الأمن الاقتصادي الخليجي.. من التحديات إلى شراكة الاستقرار مع أوروبا

سامح ابو الحسن

09 نوفمبر 2025

179

في ظل التحولات الجيو-اقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، ارتقى مفهوم الأمن الاقتصادي ليصبح أحد الأعمدة الأساسية لاستقرار الدول والمنظومات الاقتصادية، وليس مجرد هدف ثانوي، وفي منطقة الخليج العربي، التي تشهد تغيّراً متسارعاً في أنماط النمو والتنويع الاقتصادي، بات هذا المفهوم ليس خياراً بل ضرورة إستراتيجية واقعية.

وتتزامن هذه الحاجة مع استضافة دولة الكويت للمنتدى التاسع للأعمال تحت شعار «معاً من أجل ازدهار مشترك»؛ ما يضع العلاقات بين الخليج وأوروبا في قلب النقاش المتعلق بضمان الاستدامة الاقتصادية والحماية من الصدمات.

في هذا التقرير، نستعرض ماهية الأمن الاقتصادي، ونحلّ أبرز التحديات التي تواجهه في العالم العربي، ثم نبيّن كيف يمكن لمنتدى الأعمال الخليجي-الأوروبي أن يسهم في بنائه وتعزيزه.

أولاً: ما الأمن الاقتصادي؟

يُعرّف الأمن الاقتصادي بأنه «حالة يستطيع فيها الأفراد أو المجتمعات أو الدول أن تلبي احتياجاتها الأساسية باستمرار وبكرامة، وأن تحمي مصالحها الحيوية من التهديدات».

ويشير بحث حديث أيضاً إلى أن هذا المفهوم يتضمن حماية البقاء الاقتصادي، وضمان الاستقلال السيادي، وتحقيق الازدهار الاقتصادي، في ظل تهديدات مثل تعطّل سلاسل التوريد أو خروج تكنولوجيا متقدّمة أو اعتماد مفرط على جهة واحدة.

وفي السياق الإسلامي، يُنظر إلى الأمن الاقتصادي أيضاً باعتباره جزءاً من الاستقرار الاجتماعي والسياسي؛ إذ يرى باحثون أردنيون–إسلاميون أن اقتصاد الدولة الآمن يرتبط بتحقيق مقاصد الشريعة وبناء نظام اجتماعي مستقر.

بالتالي، لا يمكن حصر الأمن الاقتصادي في بُعد مادي فحسب، بل يتضمّن البعد الاجتماعي، والقيمي، والتنفيذي داخل الدولة والمجتمع.

ثانياً: محاور الأمن الاقتصادي والتحديات في العالم العربي:

يمكن حصر أبرز المحاور التي يبني عليها مفهوم الأمن الاقتصادي في:

  • توفير احتياجات المعيشة الأساسية مثل الغذاء، والمساكن، والتعليم، والصحة.
  • فرص العمل والتمكين الاقتصادي التي تمنح الإنسان الكرامة وتتيح الاستمرار.
  • الاستقلال الاقتصادي وتقليص الاعتماد المفرط على الخارج أو على سلعة واحدة.
  • القدرة على الصمود أمام الصدمات الناتجة عن تغيّرات سوقية أو صدمات سياسية أو تغيّر مناخي.

التحديات في منطقة الشرق الأوسط والخليج

رغم الثروات والموارد، فإن دول الخليج والعالم العربي تواجه جملة من التحدّيات التي تؤثر سلباً على الأمن الاقتصادي، منها:

1- اعتماد كبير على الهيدروكربونات: ما يعرض هذه الدول لتقلبات أسعار النفط وتأثيرها المباشر على العوائد الحكومية والنمو الاقتصادي.

2- تنويع اقتصادي بطيء نسبياً رغم المبادرات، الأمر الذي يجعل بعض الدول أكثر عرضة للرضوخ لصدمة خارجية.

3- قضايا التوظيف والبطالة، خاصة بين الشباب والمقيمين، ما يهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

4- اعتماد كبير على سلاسل توريد دولية، جعل بعض الدول أقل مرونة في مواجهة الأزمات مثل جائحة «كوفيد-19» أو الاضطرابات اللوجستية.

5- تحوّل رقمي وتكنولوجي يتطلب حماية من أخطار التبعية أو هيمنة التكنولوجيا الأجنبية.

وعلى المستوى العربي، يرى البعض أن حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية ما تزال مهدّدة بسبب السياسات الاقتصادية ومحدودية شبكات الأمان الاجتماعي، وأن الأمن الاقتصادي يتطلب مستوى دخل حقيقي ونموّاً مستداماً وفرص عمل كافية.

ثالثاً: الأمن الاقتصادي في سياق التعاون الخليجي-الأوروبي:

يُعد التعاون الاقتصادي بين الخليج والاتحاد الأوروبي أحد المحاور التي يمكن أن تدعم الأمن الاقتصادي في منطقة الخليج عبر:

  • تنويع الأسواق: فتح أسواق أوروبية أمام المنتجات والاستثمارات الخليجية، وتوسيع شراكات تقنية وتجارية.
  • التكنولوجيا والتحول الرقمي: استقطاب الابتكار الأوروبي في القطاعات غير النفطية، مما يقلل الاعتماد على قطاع واحد.
  • التمويل المستدام والتقنيات الخضراء: مثل دعم مشاريع الطاقة المتجددة والبنى التحتية الذكية، كجزء من أمن الطاقة والاقتصاد.
  • تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (SMEs): التي تشكّل محركاً للنمو والتوظيف المحلي، وتخفّف بدورها من الاعتماد على العمالة الأجنبية أو السلع المستوردة.

ومن هذا المنطلق، يُعد المنتدى التاسع للأعمال الذي يُعقد تحت شعار «معاً من أجل ازدهار مشترك» منصة مهمة تربط هذه الأهداف مع جدول أعمال واضح يُعزز الاقتصاد الخليجي-الأوروبي.

رابعاً: تفاصيل منتدى الأعمال الخليجي-الأوروبي التاسع:

يقام المنتدى في بمدينة الكويت، وتأتي الكويت في هذا الدور باعتبارها رئيسة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 2025.

من المحاور الرئيسة التي يناقشها المنتدى:

  • حدود التجارة والاستثمار، وفتح آفاق الأسواق الخليجية والأوروبية المشتركة.
  • الاقتصاد الرقمي والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي.
  • مشاركة المرأة والشباب في مسار النمو الاقتصادي.
  • تنويع الاقتصاد الخليجي والخروج من الاعتماد التقليدي على النفط.
  • التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة والبنى التحتية الذكية.
  • الأمن الاقتصادي بما يشمل سلاسل توريد مرنة واستثمارات إستراتيجية مشتركة.

وأهمية الحدث تكمن في أنه:

  • يعزز التنويع الاقتصادي في الخليج، وهو عنصر جوهري في بناء الأمن الاقتصادي.
  • يوفر منصة لتبادل الخبرات والابتكار الأوروبي مع الموارد الخليجية، ما يقلل أخطار الاعتماد الأحادي.
  • يعزّز الاستثمارات المشتركة والاستقرار الاقتصادي، وبالتالي يصبّ في حماية مصالح الدول الخليجية من التحديات الخارجية.

خامساً: توصيات لتعزيز الأمن الاقتصادي الخليجي:

1- تحويل مخرجات المنتدى إلى إجراءات تنفيذية: فالتوقيع على مذكرات تفاهم ليس كافياً، بل ينبغي متابعة التنفيذ لضمان تأثير فعلي في القطاعات الحيوية.

2- تعزيز سلاسل التوريد المحلية والعالمية: ضمان تنويع المصادر والابتكار، لتقليل الاعتماد على جهة أو بلدة واحدة.

3- الاستثمار في رأس المال البشري: تدريب الكوادر الخليجية، وتعزيز مشاركة المرأة في الاقتصاد، ما يزيد من قدرة الدول على التكيّف مع التغيرات.

4- ترسيخ الحوكمة والشفافية: العمل على قوانين استثمار حديثة وإطار تنظيمي واضح؛ ما يرفع الثقة ويُقوّي الأمن الاقتصادي.

5- دمج الأبعاد الاجتماعية والقيمية: إذ إن الأمن الاقتصادي لا يُحقّق فقط بالأرقام، بل أيضاً بالاندماج الاجتماعي، والتوزيع العادل، والكرامة الإنسانية.

6- الأمن الاقتصادي ليس رفاهية أو ترفاً فكريّاً، بل ضرورة وطنية وإقليمية ترتبط جذورها بالاستقلال السيادي والتنمية المستدامة في منطقة الخليج، حيث التغيرات العالمية تفعل فعلها بسرعة، يبرز منتدى الأعمال الخليجي-الأوروبي التاسع نقطة محورية لتعزيز هذا الأمن عبر شراكة إستراتيجية مع أوروبا.

إذ إن الطريق لتحقيق الأمن الاقتصادي يتطلّب أكثر من خطط أو شعارات، إنه يتطلّب تنويعاً حقيقياً، واستثماراً بشرياً، وحوكمة متينة، ومن خلال التنويع، والتقنية، والشراكة التنفيذية، يمكن للمجتمعات الخليجية أن تنتقل من مرحلة الاعتماد إلى مرحلة تمكين الاقتصاد، فتكون أقل هشاشة وأكثر قدرة على الصمود في عالم يتغيّر بسرعة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة