التثقيف الجنسي ضرورة معاصرة.. أهميته وأُسسه وموقف الشريعة الإسلامية

التثقيف الجنسي عملية تعليمية تهدف إلى
تزويد الأفراد بالمعلومات والمعرفة اللازمة حول الصحة الجنسية بطريقة علمية
ومنهجية، ويشمل هذا التعليم مواضيع متعددة، مثل: التكاثر ووسائل منع الحمل
والأمراض المنقولة جنسياً والتغيرات الجسدية والنفسية خلال مراحل النمو والمهارات
الحياتية اللازمة لإقامة علاقات صحية سليمة ومسؤولة.
أهمية التثقيف الجنسي وفوائده الصحية والاجتماعية
تعود عملية التثقيف الجنسي بالعديد من
الفوائد الأساسية على الأفراد والمجتمع، منها:
1- تعزيز الصحة العامة والوقاية من الأخطار
الصحية: من خلال تقليل معدلات الأمراض المنقولة جنسياً عبر تعزيز المعرفة بالوسائل
الوقائية.
2- اتخاذ قرارات مستنيرة ومسؤولة: تعزز
عملية التثقيف الجنسي من قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات مستنيرة ومسؤولة بشأن
صحتهم الجنسية وعلاقاتهم وبناء فهم أفضل للعلاقات الإنسانية بما يشمل الاحترام
المتبادل والحدود الشخصية.
3- فهم الذات وتقدير التغيرات النمائية:
تمكن عملية التثقيف الجنسي الأفراد من فهم أنفسهم وتقديرهم لتغيراتهم الجسدية
والنفسية خلال مراحل النمو المتطورة خاصة خلال سن البلوغ؛ الأمر الذي يؤدي إلى
التأقلم مع مثل هذه التغيرات بثقة وفهم.
4- توجيه الشباب إلى المعلومات الصحيحة
وتعزيز المساواة: يوجه التثقيف الجنسي الأفراد خاصة الشباب إلى المعلومات الصحيحة
وضرورة الابتعاد عن المعلومات المشوهة أو الخاطئة التي تبثها بعض وسائل الإعلام
وشبكات التواصل، ويساهم في تعزيز فهم متساوٍ وصحي للجنسين لدورهم في المجتمع.
الأسس المنهجية لعملية التثقيف الجنسي
من أهم أسس التثقيف الجنسي الآتي:
1- مراعاة العمر الزمني في هذه العملية:
ويمكن حصر عملية التثقيف الجنسي للأولاد من خلال الأعمار الزمنية الآتية:
- فيما دون سن السابعة: نعلم أولادنا في هذه المرحلة آداب الدخول إلى الخلاء والخروج منه، وآداب الاستئذان وقرع الجرس.
- في سن التمييز (7-13 عاماً): نعلم أولادنا في هذه المرحلة آداب غض البصر والاستئذان والأحكام المتعلقة بالطهارة الحسية والمعنوية، ونبدأ في هذه المرحلة بالتفريق بين الأولاد في المضاجع وتطبيق مبدأ منع الاحتكاك الجسدي؛ تنفيذاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «وفرقوا بينهم في المضاجع»(1).
- في سن البلوغ (13-18 عاماً): وقد
تكون قبل الثالثة عشرة خصوصاً عند البنات وحسب الظروف المناخية كما هو معروف، نبدأ
هذه المرحلة بالإشارة إلى الدافع الجنسي لدى الإنسان، ونطرح مفهوم الثقافة الجنسية
العلمية المركزة من خلال شرح وظائف الجسم والتغيرات والتقلبات الجسمية المصاحبة
لمرحلة البلوغ.
ولعلّ من أهم أسباب ممارسة العادة السرية
واللجوء إلى الجنسية المثلية هو غياب الثقافة الجنسية عن الأولاد في هذه المرحلة
بالذات، حيث يحتاجون فيها لمعلومات علمية صحيحة وتربية سليمة.
2- تزويد الأفراد بالمعلومات الصحيحة:
حول طرق الوقاية وفهم التغيرات التي يمر بها الأفراد خلال فترات البلوغ والمراهقة؛
ما يساعد على التقليل من القلق والإحراج ويعزز الثقة بالنفس.
3- تعزيز العلاقات الصحية: لأن ذلك يساعد
الأفراد على فهم أهمية الاحترام المتبادل والحدود الشخصية في العلاقات؛ ما يؤدي
إلى تقليل حالات الاستغلال والاعتداء.
4- الحملات التوعوية والمحتويات الرقمية:
من أركان عملية التثقيف الجنسي، ولا بد من تنظيم حملات توعوية من قبل الحكومات أو
المنظمات غير الحكومية لرفع مستوى الوعي بالصحة الجنسية وتقديم معلومات حول الجنس
بطرق تفاعلية وجذابة، واستخدام الإنترنت ووسائل الإعلام الرقمي والإنترنت كمنصات
لتقديم معلومات حول عملية التثقيف الجنسي بطرق مبتكرة.
موقف الإسلام من التثقيف الجنسي والإطار الأخلاقي
لقد اهتمت الشريعة الإسلامية بتكوين
الإنسان من كافة الجوانب الروحية والأخلاقية والاجتماعية والجنسية؛ لأنّ الإنسان
مخلوق فيه جسد يتطلب مراعاة رغباته وميوله وغرائزه، وروح تتسامى إلى الأعلى وعقل
يقدّر الأشياء حقّ قدرها؛ لذلك شرع الإسلام الزواج تلبية لدوافع الإنسان الفطرية
وحرم الرهبانية المتمثلة بالعزوف عن الزواج.
فالإسلام يشجع على طلب العلم والتثقيف في
جميع جوانب الحياة بما في ذلك التثقيف الجنسي، ولكن ضمن إطار أخلاقي وديني محدد،
فالإسلام يؤكد أهمية المعرفة الصحيحة حول الجنس والعلاقات الإنسانية وضرورة توجيه
هذه المعرفة بما يتماشى مع القيم الإسلامية والمبادئ الأخلاقية التي تحافظ على
الفطرة السليمة، مثل: العفة والحشمة واحترام العلاقة الزوجية.
ولا بد من العمل على تهيئة الأولاد
لمرحلة الزواج والاستقرار والإشباع العاطفي بين الزوجين، ويجب على الأم توجيه
ابنتها قبيل الزواج إلى آداب المعاشرة والطاعة، ولعلّ في وصية أمامة بنت الحارث
لابنتها خير شاهد على ما سبق.
فقد قالت: «أي بنية، إنك فارقت الحواء
الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه،
فأصبح بملكه إياك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً.
أي بنية، احفظي له عشر خصال يكن لك ذخراً
وذكراً؛ فأما الأولى والثانية: الصحبة له بالقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة،
وأما الثالثة والرابعة: التعهد لموقع عينيه والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منك
على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب الريح، وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت طعامه
والهدوء عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة.
أما السابعة والثامنة: فالاحتفاظ بماله
والإرعاء على حشمه وعياله؛ لأن الاحتفاظ بالمال من حسن الخلال ومراعاة الحشم
والعيال من الإعظام والإجلال، أما التاسعة والعاشرة: فلا تفشي له سراً ولا تعصي له
أمراً، فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره وإن عصيت أمره أوغرت صدره.
ثم اتقي- مع ذلك- الفرح بين يديه إذا كان
ترحاً والاكتئاب عنده إن كان فرحاً، فإن الخصلة الأولى من التقصير والثانية من
التذكير، وكوني أشد ما تكونين له إعظاماً يكن أشد ما يكون لك إكراماً، وكوني أكثر
ما تكونين له موافقة يكن أطول ما يكون لك مرافقة، واعلمي أنك لا تصلين إلى ما
تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت»(2).
توصيات لتطوير وتفعيل التثقيف الجنسي في مجتمعاتنا
لتحقيق الفائدة القصوى من التثقيف
الجنسي، يجب العمل على ما يلي:
1- تصميم مناهج تعليمية: تلائم مختلف
الفئات العمرية وتراعي القيم الثقافية والدينية، وضرورة ضبط مسألة التثقيف الجنسي
بأحكام الطهارة، وعلى رأسها آداب الغسل والاستنزاه والاستئذان.
2- تأهيل وتدريب المعلمين: ليكونوا
قادرين على تقديم المعلومات الجنسية بشكل علمي ومهني يتناسب مع القيم الثقافية
والمجتمعية والدينية.
3- تشجيع التعاون المؤسساتي: بين الأسر
والمدارس والمعاهد والجامعات والمؤسسات الصحية لتوفير بيئة تعليمية متكاملة، وعقد
المحاضرات والمؤتمرات الطبية لبيان آثار الانحراف الجنسي الذي يسبب الإصابة بجملة
من الأمراض الجسمية الخطيرة كالإيدز والزهري والسيلان.
4- استخدام التكنولوجيا واستغلال وسائل
الإعلام الرقمي: لنشر المعلومات الصحيحة والوصول إلى جمهور أوسع بطريقة مبتكرة
وجذابة.
5- إضافة مادة التربية الجنسية ودمج
المبادئ الدينية: ضرورة إضافة مادة التربية الجنسية كمادة من مواد المراحل
الدراسية في مؤسساتنا التعليمية، وألا تقتصر الثقافة الجنسية على مادة العلوم
والصحة فقط، مع أهمية دمج المبادئ الدينية التي تعزز الفهم الصحيح للجنس والصحة
الجنسية ضمن برامج التعليم الديني.
6- تنظيم حملات توعية مجتمعية: تستهدف
جميع فئات المجتمع لتعزيز الفهم الصحيح لمسائل الصحة الجنسية.
7- الإشراف والتأكد من ملاءمة المحتوى:
التأكد من أن المعلومات المقدمة في برامج التثقيف الجنسي تخضع لإشراف من متخصصين
وتتناسب مع المبادئ الدينية والأخلاقية.
ومن نافلة القول: إن التثقيف الجنسي يعد
جزءاً أساسياً من التعليم الشامل الذي يعزز الصحة العامة ويؤدي إلى بناء مجتمع
واعٍ ومسؤول من خلال تفعيل برامج تثقيفية مبنية على أسس علمية وأخلاقية؛ ما يفتح
المجال لتطوير برامج تثقيف جنسي تتماشى مع متطلبات العصر وتحترم المبادئ الدينية
والقيم المجتمعية.
__________________
(1) أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي
داود، مطابع الفجر الحديثة، حمص، د.ت، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة (495)،
ج1، ص87.
(2) الألوسي، محمود شكري بن عبد الله
البغدادي الألوسي، بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، دار الكتب العلمية، القاهرة،
ط1، 1415هـ/ 1995م، ج2، ص19.