الجزاء من جنس العمل.. 10 أدلة قرآنية

تتعدد الموازين وتختلف المقاييس في دنيا الناس، فيُظلم البريء، ويُكرم المسيء، وتُغلق أبواب العدل بأقفال الهوى والمصلحة، غير أن هناك ميزانًا لا يختلّ، وعدالةً لا تميل، إنها عدالة الله التي لا تُغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصتها. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ ‌لَا ‌يَظْلِمُ ‌مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ (النساء: 40). تلك العدالة التي تُخاطب القلوب قبل أن تُقاضي الأجساد، وتُقيم الحجة بالمعاملة نفسها التي عامل بها العبدُ غيره، فيُقال له: كما تدين تُدان.

وتتمثل قواعد العدالة الإلهية فيما نص عليه القرآن الكريم من خلال الآيات التالية:

1- قوله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ ‌الْإِحْسَانِ إِلَّا ‌الْإِحْسَانُ﴾ (الرحمن: 60).

أي: ما جزاء من آمن وعمل صالحا، وخاف مقام ربه، ونهى نفسه عن الهوى.. إلا أن يجازى الجزاء الحسن، ويقدم له العطاء الذي يشرح صدره وتقر به عينه.

2- قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا ‌يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (الزلزلة: 7-8).

أي: فمن كان منهم قد عمل في دنياه عملا صالحًا رأى ثماره الطيبة، حتى ولو كان هذا العمل في نهاية القلة، ومن كان منهم قد عمل عملا سيئًا في دنياه، رأى ثماره السيئة، حتى ولو كان هذا العمل- أيضا- في أدنى درجات القلة. وهذا أعمّ نصٍّ في أن الجزاء يكون من جنس العمل في الخير والشر.

3- قوله تعالى: ﴿جَزَاءً ‌وِفَاقًا﴾ (النبأ: 26).

أي: جزاءً موافقًا لأعمالهم، فنحن لم نظلمهم بإلقائهم في جهنم، وإنما جازيناهم بذلك جزاء موافقا لأعمالهم السيئة في الدنيا.

4- قوله تعالى: ﴿‌وَمَكَرُوا ‌وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (آل عمران: 54).

المكر: هو التدبير المحكم. أو صرف غيرك عما يريده بحيلة. وهو مذموم إن تحرى به الفاعل الشر والقبيح، ومحمود إن تحرى به الفاعل الخير والجميل.

والمعنى: أن أولئك اليهود الذين أحس عيسى منهم الكفر دبروا له القتل غيلة واتخذوا كل الوسائل لتنفيذ مآربهم الذميمة، فأحبط الله تعالى مكرهم، وأبطل تدبيرهم بأن نجى نبيه عيسى عليه السلام من شرورهم.. {وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} أي: أقواهم مكرًا وأنفذهم كيدًا، وأقدرهم على العقاب. ويدل عليه قوله تعالى: ﴿‌وَمَكَرُوا مَكْرًا ‌وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (النمل: 50-51). وقوله عز وجل: ﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ ‌وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ (فاطر: 43)، وقوله أيضا: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا. ‌وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ (الطارق: 15-16).

5- قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ‌فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ (البقرة: 194).

أي: ‌فمن ‌اعتدى ‌عليكم وظلمكم فجازوه باعتدائه وقابلوه بمثل ما اعتدى عليكم بدون حيف أو تجاوز للحد الذي أباحه الله لكم.

6- قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا ‌بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ (النحل: 126).

أي وإن أردتم معاقبة من ظلمكم واعتدى عليك، فعاقبوه بمثل ما فعله بكم، ولا تزيدوا على ذلك، فإن الزيادة حيف يبغضه الله عز وجل.

7- قوله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ ‌سَيِّئَةٍ ‌سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ (الشورى: 40).

أي إن الله تعالى يأمركم أنكم إذا أردتم الانتصار من الباغي فعليكم أن تقابلوا بغيه وظلمه وعدوانه بمثله بدون زيادة منكم على ذلك. ويدل على ذلك أيضا قوله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ ‌بِمِثْلِهَا﴾ (يونس: 27).  أي: جزاء الذين اجترحوا السيئات، واقترفوا الموبقات، سيئات مثل السيئات التي ارتكبوها.. والمقصود أنهم كما كسبوا السيئات في الدنيا، فإن الله تعالى يجازيهم عليها في الآخرة بما يستحقون من عذاب ومصير سيئ.

8- قوله تعالى: ﴿‌نَسُوا ‌اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ (التوبة: 67).

أي تركوا طاعة الله وخشيته ومراقبته، فتركهم سبحانه وتعالى، وحرمهم من هدايته ورحمته وفضله، بل إنه أنساهم أنفسهم حين خرجوا عن طريقه، فقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ‌نَسُوا ‌اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ (الحشر: 19). أي: احذروا أن تكونوا كأولئك الذين تركوا التكاليف التي كلفهم الله بها، فتركهم سبحانه وتعالى إلى أنفسهم، بأن جعلهم ناسين لها، فلم يسعوا إلى ما ينفعها، بل سعوا فيما يضرها ويرديها.

9- قوله تعالى: ﴿‌فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا﴾ (الطلاق: 9).

جاءت هذه الآية في سياق استكبار الكافرين وعتوهم في الأرض، وأن الله تعالى جازاهم بذلك عقابا كبيرا مناسبا لما هم فيه من الكبر والغرور، حيث قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ ‌عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (٨) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا﴾ (الطلاق: 8-9). والمعنى: وكثير من أهل القرى الماضية، خرجوا عن طاعة ربهم، وعصوا رسله، فكانت نتيجة ذلك أن سجلنا عليهم أفعالهم تسجيلا دقيقًا، وجازيناهم عليها جزاء عادلا، بأن عذبناهم عذابًا أليمًا، وعاقبناهم عقابًا نكرًا.

10- قوله تعالى: ﴿‌الْيَوْمَ ‌تُجْزَى ‌كُلُّ ‌نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ (غافر: 17).

أي في هذا اليوم الهائل الشديد تجازى كل نفس من النفوس المؤمنة والكافرة، والبارة والفاجرة، بما كسبت في دنياها من خير أو شر، ومن طاعة أو معصية. ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: ﴿‌مَنِ ‌اهْتَدَى ‌فَإِنَّمَا ‌يَهْتَدِي ‌لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (الإسراء: 15).

الحكمة من هذا الميزان العادل

1- تربية النفوس على مراقبة الله قبل مراقبة الناس.

2- تحقيق التوازن الاجتماعي القائم على الرحمة والعدل.

3- إظهار كمال عدل الله الذي لا يظلم مثقال ذرة.

4- تثبيت الإيمان بالجزاء الأخروي، فكل عمل يُرد إلى صاحبه بميزان الحق.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة