السودان.. «الفاشر» تحترق والعالم يصمت!
 
                    مدينة الفاشر التي لطالما مثّلت آخر معقل مهمّ للجيش السوداني في دارفور، باتت على أعتاب تحول جوهري في سياق الصراع الدائر في السودان بين قوات «الدعم السريع» المتمردة، والجيش السوداني.
ففي اليومين
الأخيرين، أعلنت قوات «الدعم السريع» الاستيلاء على قاعدة عسكرية رئيسة داخل
المدينة؛ ما قد يغيّر موازين القوى في الإقليم، ويزيد من الأخطار الإنسانية التي
تواجه المدنيين المحاصَرين تحت الحصار والقصف، هذا التقرير يرصد أحدث التطورات، وخلفياتها،
وتأثيراتها الإنسانية، وكذلك التحديات المقبلة.
خلفية الصراع وتحوّل الفاشر إلى محور
يعود الاشتباك
المسلّح بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» إلى أبريل م2023، حين بدأت القوى التابعة للقائد محمد حمدان دقلو «حميدتي» تمثّل
قوة موازية وجزءًا من مشروع تصفية التبعية للجيش.
ومنذ أكثر من
عام، تُحيط قوات «الدعم السريع» بالفاشر بحصار برّي وجوي، حيث أُغلقت جميع الطرق
الرئيسة وأُقيمت حواجز ترابية حولها، وتعرضت المدينة لقصف بالطائرات المسيّرة
والمدفعية الثقيلة.
وقد تأثّرت
الحياة المدنية بشدة؛ الأسواق انهارت، وأسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل صاروخي،
وسبل العيش باتت مهدّدة، بحسب «الجزيرة».
السيطرة العسكرية
ووفق تقرير
نشرته صحيفة «Financial
Times» أمس
الإثنين، أعلنت قوات «الدعم السريع» الاستيلاء على قاعدة الجيش السوداني الأخيرة
في الفاشر؛ ما يمنحها سيطرة تقريبية على المدينة.
وفي الفيديوهات
التي تداولها المليشيا، بدا مقاتلوها يحتفلون داخل مقرّ القاعدة، في حين أفاد
مقيمون بفرار آلاف المدنيين هربًا من القصف والاشتباكات.
المعركةُ هذه
تُعدّ نقطة تحوّل، إذ تمكّن قوات «الدعم السريع» من ربط مناطق نفوذها في غرب
السودان والسيطرة على طرق التهريب والثروات المعدنية؛ الأمر الذي يُخشى أن يمهّد
لانقسام فعلي في البلاد.
الأزمة الإنسانية المتفاقمة
تجدر الإشارة
إلى أن الأوضاع الإنسانية في الفاشر بلغت حدًّا مقلقًا؛ فتقرير حديث لـ«MedGlobal» أفاد بأن أكثر من 90% من المنازل في الفاشر تعرضت للتدمير أو
النهب، وأن حوالي ربع الأسر شهدت وفاة أحد أفرادها خلال الثلاثة أشهر السابقة.
وبحسب منظمة International Organization for Migration (IOM)، فقد نزح أكثر من 3 أضعاف عدد الأشخاص إلى
مدينة تَعْويلا المجاورة خلال أيام قليلة نتيجة تدهور الأوضاع.
أيضًا، الهجمات
الأخيرة شملت استهداف مراكز إيواء للنازحين، إذ قُتل ما لا يقل عن 53 مدنيًا،
بينهم نساء وأطفال، جراء غارات جوية ومدفعية من قبل قوات «الدعم السريع». 
تحليل المسار.. ما وراء سقوط الفاشر؟
يُورد الصحفي
لقاء مكي، في حسابه عبر منصة «إكس»، أن ما يحدث في السودان ليس مجرد صراع مسلّح،
بل بداية مسار تقسيم آخر للبلاد، حيث أصبحت قوات «الدعم السريع» تتحكم عمليًا في
غرب ووسط السودان، ومعها ثروات البلاد من الذهب، ويُذكّر بأن هذه القوات لم تنشأ
من الصفر، بل وُلدت ضمن منظومة نظام الرئيس السابق عمر البشير الذي منحها شرعية
وقدرة وهيمنة كقوة موازية، ثم تحوّلت إلى خصم للجيش الذي كان يدين له بالولاء،
ويرى أن قصة السودان منذ 4 عقود هي نموذج للفشل في الحكم وبناء الدولة، وهيمنة المليشيات،
والضحية فيها هو الشعب ومستقبله.
من جهة أخرى،
يشير المحلّل أنيس منصور، عبر منصة «إكس»، أن هجوم الفاشر وسقوط مقار الفرقة
السادسة مشاة تحت وطأة القصف، مع النزوح الجماعي، يعيد إلى الأذهان ما عاشه سكان
غزة تحت الحصار والقصف.
وأيضًا، موقف
المتحدثة باسم الخارجية الألمانية أنيكا كلاسين، عبر منصة «إكس»، جاء تحذيريًا، إذ
قالت: إن المجتمع الدولي الذي يلوذ بالصمت اليوم سيجد نفسه غدًا أمام تمدد هذا
الخطر إلى دول الجوار الهشة، هذه الرؤى تُركّز على أن التفرّق العسكري لا ينهي
الصراع، بل يجوز أن يمهّد لإعادة تركيب جديد للدولة أو لهيمنة مليشياوية على أجزاء
واسعة من البلاد.
التأثيرات المحتملة على الإقليم
سيطرة قوات «الدعم السريع» على الفاشر قد تُسهّل ربط مناطق نفوذها غرب السودان بليبيا وشمال أفريقيا عبر شبكات التهريب والتحكّم في الموارد الطبيعية؛ ما قد يُفضي إلى «دولة موازية» داخل السودان، كما أن تداعيات النزوح الجماعي من الفاشر إلى تشاد وليبيا وغيرها تُشكّل ضغطًا على دول الجوار، وقد تؤجّج الصراعات العرقية والقتال على الموارد، من الناحية الداخلية، سقوط الفاشر قد يفرّغ الحكم والسلطة المركزية في الخرطوم، ويُضعف قدرة الدولة على فرض القانون والنزاهة في دارفور، ويُمكّن قوات «الدعم السريع» من تسليط نفوذها على قطاعات الأمن والاقتصاد.
السيناريوهات المُحتملة والخطوات العاجلة
- سيناريو أقل
سوءًا: هدنة محدودة تتيح دخول مساعدات إنسانية، لكن السيطرة تبقى لقوات «الدعم
السريع».
- سيناريو أسوأ:
سقوط رسمي للفاشر بالكامل، وامتداد حصار أعمّ أو انقسام إداري بسبب «دولة موازية»
في غرب السودان.
- سيناريو تصعيد
إقليمي: نزوح كبير نحو تشاد أو ليبيا، تدخل محلي أو إقليمي لدعم أحد الطرفين،
وازدياد الفوضى وهوامش السلطة.
ما تشهده الفاشر ليس مجرد معركة عسكرية، وإنما اختبار لمدى قدرة الدولة والمجتمع الدولي على حماية المدنيين، وضمان العدالة والنزاهة بدلاً من التفكّك والفوضى، ومع سقوط المدينة أو تغيير السيطرة عليها، ليس ما يخسره السودان فقط الأراضي، بل يُخسر الإنسان، والتاريخ، والفرصة لنهضة وطنية، إذا كانت الفاشر تُقاوم اليوم رغم القصف والجوع، فإن صمت العالم والمجتمع الدولي ليس خيارًا محايدًا، وإنما شريك في مأساة تُختم بفقدان الأمل.
 
                                             
                     
                 
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                