية إلى جانب الأدرينالين، يؤدي كل من الهرمونين دوراً في استجابتنا للتوتر:

  • الأدرينالين: هرمون الاستجابة للخطر الذي يتيح لك امتلاك الطاقة للقتال أو الهروب من التهديد.
  • الكورتيزول: يتبع اندفاع الأدرينالين لمساعدتك على البقاء مستيقظاً لفترة أطول، وتنظيم النوم والطاقة.

يزيد إفراز هرمون الكورتيزول في الصباح ليعطيك الحافز للخروج والعمل، ويبدأ يَقِلُّ إفرازه في الليل ليعطيك الراحة والسكون للنوم، لكن في وقتنا الحالي، أصبح إفراز الكورتيزول عالياً بصفة مزمنة، وينتج عن هذا أعراض تؤثر على صحتك على المدى الطويل.

الأعراض المزمنة لارتفاع الكورتيزول

وهذه بعض الأعراض التي تظهر عند زيادة إفراز هرمون الكورتيزول لفترة طويلة:

  • الدهون البطنية: يحفز الكورتيزول الزائد إنتاج الجلوكوز، الذي يُحوِّل بدوره هذا الجلوكوز الزائد إلى دهون تتراكم تحت الجلد مباشرة في منطقة البطن.
  • الضعف العضلي الشديد والإرهاق: يسبب ضعفاً وإجهاداً عاماً.
  • زيادة الوزن: زيادة مستويات الكورتيزول الناتجة عن التوتر تدفع الأشخاص إلى زيادة كمية الطعام الذي يتناولونه.
  • شراهة تناول السكريات: الشعور برغبة شديدة في تناول الحلويات دون إدراك أن هرمون التوتر هو السبب.
  • ارتفاع نسبة السكر في الدم: العلاقة بين هرمون الكورتيزول والأنسولين علاقة طردية؛ فكلما زاد الكورتيزول زاد الأنسولين في الدم.
  • ضعف الحرق: بسبب ارتفاع هرمون الأنسولين.
  • أرق واضطرابات في النوم.
  • تساقط الشعر.
  • انتفاخ الوجه.
  • احتباس الماء في الجسم.
  • صعوبة شديدة في نزول الوزن.
  • النسيان.
  • اضطرابات في الجهاز الهضمي.

فإذا كنت تعاني من هذه الأعراض أو كنت تتبع نظاماً غذائياً صحياً بهدف النزول في الوزن، ثم لاحظت ثباتاً في الوزن أو حتى زيادته، فإن السبب ارتفاع في هرمون الكورتيزول، حيث يعطل عملية حرق الدهون بشكل كبير جداً.

الحلول المقترحة لتخفيف حدة التوتر

إن كنت تعاني من ارتفاع الكورتيزول، فلا تقلق، فلكل داء دواء، وإليك بعض الحلول التي تساعدك في تخفيف حدة التوتر، ومن أهمها:

1- غذاء الروح والاستعانة بالعبادة:

لَمَّا كان التوتر مشكلة نفسية في المقام الأول، فإن أهم علاجاته تكون روحية، مثل تلاوة القرآن الكريم والصلاة، كما قال الله تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) (فصلت: 44)، وأيضاً قوله تعالى: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا) (الفرقان: 32)، وقوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) (البقرة: 45)، وأيضاً قوله تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28).

2- حلول سريعة المفعول:

  • الحمام الدافئ بالملح الإنجليزي (إبسوم): يساعد على امتصاص المغنيسيوم الموجود على الجلد، فيساعد على استرخاء العضلات المشدودة، يستغرق من 20 إلى 30 دقيقة لتقليل التوتر.
  • تمارين التنفس (بوكس تو بوكس): وهي كالتالي: أخذ شهيق عميق لمدة 4 ثوانٍ، ثم حبسه لمدة 4 ثوانٍ، ثم إطلاق الزفير ببطء على 4 ثوانٍ أخرى، ثم كتم النفس لمدة 4 ثوانٍ أخيرة، ويكرر هذا التمرين 5 مرات، يستغرق هذا التمرين من 20 ثانية إلى دقيقة لتقليل التوتر.

3- تعديل نمط الحياة والنظام الغذائي:

المحافظة على ساعات نوم منتظمة يومياً والابتعاد عن السهر، والتقليل من تناول الكافيين.

4- بعض الأعشاب الطبيعية المهدئة:

  • الأشواجندا والبابونج (الكاموميل): تعمل الأشواجندا على موازنة مستويات الكورتيزول على المدى الطويل ويفضل تناولها صباحاً بعد أداء تمارين التنفس.
  • البابونج واللافندر: مشروبات مهدئة، وللاستفادة منها بأكبر قدر يفضل أخذها في جو هادئ، فمثلاً التواجد في غرفة هادئة مع سماع القرآن الكريم لتضاعف تأثيرها المهدئ.
  • النعناع: مثالي إذا كان التوتر مصحوباً بآلام في البطن.

5- الدعم الغذائي المتكامل:

هناك بعض الأطعمة تساعد في تقليل الالتهاب وإبطاء إفراز هرمون الكورتيزول:

  • الأطعمة الغنية بالمغنيسيوم: السبانخ، الخرشوف، اللوز، الكاجو، الأفوكادو، بذور الكتان، بذور اليقطين، الذرة الصفراء، الموز.
  • الأطعمة المُخَمَّرة: الزبادي اليوناني، الكومبوتشا، مخلل الملفوف.
  • البروتين: الاهتمام بأخذ الكمية الكافية من البروتين فهو غني بالأحماض الأمينية التي ترفع مستويات السيروتونين في المخ.
  • الدهون الصحية: كتلك الموجودة في الأفوكادو وزيت الزيتون والمكسرات.
  • الكاكاو والشوكولاتة الداكنة: يعزز السيروتونين ويشعرك بالاسترخاء.

6- النظام الرياضي المتوازن:

  • تمارين القوة الخفيفة: لبناء الكتلة العضلية.
  •  التمارين المعتدلة: المشي السريع والسباحة.

كل هذه الحلول تحتاج إلى عنصر أساسي واحد؛ الصبر، فجسمك الذي اعتاد على حالة التوتر والدفاع عن نفسه، يحتاج إلى وقت ليقتنع بأن حالة الخطر قد زالت، وأنه يمكنه العودة إلى حالة التوازن.

وهنا يأتي دورك؛ ابتعد عن المأكولات الجاهزة والمصنعة والسكريات؛ فهذه الأطعمة تزيد من الالتهابات في الجسم وتُربك نظامه الهرموني؛ ما يعطي إشارات خاطئة للجسم بأنه لا يزال في حالة تهديد.

كن صبوراً ومستمراً؛ فلا تتوقع نتائج فورية، استمر في تطبيق هذه العادات الصحية، حتى يبدأ جسمك في الاستجابة ويتأكد أن الضغط قد انتهى، فيقلل تدريجياً من إفراز الكورتيزول.

فالثبات على هذه العادات رسالة طمأنة يومية ترسلها إلى جسدك، تقول له فيها: لا خطر، لا خوف، يمكنك أن تهدأ.

كن صديق جسدك ونفسك، اهتم بهما جيداً، فأنت بهما إنسان، وأي إهمال للجسد والنفس سيؤدي إلى اضطرابات ومشكلات أنت في غنى عنها، ومن الحكمة أن تبدأ الاهتمام بنفسك قبل أن تبدأ الاهتمام بغيرك.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة