«الفيتو» الأمريكي.. حماية للاحتلال الصهيوني وعداء للعدالة الدولية

إياد القطراوي

28 سبتمبر 2025

62

في 18 سبتمبر 2025م، عطّل «الفيتو» الأمريكي قرارًا في مجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، ورفع قيود إدخال المساعدات، وإطلاق سراح الأسرى.

حصل المشروع على تأييد 14 عضوًا من أصل 15، غير أنّ الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) مبرّرة موقفها بأن نصّ القرار لا يدين حركة «حماس» صراحةً، ولا يقرّ بحق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها، وأن صياغة قرار من هذا النوع قد تعقّد جهود تبادل الأسرى والمفاوضات الحساسة، هذه كانت الحجج الرسمية المعلنة من واشنطن.

حق النقض (الفيتو) أداة حماية للاحتلال وعائق أمام العدالة الدولية

هذا التصويت أعاد إلى الواجهة سؤالًا جوهريًا: هل استخدام «الفيتو» في هذه القضية يعني حمايةً للاحتلال وإعاقةً لمسار العدالة الدولية؟ وكيف يمكن للمجتمع الدولي والمقاومة المدنية والدبلوماسية القانونية مواجهة هذا الواقع؟

يُعدّ حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به الولايات المتحدة في مجلس الأمن أداة سياسية ودبلوماسية ذات تداعيات عميقة على النظام الدولي، وعلى مسار العدالة وحقوق الإنسان، وقد أثار استخدامه مرارًا جدلاً واسعًا، خصوصًا فيما يتعلق بالنزاع الفلسطيني–الصهيوني؛ ما يطرح تساؤلات جدية: هل هو أداة لحماية الاحتلال أم عائق أمام العدالة الدولية؟

«الفيتو» الأمريكي.. أداة قوة إستراتيجية

يمنح «الفيتو» الأمريكي القدرة على تعطيل أي قرار قد يُدين حليفًا إستراتيجيًا للولايات المتحدة (دولة الاحتلال)، فمنذ عام 1972م، استخدمت واشنطن «الفيتو» عشرات المرات لمنع صدور قرارات تدين ممارسات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الاستيطان، والاعتقالات الإدارية، والعمليات العسكرية.

«الفيتو» الأمريكي يضعف دور مجلس الأمن كأداة للردع وحماية القانون الدولي

هذا الاستخدام يعكس منظورًا إستراتيجيًا واضحًا: حماية حليف إقليمي رئيس، وضمان النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وإبقاء مسار النزاع ضمن نطاق السيطرة الأمريكية، بعيدًا عن الضغوط الدولية.

تأثير «الفيتو» على العدالة الدولية

«الفيتو» الأمريكي يخلق حالة حصانة فعلية للاحتلال، ويضعف دور مجلس الأمن كأداة للردع وحماية القانون الدولي، وعندما تُمنع القرارات التي تدين الانتهاكات أو الاحتلال بالقوة، يواجه القانون الدولي مأزقًا خطيرًا:

1- تآكل ثقة المجتمع الدولي: إذ تظهر معايير مزدوجة تسمح للدول الكبرى بحماية مصالحها على حساب العدالة.

2- الإضرار بمصداقية الأمم المتحدة: فيفقد مجلس الأمن دوره كهيئة قادرة على فرض الالتزام بالقانون الدولي.

3- تشجيع الإفلات من العقاب: عندما تعلم دولة أن حليفتها الكبرى ستمنع محاسبتها، يزداد احتمال ارتكابها مزيدًا من الانتهاكات.

«الفيتو» كعداء للعدالة الدولية

من منظور حقوقي وقانوني، يشكل «الفيتو» الأمريكي أحد أبرز العوائق أمام محاسبة الاحتلال على انتهاكاته، فهو يحجب تنفيذ قرارات مجلس الأمن، ويعرقل التحقيقات والملاحقات الدولية، ويجعل القرارات مجرد بيانات غير ملزمة، هذا الواقع يكرّس ازدواجية المعايير ويجعل العدالة الدولية رهينة السياسة الأمريكية.

بدل أن يكون «الفيتو» وسيلة لحفظ الأمن والسلم أصبح سلاحًا لتعطيل القرارات العادلة

لماذا يُعتبر «الفيتو» حماية للاحتلال وعداءً للعدالة؟

تحوّل حق النقض من وسيلة لحفظ السلم والأمن الدوليين إلى سلاح لتعطيل القرارات العادلة، وأداة للانحياز ضد قيم العدالة وحقوق الشعوب، وذلك من خلال:

1- إحباط المساءلة الدولية في لحظات حاسمة: كمنع قرارات بوقف إطلاق النار أو فرض عقوبات؛ ما يعرقل المسارات القانونية والسياسية.

2- إضفاء شرعية ضمنية على السياسات القمعية: إذ يُقرأ الامتناع عن اتخاذ إجراءات كغطاء سياسي لاستمرار الانتهاكات.

3- تطويع آليات الأمم المتحدة: عبر تكرار استخدام «الفيتو» في قضايا الاحتلال؛ ما يثير تساؤلات حول حيادية مجلس الأمن.

الحجج الأمريكية المضادة

تقول واشنطن: إن «الفيتو» وسيلة لحماية الحلفاء الإستراتيجيين وضمان الاستقرار الإقليمي، وإن دولة الاحتلال تواجه تهديدات وجودية، وتضيف أن قرارات سريعة قد تضر بجهود تبادل الأسرى أو تمنح غطاءً للتنظيمات المسلحة.

يمكن مواجهة «الفيتو» الأمريكي بمزيد من المسارات والقرارات وبناء جبهة دبلوماسية موحدة

لكن هذه الحجج تكشف تناقضًا واضحًا؛ إذ تؤكد الولايات المتحدة حق الاحتلال في الدفاع عن نفسه، بينما تنكر حق الشعوب في المقاومة والتحرر، وتصفها بـ«الإرهاب»، وهو ما يبرز انحيازها الفاضح للجلاد على حساب الضحية.

كيف يمكن مواجهته؟

رغم هيمنة «الفيتو» الأمريكي على معظم قرارات مجلس الأمن لصالح دولة الاحتلال، يمكن مواجهته عبر مسارات متعددة، منها:

1- المسار القانوني:

  • متابعة الدعاوى أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
  • تفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية في المحاكم الوطنية لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب.

2- المسار الدبلوماسي:

  • الدعوة لاجتماع طارئ للجمعية العامة لإصدار توصيات تعبّر عن الإرادة العالمية، ولو كانت غير ملزمة.

3- الضغوط الاقتصادية:

  • فرض حظر على تصدير الأسلحة أو تعليق المبيعات.
  • مقاضاة الشركات التي تدعم الاحتلال أو تستفيد من انتهاكاته.

4- الحراك المدني:

  • حملات مقاطعة وحظر استثمارات.
  • احتجاجات مدنية وتعطيل شحنات عسكرية.

5- بناء جبهة دبلوماسية دولية:

توحيد مواقف دولية وإقليمية لخلق ضغط سياسي واقتصادي أكبر، ودعم القضايا أمام المحاكم الدولية.

«الفيتو» الأمريكي يمثل نقطة محورية في الصراع بين السياسة الدولية والعدالة الدولية، فهو أداة إستراتيجية لحماية المصالح الأمريكية وحلفائها، لكنه في الوقت ذاته حاجز أمام محاسبة الاحتلال على انتهاكاته، والسؤال الأعمق: هل يمكن لمجلس الأمن أن يكون فعلًا هيئة للعدالة الدولية ما دام أحد أعضائه الدائمين قادرًا على تعطيل أي مسار قانوني أو أخلاقي؟

ربما يتطلب الأمر إعادة النظر في توازنات القوة داخل الأمم المتحدة، وإعادة تصور آليات العدالة الدولية، بحيث لا تبقى رهينة لـ«فيتو» فردي يقوّض مبادئ العدالة وحقوق الشعوب.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة